Saturday 23 April 2011

حوار مع سلمان رشدي على أريكة وردية


أنا: انتظرتك كثيرا أيها "الفارس"!!
سلمان (بابتسامة ساخرة): اظنها محاولة منك في السخرية؟
أنا: هاه!! ولا تظن أن في الأمر سخرية! ظننتك يساريا راديكاليا... Down with the toriesفليسقط الملكيون! وها أنت تنحني أمام جلالتها تنال وساما من أجل جهودك "الادبية" !!! لا تكابر يا سيدي
سلمان: (يتنهد بأسى): عزيزتي أنا أبعد ما يكون عن اليسار المتطرف ... ثم أني مواطن بريطاني أحترم رموز وطني، والتقاليد الملكية جزء منها وليس لموقفي الفكري اعتراض عليها طالما أنها تلزم مكانها كرمز... (مدققا في) ألم تقرأي شيئا قبل الحضور إلى هذه المقابلة؟!
(صمت محرج)
سلمان: (متذكرا شيئا ..يضحك)كنت تريدينني أن أثور في وجه الملكة وأرمي بفروسيتها إلى وجهها كجون لينون مثلا
أنا: مثلا!
سلمان: (ساهما) مثل تلك الأيام خلت
أنا: لكن أهو مرضي لك أن تنال تقديرا تعلم أنه رمزي الدلالة ؟
سلمان: تعنين القصد الحقيقي من منحي الفروسية في هذا الوقت تحديدا... نعم أنا أدرك النوايا الحقيقية من هذا التقدير "المفاجئ" و أعرف أني لست الفتى المدلل لا في أوساط الملكية و المحافظين ولا حتى في الأوساط الادبية البريطانية التقليدية. أعي ذلك تماما! وأشك في أن من أشاروا على الملكة بمنحي وساما أن يكونوا قد قرأوا لي
أنا: ومع ذلك..
سلمان: ومع ذلك تسلمت الجائزة، نعم. لعدة أسباب.. أولا..أرى أنه رغم الإشارة الركيكة المباشرة في تنصيبي، لكنها ترسل رسالة واضحة إلى الأصوليين عن حرية التعبير، احدى القيم الهامة التي بنيت عليها حضارة أوروبا، والتي أخفقت في التمسك بها يوم أزمة كتابي.. والان وقد أدركت الخطأ الذي أوحلت فيه لا بأس من محاولتها اصلاح ذلك الخطأ
أنا: وثانيا؟
سلمان: ؟
أنا: لقد قلت أولا فما هو السبب الثاني؟
سلمان: (مطرقا يفكر) عقدان من الزمان وأنا أسير لكتابي ... صدقيني ما أعيشه هو أبعد مما قد يحلم به أي فنان. عندما تتحول قراءة أعمالي إلى موقف سياسي أو فكري، افقد المغزى الذي عشت لأجله..الكتابة! (بابتسامة مريرة) فقدت قرائي واكتسبت مؤيدين و معارضين سياسيين..ولست مرشحا في برلمان ..أنا مجرد كاتب! سيان أن أقبل تنصيب جلالتها أو أن أرفضه وطالما الامر كذلك..فلم لا؟ لو مررت بما مررت به، لو عشتي تحت الظروف الضاغطة التي عشت فيها وفوق كل ذلك عندما تسيرين نحو نهاية عمرك..لأدركت ما قد يعنيه هذا التنصيب لرجل مثلي...إنه كطوق نجاة ولتذهب كل دلالات التنصيب إلى الجحيم!
أنا: (ساهمة) تماما كاعتذار القمني!
سلمان: who؟
أنا: القمني كاتب مصري ، الهذا قدمت اعتذارك عام 1990 و أعلنت توبتك؟
سلمان: (محرجا) يا لها من ذاكرة تحضرينني بها إلى هذا الحوار! كانت محاولة .. ولكنها فشلت ، لم أنل من ورائها سوى مزيدا من السخط والإحراج
أنا: لو لم تكن قد كتبت ايات شيطانية، هل كن تستقبل بالتنصيب؟
سلمان: تعنين...
أنا: أعني لو كنت متخففا من حرجك في أن حكومة المحافظين التي ناهضتها هي التي دفعت التكاليف الباهظة في توفير الحماية لك، وأن المجتمع البريطاني الذي أشرت إلى علاته وأزماته هو الذي دفع من ضرائبه تكلفة بقاءك حيا
سلمان: (يضحك) ما جدوى هذا السؤال..لو كان كذا وكذا...عزيزتي لو لم أكتب ايات شيطانية لما نلت تقدير جلالتها.ألم نسلم منذ بداية الحوار أن التقدير كان رمزيا!!
