Monday 1 January 2018

حبة بازلاء في مخدة الحكي

حبة بازلاء في مخدة الحكيحبة بازلاء في مخدة الحكي



كنت عاوزة اكتب مقال نقدي رصين حول روايات حجي جابر لكن ما قدرت. في عجز حاصل. المهم. احسن الواحد يكتب بالبلدي. بالمشرمحي زي ما بقولوا الشوام.
انا شاكرة لأخوي مراد زيادة حمور الأوصاني بقراءة الروايات بإصرار منه وتشجيع من سيما الجاك. ومن حسن حظي لقيت الروايات التلاتة عندي في البيت. والله! حظ من السما.



خلصتهن مرة واحدة وبمتعة حاضرة. بعد داك قبلت على فيديوهات لقاءات وحوارات معاه على اليوتيوب. وعجبني ذكاؤه، ونباهته تطالعك في الحوار. وكمان بتلاحظ عنده ثقة واحاطة المجوّد. يعني الزول البكون كارب مشروعه تمام بيكون عنده القدرة على الإحاطة بيه والإجابة على كل الأسئلة الفيه. يعني مثلا في الحلقة السجلها مع برنامج المشاء وضح الفرق بين سمراويت ومرسى فاطمة٫ انه في الأولى كان في نظرة سايح عشان كدا يمكن الجو أكثر رومانسية (رومانسية بمعنى ايمان بالسرديات الكبرى) بينما في مرسى فاطمة الكاتب كان استقر وخفت النظرة الرومانسية وبقا في تعاطي للهموم وخيبات الأمل والألف ألف طريقة البيقدر الوطن يخذلك فيها. برضو اتكلم عن السبب البيه تعمد اعادة ترتيب جغرافيا المكان في مرسى فاطمة في الرواية عشان تلائم الرمزية. يعني الحاجات الزي والتكنيكات تخليك تقول: معقولة دي تجارب أولى للكاتب؟


 لقاء مع الكاتب حجي جابر على برنامج المشاء


بالنسبة لينا نحن السودانيين بشكل خاص٫ افتكر الرواية أحكمت الرابط العملت على مد حباله أجيال قبلنا من الشباب والشابات السودانيين والإرتريين خاصة إبان فترة الثورة. لكن الرواية عندها القدرة زي ما قلت على الإحكام. قربت لينا اريتريا شديد من خلال شخوص الرواية واحلامها وامالها وطريقة تعاطيها للحياة. بعدين في وصف جميل بحيث تحس بكراعك بتدب في شوارع أسمرا وتستنشق وتتذوق لسوعة ملح بحر مصوع. وطبعا يفرح قلبك بالقرب العجيب بين الشعبين في العادات اليومية.

كل رواية كان عندها بروز او ميزة خاصة تبقيها أحسن من التانية. يعني في سمراويت بتلاحظ الفرق حتى في اللغة لما يتكلم عن إنتماء الكاتب لجدة القديمة وحنينه ليها وضياعه في التحول الحاصل للمدينة. او حالة السولستالجيا- المصطلح الذي يعني الحنين للوطن الذي يتغير حولك وانت فيه حتى تختفي ملامحه السابقة. بتلاحظ الفرق في لغة السرد وهو بينتقل بين الحيرة والحنين والحب الجارف للمدينة المتلاشية. حاجة جميلة خلاص. وبتلاحظ خفوت "المحسنات البديعية" في اللغة. وهنا تتنفس الرواية في الحتت دي بلغتها الخاصة.

