Saturday 23 April 2011

الكتابة في دائرة الإنيغما


عملية التصنيف في النقد بقدر ما تفتقر إلى الدقة، إنما هي محاولة لفتح الاحتمالات في النصوص ، وفق "قراءة" الناقد. مرت علي في الفترة الأخيرة مجموعة من النصوص لبعض الكتاب، على فترات متفرقة. وكل ما فعلته هذه الكتابات هو أنها دوما تثب أمامي بأفكار محددة في رأسي كلما قرأتها. حاولت أن أفكر فيما يجعل هذه الكتابات تحديدا تلقي بهذه الأفكار في رأسي دونا عن غيرها؟ ما الرابط بينها؟ ما وجه الشبه؟ سأحدث هنا عن الملامح العامة في كتابات : رندا محجوب، محمد الصادق الحاج، أحمد (النشادر) ومأمون التلب.
صدر مقال نقدي في صحيفة الرأي العام، معرضا بكتابات هذه المجموعة، حيث أن المقال كان محصورا في "أحب هذا لا أحب ذاك" وخرج بحكم قاطع: "ليس بشعر" ، إلا إن المقال حاول أن يخلق صلابة ما للعاطفة التي كتبت به، فحدد أسباب تجعل هذا الشعر: لا شعر. وقد وجدت هذه الأسباب مدخلا سانحا لكي أشير إلى أهم ما يميز كتابات هذه المجموعة. اسباب الناقد في حكمه كانت: 1- أنها كتابات غير مفهومة 2- غياب أي نوع من الموسيقى أو الإيقاع الداخلي للنصوص.
سيساعدني هذا التقسيم كثيرا فهو يشير إلى : 1- الثيمة 2- و الأسلوب
الإنيغما = غموض الظاهر
فلنتحدث اولا عن الثيمة"موضوع " النص، وإنما أعني المدخل أو الزاوية التي يتم بها تناول أي موضوع/ حدث/ فكرة ، فلنسمها الأيدلوجيا . كأن يكون مدخل أي كاتب ما لموضوع أو فكرة ما قبل أن يعالجه شعريا هو ( فكرة العالم المقسم إلى ثنائيات ، أو فكرة الإنسان مركز الكون ، أو الإنسان المسير دون تخيير ، أو الما وراء ) كلنا نعرف الزوايا المختلفة التي نظرت من خلالها البشرية إلى الأشياء وتم التعبير عنها بالأيدلوجيات، الأديان، الفلسفات و الفنون و الكتابة و الشعر. ، ما أعنيه ليس
أي زاوية اختارت هذه المجموعة؟ زاوية الغموض ، الغموض بمعنى الإنيغما enigma ، روب غرييه يقول : "الحقيقة أن العالم لا عبث ولا ذو دلالة. إنه ببساطة موجود....ووجوده هو أكثر ما يتميز به . إن هذه الحقيقة تصفعنا فجأة بقوة لا نستطيع حيالها شيئا" لماذا أستدل به هنا؟ في محاولته لوصف الرواية الجديدة، يتحدث عن وجود الأشياء خارج ذواتنا، وجودها وحضورها القوي الذي يجعل تحدثنا "بالنيابة" عنها أمر "سخيف" وهذه هي الإنيغما التي تستهدفها المجموعة، غموض "الواضح"، غموض "الظاهر" ، غموض "المرئي" ، غموض "السطح" في ذاته. غموضه هو في حضوره القوي، وجهلنا التام به، روب غرييه يفترض أن الكتابات التقليدية تتحدث عن كون ووجود هو في الحقيقة: غير موجود!ونفترض معرفة به غير حقيقية تخولنا للتحدث عنه، بالنسبة لغرييه هذا يترك لنا خيار واحد، الوصف دون محاولة التأويل والتفسير وهذه هي طريقة الكتابة من زاوية الإنيغما.