أنا: إذا ترى ان كل ما التفتوا اليه هو الإساءة الموجودة في كتابك إلى الرموز الإسلامية..
سلمان: لقد قلت اني حرمت ككاتب من أن يتداول كتابي في الأوساط الأدبية والنقدية، وأن كل جهدي اللغوي وجهدي في بناء الرواية و تناولي فيها لمواضيع هوية المهاجر، وقضية التدين و الإيمان كل ذلك ذهب هباءا. لكني نعمت ككاتب أن يعيد كتابي بقوة إلى ساحة النقاش الفكري و السياسي قضية التعبير الحر وأن الفت النظر إلى الحركة الأصولية الإسلامية النامية في المجتمع الأوروبي، وتساهل المجتمع الأوروبي معها على حساب قيمها ومبادئها كنوع من التكفير عن تاريخها الإمبريالي. يسعدني انني كمسيح حملت كتابي صليبا عن كل من سيأتي بعدي ويقذف بأصابع التجديف القديمة: تسليم نسرين، حيدر حيدر، مارتن سكورسيزي
أنا: هل ترى أن هناك فرق بين حرية الكتابة وبين حرية الإساءة إلى الاخر، الإساءة إلى معتقده.. إلى رموزه المقدسة...
سلمان: لا.... لا فرق!
أنا: نعم سمعتك تقول أن حرية التعبير تتضمن حرية :الإستفزاز!
سلمان: تماما!
(صمت)
سلمان: تبدين غير مقتنعة بما أقوله..
أنا: بل ربما قلقة مما قد يعنيه قولك..
سلمان: في حوار لي مع مجلة ، قلت انه هناك حرب بين ثقافتين، ثقافة الرقابة وثقافة الحرية، وقلت أن حرية التعبير لا يجب أن تُحد بعدم استفزاز الاخر، لأنه إذا قلت أنه بوسعنا كتم أو مصادرة الاشياء بدعوى أنها تستفز الاخرين ، سنجبر كلنا.. أعني كـ لـ نـ ـا على الصمت. هكذا! هناك من يقول أن ما اقوم به هو تدنيس للمقدسات، حسن! لكن عندما يكون هناك صدام بين حرية التعبير و بين المعتقدات الخاصة للأفراد، يجب ان تعطى الأولوية لحرية التعبير ، وإلا فإن أي حرية -بما فيها حرية الاعتقاد نفسها- ستكون عرضة للمصادرة..لا عجب أن المفهوم الذي يكفل حرية الإعتقاد هو نفسه الذي يكفل حرية التعبير، لا يمكن أن تجادل عن واحد دون الاخر..
أنا :تعرف؟ عندما تفكر في الأمر...إن النزاع الأول الذي قاده الإسلام كان حول حرية الإعتقاد..ولكن في نفس الوقت وبنفس القوة حول حرية التعبير "أتقاتلون رجلا أن يقول ربي الله؟"..وتضمنت حرية التعبير هذه ..حرية إستفزاز معتقد الاخرين "أتسخر من الهتنا؟"
سلمان: أليس غريبا أن يقوم الإسلاميون الان بدور القرشيون..؟
أنا: نعم..يفعلونها الان بدعوى امتلاك الحقيقة...
سلمان: كل منا يرى أنه يقف على الجانب الذي يحمل الحقيقة
أنا: الهذا عارضت ذلك القانون الذي كان سيجاز في انجلترا حول منع إثارة الفتنة الدينية والعرقية وجعلها جنحة؟
سلمان: نعم... فأول المتضررين من هذا القانون هي الأديان التي يتم حمايتها، لأنه لنكون عادلين سيكون علينا حذف نصوص من الإنجيل من التوراة و القران بدعوى أنها تحرض على الكراهية لأصحاب المعتقدات الأخرى..
أنا: إن هذا الأمر بالغ التعقيد!
سلمان : قد ترينه كذلك..لكن صدقيني أن التعبير الحر  أقل ضررا من مصادرته... عالم من التعبير الحر لا يمكن أن يضر أحدا.... لكن مصادرة هذه الحرية تجر الكثير من الفتن، بما فيها التحريض على الكراهية.
