Tuesday 11 December 2012

وما أبرئ نفسي!!


وما أبرئ نفسي!!

محنة المدارس الاستثمارية


معذرة إن كنت لا أستطيع أن أطلق عليها سوى هذا الإسم بدلا من المسمى اللطيف "التعليم الخاص" .

عامان ونصف العام منذ غيابي عن البلاد، وقد شدني الحنين إلى مشهد الشوارع المؤدية إلى بيتنا ولافتتاته تتابع:كافتريا- بقالة- بوتيك- كافتريا- بقالة- بوتيك- كافتريا- بقالة...الخ.  وذلك بعد أن تحولنا بفضل النظام الحالي إلى مجتمع "استهلاكي" ، أستلف القول من المسئول الحكومي الذي لم يجد غضاضة في أن يشوح بازدراء بأننا –معشر السودانيون- قوم استهلاكيون... معليش المسامح كريم...لا يضير المجتمع سلخه بعد بطحه بسياسة الانفتاح والسوق الحر.

شوارع حلتنا كحال كل شوارع بلادي ، شوارع مواكبة ومنفتحة على الخطة الاقتصادية القومية، وكانت من قبل تنتهج تخطيطا مختلفا : اتصالات- عطور- اتصالات- عطور، ولكني لم اعد نفسي لهذا التغير المفاجئ، فشارع بيتنا وهو شارع فرعي يتشارك مع ثلاث شوارع فرعيه أخرى في مربوعين سكنيين صغيرين، قد عج بلافتات المدراس الخاصة :روضة اللحظات الحميمة العاااالمية الخاصة، روضة السعادة والهناء الخاصة، مدرسة كوكي العجيب الانجليزية الخاصة، مدرسة المطعم المخملي الخاصة "عفوا فالمدرسة من صربعتها لم تصبر على انزال لافتة المطعم الذي حلت محله..والله جد!!..حتى بالأمارة المدرسة في المنشية" ..فاجأني التخطيط الجديد لشارعنا القديم :روضة-مدرسة- بقالة- كوفير- روضة – مدرسة- بقالة- كوفير. يا ألطاف الله.

المهم ، بدأت رحلة البحث المضنية عن مدرسة لأبنائي الإثنين، ورغم أني كنت معدة سلفا للتسعيرة المدرسية، إلا أنني لم أكن مستعدة للكثرة والكمية التي استشرت بها المدارس الاستثمارية، وكل منها تتنافس لتقديم خدمة خاصة للزبون : منهج مستورد من انجلترا أو امريكا، عمالة أجنبية ممتازة "مدرسين وكدا"، أثاث مدرسي حديث وفاخر،  ملاعب لطيفة، كاميرات مراقبة وتأمين..الخ كل ما يقنعك بأنك مستوفي حق ما دفعته كامل ومكمل.

التعليم الخاص ليس ظاهرة تتفرد بها السودان، ووجودها في الأصل له ما يبرره. ففلسفة التعليم الخاص برزت لسد عجز لم تستطع الدولة الإيفاء به، ووجوده هو جزء من سياسة الدولة في التعليم كمكمل لها و كمغطي لحوانب النقص فيها إما بالامكانيات "كأن تبنى مدرسة خاصة في منطقة لم تستطع الدولة بناء مدرسة فيها"  أو كمكمل لجانب النقص في الرؤية "كالمدارس ذات الطابع الديني الكنسية أو الإسلامية أو مدارس رعاية الموهوبين أو مدارس اللغات". إذا قطاع التعليم الخاص لا يبرز إلا كجزء أصيل من سياسة التعليم العامة في البلاد وليست "كبديل لها" أو "منافس لها"..لا أبدا!!! اطلاقا!!!! ليس ما نراه اليوم  تستدل على ما بحدث الان ببساطة بأنها مدارس تهيئ جيل معد للدراسة في بلاد المهجر، وقد تتاح له فرص عمل أفضل في بلاد غير بلادنا، أو في مؤسسات ومنظمات اجنبية او أنها "حضانات " معقمة تحمي فلذات اكبادنا من مآسي البيئة التعليمية العامة من مناهج مرتجلة أو بيئة مدرسية مقحطة أو أساس تربوي فقير  ...أنا لا أقول أن جلها شر فلحكمة ربي أن لا شر مطلق في الوجود، ففي كل شر ثنية خير، بطبيعة الحال، هم أيضا جيل أكثر قدرة على التعامل مع التكنلوجيا الحديثة، وهو أيضا جيل أكثر انفتاحا على العالم الاخر بتبنيه لمنهجه التعليمي وبتملكه لناصية اللغة، وهو جيل أقل ما يمكن أن نقول عنه سينمو محصنا من علل البيئة التعليمية العامة..لا أشك في نوايا أصحاب المدارس الاستثمارية ورغبتهم الحقيقية في تقديم خدمة تربوية متميزة لعملائهم...لكن اربط لي ذلك بسياسات الدولة تجاه التعليم!!!... إذا أساسا احنا ما عندنا سياسات دولة!!! عندما يصبح وجود المدارس الخاصة خصما على ومهدد لوجود المدارس الدولة الحكومية، هنا لا بد لنا من وقفة تفكر وتدبر.