مرسى فاطمة، أنا لو علي، كان فرضتها في منهج المدارس الثانوية (ليه؟ لأنه المرحلة الثانوية هي المرحلة الأخيرة الممكن تعمم فيها ذائقة أدبية بشكل واسع خخخخ) . هنا بتظهر حرفنة الصحفي لما يتحول للعمل الروائي . أنا بفتكر في ميزة خاصة للروائيين البيحترفوا الصحافة في فترة من حياتهم. في حرفنة كدا لا يسعني المقام هنا الإسهاب فيها. هل الرواية اترجمت للغة تانية؟ أنا بفتكر دا وقت مناسب المنظمات الانسانية تستثمر في ترجمة والترويج للرواية دي. رواية مهمة في زمنا دا مع الأحداث الحاصلة. مع التهجير الكوني الجماعي الحاصل في كل أركان العالم. مآسي التهجير واللجوء وقلة حيلة اللاجىء في قبضة المنتفعين من هذه المصائب.
بعدين الرواية فيها فضح لإنسانيتنا بشكل عجيب- نحن السودانيين يعني. معسكر الشجراب الغايب عن خطابنا السياسي والثقافي شي مخجل لينا كناشطين ومثقفين. قضايا مهم نتكلم عنها.  (هو طبعا الغايب كتير والخجل قاعد بالكوم)

ثم لعبة المغزل رواية فيها دراما لطيفة كدا. وتنفع فيلم. والله! لو فكر فيها شبابنا صناع الأفلام بتعمل فيلم سمح عديل. وأفتكر ما بحتاج ميزانية إنتاج كبيرة.

لكن زي ما إنه الرواية فيها حتات بتتكلم بلغتها الخاصة بيها. في كثير من المرات بتلقى في لغة جمالية مقحمة إقحاما في السرد. يمكن دي الحتة البتظهر لي زي المطب في سهل درب القراية . بتوقف تسلسل القارئ. زي انفلات وتر ناشزا عن موسيقى السرد. الحاجة دي بتطالعك بشكل طفيف في سمراويت و أيضا في بعض المواضع في مرسى فاطمة لكنها بتتكثف في لعبة المغزل. زي الكاتب بقا واعي لخاصية الإقتباس من الرواية. يعني افتكر الكتابة في زمن الفيسبوك بتخلي الكاتب أكثر حرصا على خلق لغة جمالية تخلب لب القارئ ويستطيع بسهولة أن يجتزئها من الرواية ويختها كإقتباس في الفيسبوك. أنا بقول بسهولة لأنها هي أصلا ما راكبة في السرد. تقدر تمرقها بسهولة. لغة الرواية لغة عضوية- إذا جاز هذا المصطلح. موجودة عشان الرواية. وفي نفس الوقت: الرواية كأنها اتخلقت كي تنطق بهذه اللغة. كيف الكلام دا؟ دي ما حركات مثقفين مني في عكس العبارات خخخخ زي لما يقولوا ليك أزمة الثقافة وثقافة الأزمة . أنا بتكلم جد! زي ما في لغة للرواية. في رواية من أجل اللغة. والاتنين أفتكر بيحصلوا مع بعض. المثالين البيطالعني هم الطيب صالح وأرونداتي روي.

في مشروع الطيب صالح في ثيمات متكررة في رواياته وفي مقالاته وفي حواراته. مسألة الإنتماء والهوية والتنقل والاقتلاع من الجذور والعودة. في هذا المشروع بوسعك أن تصنع دالة لغوية تخص الطيب صالح. بتفهم لماذا يستخدم تكنيك التفصيح للغة بالدارجية . لأنه اللغة ذاتها هي ضمن مشروع  استقصاء السؤال حول الجمع بين حالين. اللغة مش مجرد وسيلة أو مركب لأحداث الرواية. اللغة هي زاتها "الأكشن" ودراما الرواية.

لغة أرونداتي روي أيضا هو جزء من مشروعها في إعادة فحص مفاهيم العالم الحديث الذي نعيش فيه ٫ إعادة فحص كلمات زي "عدالة" "ديمقراطية" "نمو وتنمية" "وطن". اللغة جزء حيوي من الرواية التي تسخر من التناقض المريع الذي أصبحت تحمله هذه الكلمات. حاجة بديعة وأنا طولت.