أنا: لكن... لكن يا سلمان ..دقيقة! إن جعل كلمة عبد nigger مخالفة قانونية في نيويورك. والتحفظ على تناولها بشكل عام... غيرت من سلوك المجتمع الأمريكي تجاه السود...
سلمان: أتعتقدين؟(يضحك عاليا...عاليا...حتى يشرق)... أظنها مزحة...مزحة حقيقية أن تُمنع كلمة "عبد" ان تتداول على الشارع، بينما هي حقيقة على الأسود أن يعيشها في أمريكا...
أنا: أنت وقفت إلى جانب الكاتبة البنغلاديشية تسليم نسرين عندما تم مهاجمة روايتها، ووقفت إلى جانب الذين نشروا الرسوم الكارتونية عن النبي..و
سلمان: وقفت إلى جانب "حق" النشر..
أنا: نعم...هل تظن أن موقفك سيكون نفسه ... المؤرخ البريطاني ديفيد ارفينغ الذي تم طرده من فيينا أو الفرنسي روبرت فوريسون الذي صدر ضده حكم من المحكمة الفرنسية، لانكارهما وجود المحرقة اليهودية؟
سلمان: نعم... تماما! لا جدال في ذلك.... ومحاكمة المخرج سكورزيزي في فيلمه الإغراء الأخير للمسيح... كل هذه ضربات مصوبة إلى قلب الحضارة الغربية وكل ما كانت تمثله..


أنا: تذكرني بطرفة منسوبة إلى غاندي، أنه سئل عن رأيه في الحضارة الغربية؟ فرد : الحضارة الغربية! أعتقد أنها ستكون فكرة جيدة!!
سلمان: هناك حقيقة في مقولة المهاتما..فيبدو أن كل ما  تمثله الحضارة الغربية كان يقف على أسس هشة، الغرب يعمل دوما بنظام المعايير المزدوجة.. ما هو جائز هنا الان..قد لا يجوز غدا... أو ما يسري على هذا...لا يسري على ذاك. لكن أعيد كل ذلك إلى ثقافة الخوف... فالخوف من الضجة التي أصدرها كتابي ومصادرته من المكتبات كان على حساب التضحية بمعايير أكثر أهمية في الثقافة الأوروبية....و ما يحدث الان في قلب أوروبا من تفجيرات وحركات المتشددين هو نتيجة للمعايير المزدوجة التي تتعامل بها الثقافة الأوروبية مع قيمها ومبادئها.
أنا: نعود إلى الادب... لكن ألا ترى أن حرية الإستفزاز هذه عندما تضاف إلى الأدب... تجعله...كيف أقولها ... "فلقرvulgar" ... مبتذل؟
سلمان: في مرة قلت... ان الرواية في الأصل ليست جنسا محترما... فلا يوجد شيء يسمى الرواية المقدسة أو المحترمة أو المثال... الروائيون يقدمون رؤاهم الشخصية- الذاتية- الخاصة عن العالم، وهذا شيء لا يمكن أن تقوم به وأنت ترتدي قفازاتك ... الرواية ليست خطبة جمعة أو موعظة في كنيسة..الرواية ليست عملا فلسفيا..الرواية التي تريد أن تتحدث عن بلد ما..السودان مثلا..عليها أن تذهب إلى قلب هذه البلاد ...أن تتحدث عن أمعائها، دمائها، بصاقها ومخاطها... وإلا فأنت تتحدث عن شيء اخر غير السودان.. فهمتي ما اعنيه؟..ما أريد أن أقوله أن مفهوم"الحشمة..والإحترام" ليس جزءا من عملية كتابة الرواية... و لا يمكن أن يقيّم به عمل ادبي..
أنا : أوسكار وايلد قال، ليس هناك ما يدعى رواية غير أخلاقية... هناك فقط رواية رديئة أو جيدة
سلمان: بالضبط! ..وايلد..يا له من كاتب.
أنا: لقد صادرت أمي الرواية مني (وهي تنكر ذلك).. لذا سأتحدث معك عن روايتك من الذاكرة
سلمان: أعتذر انني لن أستطيع مساعدتك حيال هذا الأمر...
أنا: أعرف .. فهذا الحوار هو في غرفة ذاكرتي المشوشة! روايتك قرأتها محمّلة بالكثير..أتعرف؟ محمّلة بإحساس الخطيئة..
سلمان:عندما تصبح القراءة خطيئة!
أنا: ومحملة بالتقوى اللازمة لكراهية كل ما سأقرا مسبقا
سلمان: هه!