"الواحد يعمل شنو؟" المدارس الحكومية حالها لا يخفى على أحد....بؤس شديد، لم يبقى من النموذجي منها سوى اللافتة المعلقة. "الواحد يعمل شنو؟" هذا السؤال هو السوسة الحقيقية التي ظلت تنخر في عظم البلاد منذ أمد بعيد. هو السؤال الذي يبرر لركوبنا موجة الأنانية المفرطة التي تجعلنا لا نسأل عن غيرنا ماذا يعمل، هي ذات الموجة التي لا بد من يوم أن تبتلع راكبها يوم أن يركبها أناني اخر لن يهمه أن يسألك "أنت حتعمل شنو؟"

هذا أوان "الغيرية الخطيرة" هذا التعبير أستلفه من محبوبي المبجل مارتن لوثر كنق في أخر خطبة له، نادى فيه أنصاره أن يقفوا إلى جانب نقابة عمال النظافة بممفيس، هذا وقت اما أن نقف فيه إلى جانب بعضنا البعض سويا أو نغرق جميعنا سويا. ليس ما أقوله تعبير بلاغي بل حقيقة ماثلة.

فكر معي عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة في الأمر، لو أنني معدة لأن أنفق قرابة الثمانية أو العشرة ملايين لدراسة ابنائي في مدارس "عالمية" "خاصة"..فكري يا ميسون لو أنك أدخلت ابنيك في مدرسة حكومية وقمتي بتوزيع هذا المبلغ لأعادة تأهيل هذه المدرسة، كديه؟...فكر معي في مائة طالب قوام احد المدارس الاستثمارية الخاصة، لو قرر اباؤهم أن يحولوا رسوم السنة الدراسية لتلك المدرسة إلى مبالغ اعادة تأهيل مدرسة عامة على نفقتهم الخاصة، تخيل مبلغ مليار جنيه سنويا في بداية السنة الدراسية لمدرسة حكومية، تسند عضمها حتى نهاية العام الدراسي، تفكر في هذه الغيرية التي تمنح الفرصة لإبنك ولإبن آخر لم تلده، لن يجد مثيل لهذه الفرصة. أنت إذ تتخيل ذلك..تتخيل اللبنة الأساسية لمجتمع معافى...أنت إذ تتخيل ذلك تودع شيكا مضمونا لا يرد تؤمن فيه مستقبل ابنك وابنتك ام هل ظننت أنه بوسعك ان تبقي ابنك في حضانة مغلقة ومعقمة بعيدة عن المجتمع الذي يعيش فيه؟؟ والذي إن عم فيه طوفان الجهل والعوز  فما من جبل يعصمه!!!
أعرف ماذا ستقولون...أعرف ...ولذا أقول هناك أمور أساسية تجعل من هذه الفكرة المجنونة ممكنة.... وهذا سينقلني إلى مقالتي التالية، وهو مشروع عكفنا عليه أنا وأربع من أخوتي الصغار الكبار "علياء" "سلاف" "محمد" و "مجاهد" ...مشروع بسيط سهل التنفيذ لن يكلف حكومتنا الموقرة جنيها واحدا ولا جدولا زمنيا عسيرا، بل بوسعي القول أن تحقيقه لا يحتاج سوى إلى ثلاثة أمور :" غيرية خطيرة" و "محبة خالصة" و "أحساس بالمسئولية" ...المشروع هو تحويل مدارسنا الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم إلى وحدات تعليمية شبه مستقلة عن وزارة التربية والتعليم، يتشارك في ادارتها شركاء أصيلون ودائمون هم ادارة المدرسة و مجلس اباء نشط و الحلة التي تأوي المدرسة فتستفيد منها وتفيدها. وتكتفي وزارة التربية والتعليم بدور الموجه العام والمراقب للعملية التربوية. مشروع مطبق بنجاح في عدد من الدول المتقدمة رغم أننا بامكانياتنا الشحيحة الأحوج له... مشروع حلو وسهل ادندن له دوما ب "المدرسة فاتحة على الشارع والشارع فاتح على المدرسة" (بتصرف)