بالنسبة لحجي جابر القدرة على منح مساحة أكبر للغة الرواية العضوية والسماح لها التكلم بلغتها موجودة عنده ما محتاج يطورها. إنما بفتكر في رأيي المتواضع جدا. إنه محتاج يكبح الجماح شوية وأن يقاوم غواية اللغة. واللغة غوايتها غواية صعبة. التخلص من العبارات الألمعية الفائضة. لأنه كمان المشكلة في تقصي تراكيب الجمل الألمعية ذات الطبيعة الاقتباسية إنها بتاخذ مجهود من الكاتب وبتخليه يهمل السرد في حتت تانية وممكن يقع في التكرار بسبب الإجهاد اللغوي. مثلا تلقى في لعبة المغزل أنه الفتاة "كشفت عن بهاء ساقيها" مرتين تلاتة كدا.

ودا بيجيبني للكرضمة الثانية في مديدة المشروع الروائي الدسم للكاتب حجي جابر. ألا وهو المرأة في الرواية. تحديدا المرأة الحبيبة. تلقى المرأة سهلة التكهن بها في سرده، تغار في موضع الغيرة، وتغضب في موضع الغضب، وتفرح في موضع الفرح وتخاف في موضع الخوف. لا تجد تعقيدا واحدا في الحبيبة فهي نقية صافية وعكارتها عكارة سطح لا قاع (كدر خفيف كدا) بالمقارنة مع تعقيد شخصية البطل. في براءة طفولة في تصور المرأة عند الكاتب. يمكن بشوية تحليل أنثوي مني أقول أتاري البطلات طوالي لابسات فساتين. طوالي نحن في حالة لبست فستانها الأصفر او لبست فستانها الأحمر والبسي لي فستانك الأبيض. (والله يا ربي بنات اريتريا موضتهم فستانية؟)
طبعا مع تفهمي الكامل لرمزية المرأة/الوطن٫ التي ربما تتطلب شيئا من هذا التجريد والنقاء٫ لكنه والله صعب البلع. إذا الواحد فكر في ثنائيات درويش أو صلاح جاهين للوطن الحبيبة ، تجد المحبوبة تحمل تعقيدها الناضج دون أن يؤثر ذلك على سلامة الرمز.
يمكن أستثني أم وجدة الراوي في سمراويت حيث أخيرا أنت أمام أنثى ناضجة بتعقيداتها وتناقضاتها وحيرتها وأسئلتها.
يمكن الأستاذة أماني عبدالجليل التي ألفت كتابا نقديا جميلا بعنوان "تمرات من نخلة مريم" قدمت فيه قراءة نقدية جندرية لكتابات الطيب صالح. لعلها تجد هنا في مشروع حجي جابر مادة أكثر وضوحا لإعمال النقد الجندري فيه.


أنا كان قلت قبل فترة في حاجة خفيفة بتضايقني في كتابات حجي جابر وقد أثار ذلك حفيظة بعض الأصدقاء في الفيسبوك. وحفيظتهم في محلها. لأنه أنا ضيقي هنا استثناء من جملة استحسان لمشروع حجي جابر الروائي. الواحد بيقدم الحال العام قبل الإستثناء. مش يخت الإستثناء كقاعدة براها كدا. مش كدا يا ميسون؟ كدا والله
وأنا انبسطت بتحفظ الأصدقاء، خاصة مع موات القراءة وسط أجيالنا فالواحد بيسعد لما تنشط حالة القراءة بينا، والواحد يحس بنوع من الخوة. خوة القراية. وتذكرني بحكاية بديعة حكاها لي عمار جمال لما قال إنه كان في جمبه واحد في الحافلة منهمكا في قراءة المصحف. وقد أحس بشيء يربطه مع هذا الشخص في حالة القراءة.

في انتظار الرواية القادمة للكاتب الواعد . لا أكذبكم أني قلقة شيئا من تكاثف وتيرة اللغة الزائدة فيها. لكنها إذا تجاوزت هذه "الإفاضة اللغوية" ستجد قارئة متحمسة مخلصة.