أنا: لكني دهشت من استخدامك الرائع والحيوي للّغة... يقولون أنك كسرت تقليد الكتاب الاسيويين ..قمت بتطويع اللغة الإنجليزية لتلائم موضوعاتك..أعني حشر الهندية /الأوردية دون تفسير لمعنى الكلمة..بل ولصقها إلى كلمات إنجليزية كأنها جزء أصيل منها.. واستخدامك لنثر متنوع وحيوي وفيه شيء من فوضى بومباي الصاخبة . المدهش أن الجزء الذي أثار العالم ولم يقعده في الرواية ليس هو الثيمة الأساسية في الرواية..
سلمان: ...إطلاقا..
أنا: الرواية تناولت مواضيعا كانت ستثري النقاش الأدبي والفكري الذي يجري في عالمنا الشرقي... كموضوع المهاجر إلى ثقافة المستعمر..إذا كنت قرأت رواية الطيب صالح موسم الهجرة..هي تتناول هذ الموضوع.. الصراع بين ثقافتين، ينتمي لهما المهاجر الإثنين..فلا هو أصبح ينتمي كلية إلى الثقافة التي وفد منها ولا هو مقبول تماما في الثقافة التي هاجر إليها...
سلمان: مشكلة اللامنتمي!!!كنت في مقابلة قلت أن المشكلة في الهجرة التي تعني الإقتلاع من الجذور لا تؤدي إلى أن يكون الإنسان بلا جذور...بل تعني الإنتماء إلى أكثر من جذر، فليست هي مشكلة الهوية التقليدية التي تعني أنك لا تدري من أين تأتي..بل تكمن في انك تأتي من أماكن كثيرة.بمعنى أنها ليست مشكلة غياب بقدر ما هي مشكلة فائض!
أنا: نعود إلى الصفحات في روايتك التي أثارت الجدل ،الإعتراضات التي كانت في حقك من المعتدلين أنك تناولت أمر الدين وأنت لست متبحرا فيه.
سلمان: عزيزتي أنا لا أتناول أمورا فقهية..أنا أتناول جزءا من ثقافتي ..السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي لم يروى من جهة واحدة، بل من مصادر كثيرة وعديدة، تتشابه في رواياتها أحيانا وتتعارض.. وصورة النبي في خضم كل ذلك كانت تختلف من رواية إلى رواية: نبي قامع لنساء، نبي محرر للنساء، نبي يحرّم المعازف والفنون، ونبي ينتقي من الشعر ويشحع الأدباء. نبي السيف ونبي الكلمة..أنا انتقيت بعض من هذه الحوادث من الرواية الإسلامية نفسها. هذا امر والأمر الثاني هو أني كنت أتناول قضية شائكة وهي الإيمان في الثقافة الإنسانية. هل هو أمر مجرد وموضوعي يسمو فوق أي تأثيرات ذاتية؟ أم أنه أمر متجذر في الذات البشرية وأهوائها ورغباتها وشهواتها؟
أنا: بما في ذلك ايمان النبي بنبوته..أعني هناك اسقاط ما بين حالة جبريل فاريشتا النفسية عندما يتوهم أنه جبريل ملاك الوحي وبين "مهاوند" وتصوره لنبوته التي ربما تصفها بأنها حالة فصام وخلط بين الواقع والحقيقة؟
سلمان: لا ليس تصور النبي لنبوته بل ايمانه بها، أنا هنا أتحدث عن مادة الإيمان. فأنا مؤمن بأن النبي كان مؤمنا بإيمانه كنبي... وليس سؤالي عن النبوة بقدر تساؤلي عن ماهية الإيمان.
أنا: لكن يا سيد رشدي، ما هي ضرورة بعض الأحداث كالتي بين هند ومهاوند، والصورة التي يظهر فيها خالد، والشخصية التي منحتها لسلمان.