أنا أحس "حرارة" الموضوع،أنا أم..وأدرك أن الأمر حين يمس أبنائي فإني ازن الأفكار العظيمة بألف ميزان...لكن ما بالنا كلنا اليوم نهلل لتلك الجرأة الفريدة والغيرية الخطيرة التي تحلى بها قادة مجتمعاتنا حينما سجلوا بناتهم في أول مدرسة للبنات ، مدرسة المربي الجليل بابكر بدري، تلك الخطوة الصغيرة العظيمة التي نقلت الأمة بأكملها من خانة التخلف إلى خانة تحضر وتقدم. هذه الخطوة مطلوبة الان...أن ننتقل من خانة التخلف (فالفرار إلى الحلول السهلة والمؤقتة تخلف، لا يمكن أن تفكر في أمر التعليم كتاجر جملة) إلى خانة تحضر (فالتعليم لا يقوم إلا على مؤسسات ثابتة، ما يحدث الان ليس تعليم! انما مجرد باكدجات اكاديمية نجرعها ابناؤنا). نحتاج إلى خطوة جريئة وغيرية خطيرة من قادة الرأي في مجتمعاتنا، نحتاج من الأسر ميسورة الحال ذات الأسماء الرنانة، أن تقدم سنة من مسيرة تعليم أبنائها في هذه التجربة التي سنأتي لتفصيلها....سنة واحدة بس! سنة إن ما نفعت ما بتضر!
المشروع له القدرة على الالتفاف على علل السياسة التعليمية العامة في البلاد، دون الحاجة لكي ننتظر حدوث "انقلاب جذري" في سياسة التعليم، له القدرة على الالتفاف على المنهج المدرسي، وعلى نقص وشح الامكانات، وعلى نظام التنقيط (اي تقييم الطالب بعدد النقاط والدرجات التي يحرزها في امتحان وهي أداة تقييم فقيرة). هو نظام كما أسلفت مطبق في دول متقدمة اقتصاديا، رغم أننا أكثر احتياجا له بما يوفر من منصرفات ولأنه يعتمد نظام المشاركة وال pooling

أريد أن أقول شيئا...سواء ظننت أنك فررت بأبنك او بنتك إلى نظام تعليم بديل و نجحت في ادخاله في فقاعة أو حضانة معقمة عن واقعنا المريع، يبقى أمر لا مفر منه...وهو أن التعليم الحكومي هو حق أصيل لكل مواطن، لا بد أن تستوفيه من رقبة الدولة، حتى وإن لم تكن بحاجته. أنا رأيت ذلك بأم عيني في سيدني وأنا أرى مجتمع يهب احتجاجا على اغلاق مدرسة حكومية، رأيت شباب يهبون للمطالبة بحق أبناء لهم هم في عداد الغيب...رأيت شيوخا يهبون للتأكيد على حق لهم في رقبة الدولة وإن استوفوه قبل خمسين عاما، فهو حق لا يسقط كحق الغذاء والعلاج والتصويت...الله كريم علينا....تبقى مقولة ذهبية تعيها الأمم والحكومات على السواء جيدا...أن ما من حق "ممنوح" ساي كدا...فأن كل حق ممنوح كان في البدء: مطلوب

للحديث بقية أفصله بإذن الله في المقالة التالية.