إذا ، الكاتب مهمته الوصف والتعليق، لا التفسير ، لا الشرح أو التبرير. فينقل ما يراه دون أي تدخل منه. فهو لا يتيح فرصة "لمنطقة" أو "عقلنة" الأشياء و الأحداث، لذا فهو ينقل الغريب حتى لو كان ما ينقله لنا هو تفصيل عادي، لكن الفارق هو أن الكاتب لم يقم بردم هذه الفجوة بين الحدث وتفسيره. أعتقد ان هذه المحاولة هي طريقة لإيجاد أول نوع من العلاقة الحقيقية مع العالم تقوم على معرفة مبنية على الموضوع ،لا معرفة مفترضة من الذات.
السخرية تكمن في أن التعبير عن هذا الواقع "الموضوعي" هو متاح عبر التعبير الذاتي فقط، أعني الوصف كما ترى، السرد كما ترى..لا كما هو متعارف عليه، لأنك حينها تتيح مجالا لما اتفق عليه، فتنتفي بذلك المعرفة من الموضوع إلى المعرفة من الذات، وحينئذ تكون الكتابة هي عن المتعارف عليه..أي خارج دائرة الانيغما
الوصف والوصف
أريد أن أخرج من كل هذا بملامح كتابة للمجموعة التي اخترتها
التعبير الذاتي الحر عن الواضح الماثل أمامنا ببعديه الإثنين، دون المحاولة على الإطلاق الإعتماد على أي بعد ثالث، أو عمق مفترض أو ما وراء. خاصة وأن الغموض في معناه العام، دوما يشير إلى الغير مرئي، إلى ما تحت السطح، ما وراء الظاهر، إلى ما هو غيرمعروف عن المعروف، ويعبر عنه - في الكتابة- بما تحت الوعي ، أو قوى الأحلام، أو البصيرة، ما أريد أن أوضحه عن هذه الكتابات ، عندنا أقول التعبير الذاتي أنها ليست شكل من أشكال التداعي الذاتي أو البوح ولا هي محاولة "كشف" عن الإنيغما، أو عرضها للقارئ. إنه وصف للوجود لكن ليس بأدوات الوصف الموضوعية إنما الذاتية. إنه الكون، الوجود، العالم، المفاهيم وفق رؤيتهم ، لا وفق إحساسهم أو وفق معتقدهم
لكن إذا كان موضوعك هو "الإنيغما" – كما شرحنا مفهومها- كيف تقوم بالتعبير عنها دون أن تقع في دائرة التعبير اللاواعي، أو إعطاء ملمح الخيالي، كيف تتجنب التعبير عن بعد ثالث وأنت تريد أن تحصر كتابتك في بعدين يتيح لك الوصف وفي نفس الوقت تتجنب أساليب المنطقة (كالرمزية مثلا). المهمة ليست سهلة، لأنك تريد وصف الإنيغما بوعي.