سلمان: أولا أنا أرفض هذا التشريح المخلّ لروايتي، لأنه يخرج الأحداث عن سياقها، فحادثة هند مع مهاوند لا تجري بمعزل عن تجلي الإلهة للشاعر بعل. لكن عموما لصالح الإجابة، هناك عدة مستويات لسرد الرواية، أنا أروي عن جبريل من هو جبريل؟ نجم بوليوودي سينمائي بدأ حياته كعتال لأشرطة الأفلام، ثم تم اكتشافه من بين ممرات الأستديوهات السينمائية كممثل وسيم متخصص في تأدية أدوار الرموز الدينية كالالهة الهندوسية والبوذية، وخارج الاستديوهات هو نجم مشهور معبود الجماهير، بطبيعة الحال يصاب بالإكتئاب عندما يتقدم به السن وتذوي عنه الأضواء، فيقدم على الانتحار لكنه ينجو من الموت بأعجوبة، مما يحدث خللا في عقله، فيصاب بالإنفصام، وعدم قدرة على فصل الواقع من الخيال، أو حياته الواقعية عن أدواره السينمائية، فيؤمن بألوهية ما فيه، تتلاءم مع اسمه، فاسمه جبريل و لقبه"فاريشتا" يعني ملاك في الهندية، وهذا ما كانت تطلقه أمه عليه، جبريل يا ملاكي، فيتوهم أنه جبريل الملاك - جبريل الوحي، حضوره في حياة مهاوند النبي سيكون متناغما مع خلفيته البوليودية.. وعليها تروى السيرة بشكل سينمائي هندي بكل مكوناتها من قصص الحب والغيرة والتنافس. كقصة الحاكمة عائشة و المنفي السياسي علي. وهناك شيء هام اود ان أضيفه، انني كراوي لا اتخفى وراء شخصياتي، كل ما أفعله أني امنحها الحياة لتنطق، أخلق ظروف وجودها وأترك لها حرية الفعل والقول، تماما كما فعل صانع الدمى جيبيتو مع الدمية الخشبية بينوكيو
أنا: لكن ما تلك الحبكة الركيكة التي وضعتها ، يتصالح صلاح الدين تشامشا مع واقعه ويدرك أنه ليس انجليزي تماما ثم يتصالح مع جذوره الهندية، و يلتقي بصديقة طفولته الشيوعية
سلمان: لقد علمت دوما أن قليل من الرومانسية الوردية لا يمكن أن يضير أبدا بأي رواية. لكن يا عزيزتي هذا تحديدا هو تصالح صلاح الدين تشامشا مع واقعه، بكل بؤسه وخطله ورومانسيته السخيفة واماله.. لقد اندغم تماما مع جذره الذي تجاهله طويلا...
أنا: كتبت للأطفال "هارون وبحر الحكايا" وبها ظلال من أزمة كتابك، إذ انها تتحدث عن سلطان مملكة "سُت" أو هُس، الذي استولى على كل الحكايا ومنعها أن تتداول بين الناس، لكنك تحدثت عن نظرية هامة في الكتابة عن الأطفال
سلمان: نعم، عند الكتابة للأطفال لا بد أن تتخلى عن نبرة الإستعلاء بالمعرفة والوصاية الأخلاقية، وذلك أن يتقمص الكاتب طفولة لا تتواجد سوى في ذهنه، ويبتكر لغة يظن أنها لغة "الصغار". إن مهمتك ككاتب للأطفال أن تبتكر لغة تقنعهم فيها بقصتك ، فالأطفال جمهور مشكك كثير التساؤل لا يمكنك خداعه بلغة "غاغا- غوغو" التي نخاطب بها الرضع. أن تقنعه بما أنت مقتنع به سلفا، وليس بما تظن أنه على كل طفل أن يتناوله ككوب الحليب. انظري لويس كارول وأليس في بلاد العجائب ، يا له من راو لا يقل شأنا عن ماركيز، أو راوول دال وكتابه تشارلي ومصنع الشيكولاتة، أو تولكين و لورد الخواتم، أو سلسلة هاري بوتر.
انا: أذكر انك قلت أن اللغة المعقدة هي ما يسعى وراءه الطفل وليس المبسطة، وذكرت أن الطفل يستمتع بترديد كلمة ك loquacious بدلا من talkative حسن يا سيد رشدي يكفينا هذا القدر
سلمان: كما تشائين
أنا: لقد سعدت بـ ..عفوا؟ أكنت تقول شيئا؟
سلمان: اه ..نعم.. كنت أتساءل عن هذه الأريكة الوردية التي أجلستني عليها في غرفة ذاكرتك البيضاء
أنا: فوشية ... أنا أبضا أتيح لنفسي بعض الحماقات.



1 comment:

  1. منتهى الروعة ، بالنقد الابداعى اصبح ممكنا الخوض فى تابوهات المنطقة المحاطة بالهوس والتطرف والكراهية وانارة كثير من زواياها المظلمة ، احييك على هذه البراعة

    ReplyDelete