Thursday 15 November 2012

قاعد تجلجل؟ لازم تجلجل؟

قاعد تجلجل؟ لازم تجلجل؟
 
(والجلجلة فعل منحول من اسم جليلة خميس، ومعناهو إنك تصحى الصباح تقش النوم من عينك تسأل: الليلة مافي خبر من جليلة؟ تشيل حلتك على سيد اللبن وتسأله: الليلة ما سمعت حاجة عن جليلة خميس؟ تمد يدك للكمساري تقول ليه: مسئول من الخير اخوي...الحكومة قالت شي في موضوع جليلة خميس؟)
 
أنا بكره التضامن!! تضامنوا مع فلان...تضامنوا مع علان!! ..بكره التضامن عمى.. أحسن الواحد يكون صريح معاكم. الواحد يكون ماشي في الدنيا دي في امان الله..يقولوا ليهو..تضامن! بس!
 أنا بعرف ناس كويسين..بالجد كويسين ...من جوة قلبهم كويسين، بيوجعهم إنو فلان يتألم...أو علان محبوس وما عندو صوت وما عندو ضهر، بيؤرقهم إنو في ناس اتظلموا في هذه الدنيا، وانهم بيستصرخونا لكن صوتهم مكتوم... عشان نكون واضحين....أنا ما من الناس ديل.
 
أنا زولة خوافة جدا جدا.. بخاف من الجلد..بخاف من الحبس..(وكمان جابت ليها ضقليم شعر؟) بخاف من البشتنة..في واطات الله أنا نوع الناس البمشوا على الحيط..جد! عشان كدا طوالي القميص بكون مترب. أي والله ربنا يسألني بخاف!!  لكن...
الله يسامح الزول التلا علي الاية: "من يعمل سوءا يجز به ولا يجد من دون الله وليا ولا نصيرا" ..لا وشنو؟ كما شرحها لي بالنحوي قال لي : كما تدين تدان... الله يسامحك بس :(  ... عشان كدا ما تشوفوا الفصاحة دي..دا خوف أزرق عديييل كدا. أنا عندي عيال...أخاف أقطع الشارع يطسني بص مستعجل وأنا مبطوحة بلفظ في انفاسي الاخيرة أستنجد وما من زول يسمعني...ممكن جدا!! ..كما تدين تدان ... أخاف يجي حرامي يخم الوراي والقدامي ويطقني في راسي فوق البيعة، يجوا الناس يكفروا لي يقولوا : من شلاقتها المصحيها شنو؟
بخاف على أولادي... اها كل التضامن دا..زي تأمين كدا... يعني البني ادم مفروض يعمل كل ما في وسعه في الدنيا دي عشان يؤمن حياته...بما فيها التضامن.
على فكرة أنا قبل فترة كان لقيت لي مخارجة من موضوع التضامن دا، كان بيقولوهو الناس الما دايرين أولادهم يخشوا سياسة ولا يتضامنوا "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" ...ديل ناس فاهمين جدا... ياخ انا كنت مبسوطة بالاية دي بسطة..عشت بيها عشر سنين في ظل الانقاذ دي أنعم بالسلام والطمأنينة...لجدي ما جا اليوم وسمعت الأستاذ محمود بيقول للناس إنتو ما بتقروا الاية من الاول ليه؟ الاية بتقول: "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة" يعني بذل النفس هو البجنبك المهالك...مش الدسديس والمضاراة.... وإنو الهلاك بيكون في البخل من بذل النفس..طيب خلاص حنتضامن...ان شاء الله يضقلموا كلو وترتاحوا!
 
طيب موضوع جليلة خميس حقيقة محيرني..انا حقيقة أحب أمحص الأمور قبل ما أتضامن.. كالاتي: جليلة خميس سجلت فيديو على اليوتيوب حكت فيهو عن الحاصل في جبال النوبة ..ما حكته بشكل سياسي فج..ولا قالت ناس علان غلطانين وناس فلان كعبين...قالت الحرب لازم تقيف..ليه؟ عشان في نقص في المواد الأساسية و الملح و ده حيعمل مشاكل في نقص اليود عند الاطفال (!!) عشان ود جيرانهم أبوهو عميان ما قدر ينزح من القصف فقعد معاهو في البيت ورسل أولادو الخرطوم...عشان الاسر هناك جرت خلت الوراها والقدامها أولادهم فقدوهم وهم جارين من القصف..قالت اليوم داك وصل لبيتها نازح طفل ..لكن يا ربي ليك الحمد لقى أهله قدامه في الخرطوم.. الكلام دا هي عرفتو من الأسر النازحة الفتحت ليهم حوشها وبقوا يتصلوا بالموبايل عشان يتطمنوا على عقابهم...قالت إنها خلت ولدها وراها هناك..وإنو ما عندها منو أي خبر..وإنو نفسيتها تعبانة.
 