كبح الخيال وكبح المنطقة
هنا أتحدث عن الاسلوب، تستخدم مقدمة دوكاس في أناشيد مالدورو دوما كمرجعية لمنهجه في الكتابة، والذي وصف بأنه يخلق عالم خيالي "كابوسي" ، لكنه يطلب من القارئ أن يدخله بحضور كامل و "ثابت" لوعيه وعقله وإلا (كما يهدد دوكاس) تذوب روحه كما تذوب الماء السكر. لا يريدك دوكاس أن "تتعاطف" مع مالدورو و لا "أن تستوعب تبريرات" لفظائعه، يريدك فقط أن تتابع بوعيك و عقلك ما فعله ، أنت أيها القارئ لست حكما أنت مجرد شاهد. وهو ما تقوم به هذه المجموعة، ففي داخل عالم النص تعرض لك الإنيغما ، ويحتاج هؤلاء الكتاب أن يمنعوك من "تخيل" هذا العالم يكبحون خيالك لأن المطلوب هو حضور العقل
ثانيا. ما يقوم به الكاتب هو أن يكبح خيالك من مطاردة صور هذا العالم الغرائبي ،الغامض فهو يريدك أن تكون في داخله كما أعطاكه لا كما تتصوره،أو تتخيله، لذا يقوم الكاتب بإستحضار عقلك في كل لحظة، وذلك عبر التقنيات الواعية الرائعة التي يستخدمها، كاستخدام التعريفات، التشبيه، التدقيق والتفصيل في الوصف، أو استخدام المصطلحات العلمية واللغة العملية (أو التي توصف بأنها غير شعرية) بالمناسبة فإن ما أخذ على بعض هذه الكتابات من استخدامها اللغة الحسية هي واحدة من أهم أساليب استحضار العقل لا الحس كما يظن البعض، فإستخدام "التابو" يدق أو يجرح العقل بقوة لأنه إطلاق لجرس الإنذار الموجود في العقل حين يتم كسر "السائد". لا يريدونك أن تستخدم الكاتب كمرجع لإنفعالات ما ، فكما يريدك الكاتب في الموقع السلبي للمشاهد، يريد أن يصور نفسه في المشهد السلبي للواصف، للناقل
ثالثا: هناك تقنية تغييب السرد / التسلسل وتغييب الحبكة ، تغييب السرد يمنع عقلك من استدعاء خيالك لتوقع ما سيحدث، والاهم من ذلك أنه يمنع عقلك من أن تمنطق الأشياء وفق رؤيتك أنت. تغييب الحبكة يمنعك من تخيل او "استنتاج" محور للنص، أو نقطة ارتكاز له أو خلاصة تخصك أنت ولا يخص النص.
ثم يقوم الكاتب بمنعك أنت عن استخدامه كمرجع لعاطفة ما أو كمرجع لحكم ما : كأن تكره ما تقرأ أو تحب ما تقرأ، لأن الكاتب حريص على أن يحصرك في دور الشاهد السلبي، والتقنية المستخدمة أيضا عبر استخدام العبارات المبتورة لخلق نوع من الـسلبية ز فالكاتب يصف ويحسن الوصف ولكنه لا يبالي لما يصف: [ الشرنقة..قعرها.. الـمحض..الوصول..الصدفة..الطبقات .. الوضوح.. القامات.. إننا.. الحصول.. الصفوف.. الحصاد.. الخوف..الزيف..الإجتثاث..البلعمة البئر الشره المولع بالخلايا الميتة في كعب القدم وكل ما له علاقة بلعبة الذاكرة القاصرة أو كيف تؤكل الكتف....ما دمنا لم ننتحر] رندا محجوب: في وصف العدم كاملا
كلمات تبدو مبتورة من سياقها: الجمل غير المكتملة، العبارات غير المترابطة، الأفكار غير المعبر عنها ، كلها تعمل على فصل القارئ من تتبع احساس أو انفعال الكاتب. والتقنية الثانية: هي أن يقذف الكاتب ذاته في عالم النص، يفصلها عنه و أن تحكم على هذه الذات المقذوفة في النص "المستقلة"عبر استجوابها، أو محاورتها و خلق أفعال لها لا تخص الكاتب، فذاته كيان غامض عنه، هو نفسه يحاول التعرف عليه. [لم أكن أعلم أنني بيت حتى وجدت فيني غرفة مكتوب عليها "لو سمحت" اذا كنت انت هذا المكان فادخل وارحنا " وفعلا دخلت .. يا الهي ما اجملني ، الغرفة مفروشة بزهور بيضاء لدرجة انها وردية تساقطت علي حتى اصبت باغماء خفيف ورود وزهور .. ما اجملني .. تمرغت في قليلا .. ما أجملني .. حتى شككت صادقا في انني البرزخ ] ، أحمد النشادر: هذا وقد أشدنا ببذاءة اللحن . ويصبح الكاتب دليلك المفترض في النص يحتاج إلى دليل!