 
دا جانب
الجانب التاني جهاز الأمن قبض على جليلة بعدة تهم ..قال إنو في اجتماعات بتدار في بيتها وانها تابعة لحركات مسلحة وانها عاوزة تسقط النظام وانها مهدد للأمن القومي..بحسب تحريات جهاز الأمن.
دا الجانب التاني
الحيحسم الموضوع دا و الحيبت في هذا الأمر هو القضاء...في محكمة حيتم فيها الفصل بين الجانبين.
طيب جميل... كل شي ماشي كويس أنا مطلوب مني شنو يعني؟
المفروض كل زول يلتزم "اختصاصو" ..جليلة: وكلت محامين عنها... الشرطة وجهاز الأمن ونيابة أمن الدولة: اتحروا ووجهوا اتهامات... القضاء: حيفصل في الموضوع.
أما نحن... فعلينا أن نكون مراقبين لكل العملية البتحصل هنا ..لعلكم ما عارفين...لكن الدولة عبارة عن مكنة...إنت عزيزي المواطن: الزيت. إنت الزيت البيضمن إنو كل مفاصل المكنة وكل مكوناتها بتمشي بسلاسة. (في ناس بيفتكروا المكن بيمشي كدا بسلاسة من نفسو...لا لا ...ما حصل في تاريخ أعظم وأرقى الحكومات في أكثر الدول تحضرا انها مشت بدون زيت...أقصد بدون مراقبة مواطن...ما حصل! نعوم تشومسكي قال في ناس بيفتكروا إنو الحكومات قاعدة تدي الناس حقوق كدا ساي..ظرافة منها...لم يحدث ذلك على مر التاريخ..كل حق ممنوح كان في البدء: مطلوب)
المطلوب مننا أن نتأكد أن جليلة خميس مهيأ ليها كل الظروف لتقديمها لمحاكمة عادلة وسلسلة..وإنو في كل حقوقها محفوظة لحين قيام المحكمة..حقوقها يعني أنها ما معرضة لأي ضغوط ، أنو كرامتها محفوظة.
لحدي هسي البنعرفو هو في بيان طالع من (الهيئة السودانية للدفاع عن الحقوق و الحريات) إنهم قلقين من بعض الانتهاكات:
1- ظروف احتجاز جليلة خميس، حيث تم تعريضها للحبس الانفرادي لمدة شهرين كاملين
2- عمليات ارهاب نفسي حيث يتم استدعاء جليلة خميس من قبل ادارة السجن واخبارها أن حكما بالإعدام قد صدر في حقها.
بيان صادر عن قرفنا يوضح الانتهاكات التالية:
1- ظروف الاعتقال كان فيها مخالفة صريحة للقانون حيث تم احتجاز جليلة خميس دون تهمة موجهة إليها لمدة 5 أشهر 2- غير مسموح للفريق الدفاع الراغب في الدفاع عنها مقابلتها أو الاطلاع على مجريات القضية والمعلومات اللازمة لهم للقيام بمهمتهم
 
فيديو مصور من اسرتها تتحدث عن ملابسات اعتقالها فيما اسموه اختطافا بشكل مهين بحيث لم يسمح لها حتى تغيير ملابس النوم، وبدون اعلام أسرتها أو اعلامها عن جهة احتجازها.
دا جانب تكرم باخطارنا عن ما يجري للأستاذة جليلة خميس، نحن الان دايرين لجنة تحقيق و بيان من جهاز الأمن ومن ادارة السجن ومن حكومتنا الموقرة للرد على كل ما ورد أعلاه، نريد بيانا يوضح حالة المعتقلة، ونريد أن نعرف الضمانات المقدمة لقيام محاكمة عادلة ومستقلة
 
قول:
"انا....................................... أود من الحكومة ان تقام لجنة تحقيق محايدة ومستقلة تقدم لي بيانا مفصلا حول ضمانات سير اجراءات محاكمة جليلة خميس بشكل قانوني وعادل ومستقل. وإلا فأننا نرى أن كل العناصر مكتملة ومهيئة لإعلان "شطب الدعوى" "


في خوف حقيقي من أنو جهاز الأمن قاعد يستعمل الاعتقال في حد ذاته كوسيلة تعذيب إذا ما استدلينا بقضية أبو ذر الأمين و قضية عبد المنعم رحمة ...أعتقال مطول يصل للعام ثم إفراج
و ده شي خطير جدا ....بيجبرنا أنا نواجه قانون الأمن الوطني و المطالبة بإدخال تعديلات على القانون تضمن سير العدالة في البلاد


 
حملة التضامن  مع جليلة مستمرة لحدي يوم 18  نوفمبر لأ نستمر  لحدي مانلقى اجوبة على أسئلتنا
أنا مسئوليتي كمواطن اسال ….ده اختصاصي و في انتظار الاجابة ... لازم نفضل نجلجل  
عزيزي المواطن...كديه جرب...كن الزيت
وتذكر...كما تدين تدان...لو سكت عن حق زول...بكرة لن تعدم من يسكت عن حقك.


Monday 5 November 2012

مامون التبيعة 3 : للكاتب عماد عبدالله



مامون التبيعة
"في سيرة الظل من العويش إلى اللبلاب"
3

خريف:

قالوا : أمطرت الدنيا

فسحبوا ما في الحوش كله لداخل البرندتين , و ما يزال الراديو الأزرق الكبير المضبوط على إذاعة لندن " يشخشخ " كلما أرعدت أو أبرقت السماء , فتتضاير بت المرين و تزوم متطيرةً تقول : (الليلة يا بركة شيوخي حوالينا و ما علينا , الحوبا بيك يا ستي نور القبلي , بركة سيدي الحسن راجل كسلا تغتي علينا يا إلهي يا سَيّدي ). ثم ملتفتةً للمتحلقين في ركينة البرندة من نسلها : (إنتو يا البوم المشغلين إزاعة السجم دي .. النبي فيكم إمّا قفلتوها .. قالو ليكم " الرادي " بيجُر الصاقعة .. بالتفرطق إضنينكم ديل رجيت الله عليكم)

كلما أرعدت و أبرقت تقول بت المرين ذات دعواها لذات السماء الغضبى , و تشتم ذات سبها لتعود تنكمش داخل فراشها الهبابي رعباً و قلة حيلة .

ثم لما تواصل الماء هطولا , قاموا فسحبوا اللحفات و المراتب و تبروقة الصلاة الكبيرة جرباء الصوف ، و " برش الدخان - الملفوف على فركته - و البنابر الخشبيات الثلاث و سراويل و عراريق حاج صالح المنشرات على الحبل البلاستيكي . و سحبوا الطاولة الخشبية الكبيرة , و عنقريب المخرطة الكبير . انسحبوا جميعهم اتقاء الماء الذي انفتحت له قِرَب السموات . إلا مامون أبى و استكبر :

 (شكشاكة ياخ .. دي شكشاكة ساكت ولّلاي , ما زي مطرة ناس عمتي فوزية حقت بالليل ديك .. ياخي ديك , ديييييييييييينك كانت شديدة شدة ، ديك الإتزلق فيها روري عمك رمضان جوه خور التُرب ) . ذلك ، و بقى مامون تحت الوابل الخريفي و تحت انهمار لعنات بت المرين عليه لأبو اليوم الذي جاء به .

كان مامون التبيعة معتوهاً كبيرا .. أقول لكم .

ما اهتم كثيرا بالمطر , لا و لا بالرعد و اللعنات , و الإستجداءات . فبقي " متداغلاً " يتمترس بالبطانية الصوفية الرمادية بالخط الأحمر الباقية من مخلفات عهدة الجيش , و التي ورثها عن خاله عباس الأورطي . تلفع المعتوه بها و تدمدم منتصفاً للسرير . ثم لما أعياه النوم قام يلف اللحاف " المائي " هارعاً لداخل البرندة , ليكاد يهوي منزلقاً من لزوجة طين الحوش الذي تحول بركة مائعة .

قالوا : فلما حاول مامون التبيعة الإستناد بحمله " اللحافي " المترع الثقيل على أيما سندٍ يقيه شر السقطة ، لم يجد أقرب إليه من شباك الخشب الكبير . فأناخ بكلكله عليه , لينهار الشبك الطلل القديم آخذاً معه " حلق " الشباك .. و العتب الأسمنتي و " قرمةً " كُبرى من مدماكه الطين اللبِن .