اللغة
أريد أن أشير إلى ملمح استخدمته هذه المجموعة ببراعة. وهي اللغة! رغم أن اللغة هي ما يستخدمه الكاتب في التعبير عن ذاته أوعن شيء ما أو يستخدمه في سرده، إلا أنه في كثير من الأحيان، يبدو أن الكاتب في سعيه خلف السرد أو الحبكة أو التعبير عن المكنون، يتناسى اللغة، وتفقد حضورها و تصبح وسيلة أو مطية توصلك عبر تسلسل القصة إلى حبكتها أو توصلك إلى احساس الشاعر، تفقد اللغة حضورها في أنك تتبع أثرها، صورتها، غرضها،قد يستخدم شاعر كلمة "زنبق" مثلا لمعرفته بالأثر الذي ستثيره او قد يتكل على المعاني التي تثيرها اللغة، كأن يستخدم في تأملاته كلمة "ضوء" "ظلال" "ظلام" ويضعها في سياقات مختلفة ليجرب إحتمالات المعاني في الكلمة الواحدة. لذا ستجد تكرر الكلمات ليس قضية داخل النص لكل من درويش و أدونيس، لكنه كذلك عند سليم بركات، بالنسبة لهذه المجموعة فإن حضور اللغة محوري ولو كان ذلك على حساب الحبكة أو الموضوع المعبر عنه، لأنه المهم في الأمر رؤيتهم لما يعبر عنه، لا المعنى المشترك أو الأثر المشترك الذي تثيره اللغة لدى القراء.
[" مفتونا بغيابه البرونزي ، وجافلا- كفزع ضامر لإله باغته الضوء- في سهوب ملأى بجثث الشهوات الاجلة ] هكذا يفتتح محمد الصادق الحاج روايته هيسبير1ا، هذه الجملة ليست تعبير شعري يصف مزاجا ما في بداية الرواية، ولا هي جملة ستفسر بما يليها، تمضي الرواية في غموض بدايتها، ولن تتاح لك اتكاءة طوال الرواية على جملة تألفها، أو تعبير تعرفه ، أو معنى مشترك. إحساس الألفة هو تماما ما لا يريده كتاب هذه المجموعة أن تشعره داخل نصوصهم حيث تجد: الصفات الملحقة بالموصوف لا تعني شيئا منطقيا، المضاف إلى الإسم ليس من خصائصه، حركات غير مألوفة: الصنوبرة ترص ذهولها على صينية ذهبية.(ايضا من رواية هيسبرا)
وبعد كل هذا اللامألوف يقوم كتاب الإنيغما -بجرأة شديدة -بافتراض وجود تجربة مشتركة بينهم وبين والقارئ و، وقد ذكرت من قبل أن الجو الذي يجد فيه القارئ نفسه داخل النص ليس مألوفا له وهو ما يوحي بالغموض، إلا إن الإيحاء يبدو أكثر أثرا عندما يفترض الكاتب/النص أن هذا اللامألوف هو معروف لديك. ويقومون بذلك عبر المبالغة في الشرح، و في التفصيل، يوحي الكاتب بإهتمام شديد في شرح مفهوم ما، أو فعل ما أو حدث ما، وذلك بالإستغراق في وصفه . لذا تجد الجملة الواحدة محملة بالتشبيهات [عالجوا الضمير بعسل مغسول في لعاب سحابة مغسول حتى ظهرت عليه أمعاء النحلة] أحمد النشادر: هذا وقد أشدنا ببذاءة اللحن . ثم لاحظوا هذه الجملة التي تبدو كانها تفصل شيئا ما :
[وأنا؟... انا الناتج العارض من صناعة الحرير المثقوب عمدا معمدة مجمعة سواء الاخرين في الحشر المركب كأعين متورمة فوق فم القارض الذي قاد الأحذية إلى مهبها في علم الكلام] رندا محجوب : في وصف العدم كاملا. يقول النشادر:
[كمسمار مكتئب كلما غرزوه في حائط قتلوه] أو:[لخيال الرضيع عين الجمرة المؤنثة الكاتم ]مأمون التلب : بثفب بائس
بالطبع خيال القارئ سيحفز الصورة : يخلقها...لكنها ليست تجربة مشتركة بين الكاتب/ القارئ أعني صورة المسمار المكتئب أو الجمرة المؤنثة الكاتمة. لكن افتراض الكاتب لألفتك تجاه هذه الصورة هو ما يعطي الغموض أثره.