قالوا أنّ جده صالح ود الكرسني بقى لعشرة أيامٍ يرتاد فيهن " البصير ود خوجلي " في أقصى القوز ليرد عليه كتفه الذي " خلعته " له هبركة حلق ذاك الشباك المسكين و هو لا إيدو لا كراعوا و في أمانة الله يرقد كعهده الدائم تماماً بين مدخل البرندة و سريحة الحوش الجوانية تماماً تحت ذاك الشباك المجني عليه ، متوسداً ضراعه و متلفعاً بالتوب النقادي القديم ، من قبل أن ينهار عليه المعتوه مامون و اللحاف و المدماك و الشباك و القرمة الكبرى للأسمنت الخرصاني . فما أفلحت جبيرة الكتف و لا الكي و لا الفهق و المليخ .. حتى انهم حجموا له كامل ظهره و لا طائل . فكان أن بقي حاج صالح " عضيراً " حتى أخذ صاحب الوداعة وداعته .

ما علينا .. أقول طنطن مامون ليلتها مغضباً و محنقاً من جده حاج صالح و " شوبيره " كما أسماه :

( جدي ياخ وللاي إتّ دايماً بتلاوز لي , عليك دينك كتّ أتكل ليك في شنو ؟ زاتو الحمدوللاهي إتّ ما كتّ جنبي .. و الله لو كتّ إتكلت عليك , كت قلعت ليك حلقك إتّ زاتك .. صاح ؟ ) ..

قال بذلك ماطاً شفتيه الغليظتين لأقصى تلاليشها – يفعل التبيعة ذلك حين يتملكه الغضب أو الفرح أو ساكت كده بس

لم يحر حاج صالح جوابا , فهمهم منكساً الرأس مسقطاً في يده : ( ياربي ليك الحمُد يارب .. الله لا كسّبك و لا غزّ فيك بركة يا ود عطانة بركة الأوليا ) .

الكوكة :

حكوا فقالوا :

فقط في يوم الخميس , و قليلاً قبيل أن يفرش " منعم الجاك " برشيه المهترئين لصلاة العصر أمام الزاوية الطينية ذات الطوفات الطينية الثلاث . فقط حينها يطل ( عبدالله النقادي ) :

- طالب من الله

- و من كرم الله

- و من جود الله

- و مما اعطاكم الله

- جلابية في سبيلي الله

- عبدالله

- طالب

- لله

و قد كان متسولاً وسيماً قسيما أشيبا أبيض البشرة حلو الصوت .. منغمه , بجلبابٍ متسخٍ و عمامة هي أصغر من أن تسمى بذلك , ثم بجيوبٍ في الجلباب مكتنزة متكورة امتلاءً بما لا يعرف كنهه أحدا . تلك كانت ملامحه في كل عصرٍ من أيام الخميس و على مدى سنوات طوال .

قالوا : و قد كان صاحب " كوكة " !! .. هكذا .

كل ما عرفه الصبية عن تلك النصيبة المسماة كوكة , أنها كانت تخرج صوتاً غريباً إن أُحرِقت لها ريشة طائر عن قرب . و أن ما من أحدٍ قد سمع ذاك الصوت البديع من سنوات بعيدات . لكن بت المرين ما كفت في كل مناسبةٍ عن الجزم بسماعها لصوت كوكة " ميدوب " الفلاتي . و انه كان يعمل زمانها مكوجياً في دكانة منصور أب لكيلك . و أن أخوها المرحوم " بشرى " كان قد غافل " ميدوب " و وضع له ريشات حمام في المكواة الحديدية المجمرة , و ان ميدوب حين اشتم رائحة الريح المحروق جرى إلى داخل الدكانة فتقرقب ببطانية التفريش القديمة , و أنه تصادف أن الصبي محمود ود ناس باشاب كان داخل الدكانة حينها لاستلام هدوم .. فقطع قلبه هجمة " ميدوب " داخلاٍ , و ذاك الصوت الغريب خارجٌ من سرواله , فبقي يتراجع و هو يردد في خوف : فِسسسسس ... فسسسسس .

قالوا , فاستهوت مامون التبيعة تلك الأقصوصة , و راح يؤسطر لها على مسامع الشفع من صبية الحي .. فقضت عليهم المضاجع .