اللغة المحسوسة
قلنا في كتابات هذه المجموعة طريقة التعبير عن الثيمة هي أهم من الثيمة ذاتها، لأن اللغة هي الثيمة ذاتها ، أو فلنقل هي "مداخل" للثيمة بمعنى: إعادة ترتيب علاقات الكلمات ببعضها في كافة تجلياتها (تشبيه، إضافة، حركة ، معنى) أو إعادة ترتيب علاقتك أنت بالكلمات ،و محاولة خلق Tangibility أو جعل الكلمات "ممسوسة" بشكل او باخر لدى القارئ، إما بخلق صورة ذهنية للكلمة أو رائحة، ملمس أو طعم أو عاطفة. من شأن هذه الخاصية أن تجعلك تتعلق بالكلمة ذاتها دون تجاوزها لإيجاد معنى وراءها، لخلق علاقتك الخاصة الجديدة مع الكلمة، سواء الإشارة إلى أثرها الصوتي أو الإشارة إلى رسمها ، الترقيم و "الصندقة" ، الإهتمام بشكل القصيدة هي محاولة لصرف القارئ عن الكاتب إلى النص.
اللغة هي الثيمة
كل هذه ليست تكنيكات للوصول للثيمة، إنها الثيمة تلوح في وجهك مع كل كلمة، عند كل لحظة قراءة، الثيمة هنا ليست شيء ينتظر ظهور كلية أثره بعد الفراغ من عملية القراءة ، بل هو عملية محسوسة طوال عملية القراءة. فتخرج من النص مستثارالحواس بفعل اللغة التي صرفتك عن البحث عن المعنى وعن الغرض من النص .
لقد تم استخدام أكثر الطرق كلاسيكية لصرفك عن ما وراء الظاهر لتضع تركيزك على الظاهرالذي لن يتضح لك ! أنا هنا أتحدث عن الكاثارسيس catharsisأكثر المفاهيم كلاسيكية لأغراض الكتابة (من كان يظن أن أرسطو هو رائد لحركة كان سيكون من ألد أعدائها، أو من كان يظن أن هذه المجموعة التي ربما تحاول كسر التقليد تتبع أقدم طرقها؟)و التي تعني التطهير أو الإفراغ (العاطفي/الروحي) فتخرج من النص أو تنتهي من النص منهك الحواس التي استدعتها اللغة (أي تكون مارست الكاثارسيس) لكنها الكاثارسيس المستثارة ليست من الحبكة بل من اللغة. أنت تخرج كما دخلت إلى النص "دون شيء" لكنك في نفس الوقت أنت لا "تحس" أنك خرجت دون شيء وهو ما يحدث عندما تتفاعل مع الإنيغما.

القراءة أيضا صعبة
ليست لمثل هذه الكتابات جمهور عريض من القراء، هي ليست كتابة صفوية وبالطبع ليست مغلقة فالكتابة فعل تواصل لكنها هنا ليس لإيصال رسالة ما، أو شرح مفهوم ما، إنها دعوة إلى عالم الكاتب الذاتي، إلى رؤيته. هذه الدعوة لن يقبلها القارئ الكلاسيكي الذي يبحث عن رسالة ما: القارئ الحكم،القارئ المتعاطف.. إنما القارئ المدعو للمشاهدة. ولكن يتبقى التساؤل عن صلابة استخدام الغموض كمرجع عند التحدث عن أي شيء وكل شيء؟ الإجابة هي أنه على كل حال فإن الغموض يبدو مفهوما صالحا valid في عالم يعيد ترتيب علاقات الأشياء ببعضها ومعانيها فنحن في عالم الثقافة الجمعية mass culture لكنها في نفس الوقت الثقافة الجمعية التي لا يتم تناولها والتفاعل معها إلا فرديا (مثال الإنترنت) ،عالم شديد الخصوصية و شديد العمومية (مثال الإنترنت)، عالم تغيب فيه الحقيقة بفعل الحقيقة (مثال المتابعة اللحظية في الأخبار) عالم يخلق التجريد بفعل المباشرة (مثال المتابعة اللحظية للأخبار) عالم تمحى فيه كل لحظة باللحظة التي تليها، وفي نفس الوقت تجد تلك اللحظة التي انمحت طريقها إلى الخلود ( عملية التسجيل الرقمي) الأمثلة كثيرة ، في ظل كل هذا يولد كاتب وقارئ، بطبيعة الحال فإن الإثنان لن يركنوا إلى علاقات قديمة في التواصل بينهما.
فما تقوم به هذه الكتابات هي أنها تعيد ترتيب علاقة الكاتب بالقارئ، تعيد صياغة عملية الكتابة، وبالتالي عملية القراءة ، وتعيد ترتيب علاقة الكاتب بكتابته،علاقة لغته بالنص وعلاقة نصه بما خارج النص.
وصفت هذه المجموعة من الكتاب بالفوضى والتحايل بالكتابة على الكتابة و التصنع، ولكني ارى انهم يمثلون نقطة تستحق التوقف عندها ، فلا يمكن تجاهلهم أو ركنهم تحت خانة (لا أدب) . كتاب يحمل كل منهم2 رؤية ، فكرة و قدرة على التعبير عن هذه الرؤية .. الأهم من ذلك يحملون حلم كل كاتب :الجديد وصلابته.

خصائص الكتابة في دائرة الإنيغما في نقاط:
  • التعبير الذاتي الحر عن غموض "انيغما" الظاهر المتمثل ببعديه دون البحث عن البعد الثالث.
  • العمل على استحضار العقل والوعي بقوة داخل النص وكبح القارئ من اللجوء إلى خياله، المنطق أو المفاهيم المتفق عليها.
  • الإنيغما معبر عنها عبر اللغة بحضورها، واللغة ليست مطية للوصول إلى الثيمة.
  • الكاتب واصف دقيق لا مبالي لما يصفه، والقارئ شاهد متفرج (لا متعاطف أو مسنتج)
  • الوصف الدقيق دون محاولة وضع استنتاجات او تفسيرات أو تحليلات ، هذه الهوة بين الحدث وتفسيره هو ما يخلق هذا العالم الغرائبي الغامض الواضح.
  • المبالغة في الوصف، اخفاء عواطف الكاتب، افتراض الفة في اللغة أو تجربة مشتركة بين القارئ والكاتب غير موجودة، جعل الكلمات ملموسة tangible، الإهتمام بالشكل، خلق معنى جديد للكلمة، ربط القارئ باللغة وخلق علاقة جديدة له معها وكبحه من تجاوز اللغة إلى ما ورائها.
  • تحرص هذه الكتابة أن يمارس القارئ الكاثارسيس (عبر اللغة لا الحبكة) في هذا العالم الإنيغماتي الماثل امامه ببعديه الإثنين.
  • لاحظت المجموعة تعتمد في كتاباتها على نفي فكرة اللغة كناقل للمعنى، ولكنها تعتمد على حضور اللغة nonetheless
 الصورة لكتاب وشعراء الحيطة وهم يجلسون على ..الحيطة!

مدرج تعليق للأستاذ الناقد محمد حسبو بموقع سودان فور أول..تجدونه في الرابط أدناه
معنون بabsurd أو سخيف :)

No comments:

Post a Comment