: شفت صوت الضب ؟ .. شفتو ؟ بس ياهو . قال " همزة " بذلك , فأمن عليه " الفاتح " و " عصام جِنجة " . و زاد عصام فقال : ( أنحنا زاتنا مره كده في ربك سمعنا صوتا ولّلاي . شفتا , زي كجكجة الضب , هي حقت زول كده كان ديّاشي اسمو " برين " , شفت لمن حرقنا ليهو صوفة الحمامة قامت الكوكة حقتو كوركت كواريك .. أنحنا قمنا جارين طوالي عشان لو عضتنا بتقوم تعادينا و بنكوّك , يُمه بتول قالت كده ) .

قال مامون التبيعة حاسماً للكلام - فهو الأعتى و الأكبر و الأضرط - , قال بأنه أعد العدة لعبدالله النقادي : ( إتّو دايرين تسمعوها .. صاح ؟ .. عاين عاين , أنا بتلبد ليكم ورا زريبة ناس " قسِم " . شفت لمن النقادي يقيف جنبها إنتو أعملو لي حركة كده . انا بولع الصوفة طوالي . إتّو بس أسمعوها كويس .. طيب ؟ ) .. و قد كان .

تمترس الشفع عند زاوية " دكان فضُل " . جاء عبدالله النقادي فمر على بيت ناس " عبد اللطيف الدنقلاوي " , ثم إلى ناس " حاج مصطفى شاويش " , فـ " يوسف القبطي " و إلى بيت ناس " حُسنة بت الضكير " حتى وقف بباب ناس " قسم " و تماماً عند الركن الشرقي للزريبة حيث اختبأ " التبيعة " . ثم تنحنح عبد الله النقادي و أطلق نغمته فيما يشبه المديح :

- طالب من الله

- و من كرم الله

- و من جود الله

- و مما اعطاكم الله

- جلابية في سبيلِ الله

- عبدالله

- طالب

- لله

قليلٌ بعد , حتى ارتفع دخانٌ خفيف من وراء سور الزريبة !! .. لكن ما من شيء حدث ! .. و ظل عبدالله النقادي واقفاُ مادحا .

خرج مامون من مخبئه محبطاً فلحق به الصبية , كان يحمل كومة من الريش واقفاً قبالة عبدالله النقادي : ( كوكتك كوركتْ ؟ .. ما كوركت .. صاح ؟ ) ..

نظر إليه عبدالله النقادي .. و إلى عصابة الشفع . ثم ملاوزاً واصل مديحه لناس " قسم " ..

: ( أسمع هووي , هي بتكورك كيف ؟ .. صحي عندها خشم كده هناي كده ؟ .. هي قاعدة وين هي ؟.. شغلها لينا .. دايرنها تكورك لينا )

ذُهِل عبدالله النقادي فانتهرهم في توجسٍ قلِق , و اهتاج غاضباً لأول مرة منذ عرفه الناس : أعوزو بللاه .. أعوزو بللاه - ثم صائحاً في خوف حقيقي و مسكنة - يا قسم .. يا حاج مصطفى .. يا ناس تعالو لمو العيال دول .. اعوزو باللاه .

قال بهذا ثم أسرع الخطو مهرولاً , خلفه ركض الصبية يقودهم مامون : ( ويييي ويييي عبدالله اب كوكة .. : ويييي ويييي عبدالله اب كوكة ) .

قالوا : في جريه سقط الرجل إلى خور المدرسة الذي آل إلى مكبٍ للنفايات , فقفز مامون التبيعة إليه و جثم على صدره محاولاً استكشاف موقع الكوكة من عبدالله . ماداً طراريمه الغليظات بقي يصيح : ( شغلها لينا .. شغلها .. شغل الكوكة ياخ عليك دينك ) ..

قالوا : كسر عبدالله النقادي حوضه فلزم المستشفى شهورا جراء القفزة الشهيرة تلك . ثم لم يره أحدهم في الحلة لسنوات . فيما بقي مامون التبيعة لائماً للشفع - و أيضاً لسنوات - :

( كلو منكم .. كنتو تولعو الصوف ياخ و أنا مثبتو ليكم في الكوشة .. هسه كنا عرفنا حِس الكوكة كيف .. صاح ؟ )