Monday 13 April 2015

على خطى الرفاق في الغابة

ملحوظة هامة إذا كنت تتحدث الإنجليزية بطلاقة اقفز إلى الفقرة الأخيرة المكتوبة بالأزرق في هذا البوست اقرأ الإرشادات واضغط على رابط اليوتيوب من الدقيقة المعينة كما أن مقتطفت المقال موجود في هذا الرابط http://www.outlookindia.com/article/Walking-With-The-Comrades/264738) 

لست أدري لم انقل لكم هذا المقتطف من محاضرة وجدتها في اليوتيوب?، هذا المقتطف الذي استمعت إليه عدة مرات وكأنه مقطع موسيقي. ربما لصوت المتحدثة الشجي الجميل. وربما لأنني في العادة أفعل أشياء دون تفكير.

أرونداتي روي. لاشك أن هذه المخلوقة وضعت على ارضنا لسبب ما . فقد تكونت عناصرها بتجانس تام. جمال فائق يلفت النظر يتعتق مع الزمن (اوعدنا يا رب) وصِدق فتي لا يشيخ، ذكاء يتقد من عينيها، وحرفة بارعة تحترفها هي الكتابة: فالكلمات تخرج من بين نول يديها كخيوط من حرير ساحر. 
يعرفها الكثيرون من كتابها الحائز على جائزة البوكر "اله الأشياء الصغيرة" ، لكنها ايضا كاتبة مقال من الطراز الأول. الطراز الذي أحب والذي أضع فيه قلة قليلة من الكتاب كجيمس بولدوين و طارق علي و الطيب صالح (ايوة بحب مقالاتو عديل كدا) ،مأمون التلب ونائل الطوخي ومحفوظ بشرى ومعتصم أقرع (لما يسخى) وطلال عفيفي (رغم انكاره علي) واخرون لم يبدلوا لكن لما اتذكرهم حضيفهم

 في حوار بديع لها مع هوارد زن (رحمه الله الرحمة الواسعة) - بديع لانو كانت لابسة فيهو ساري زعفراني عجيب وقاصة شعرها محمد ولد تخليهو ليها (تجدونه في رابط على اليوتيوب اكتبو Arundhati roy howard zinn) ، تَعَجّب فيه الناشط الوسيم الراحل هوارد زن من قدرتها على صياغة ما ظل هو وصاحبه نعوم تشومسكي يحرثونه في ارض الصحافة بمحاريث اللغة ، لكي تفتله هي في خيوط حريرية تجذب القارئ. أنظر إليها تقول: -الأعلام هي خرق ملونة تستخدم أولا للف وغمط أدمغة البشر ثم كأكفان مراسيمية لدفن الموتى 


لغة عجيبة  سواء كانت تكتب عن اعلان انجاز القنبلة النووية في الهند أو أحداث ١١ سبتمبر أو عن مشاريع السدود الضخمة التي تجرف أودية الهند أو عن انتحار ملايين المزارعين الهنود بجرعة من المبيدات الفاسدة بعد أن كبلتهم الديون


هنا تقرأ ارونداتي من كتابها "المشي مع الرفاق" المسمى على مقالة لها كتبتها بعد أن قضت أياما في صحبة المقاتلين الماويين في غابات الهند، وكانت قد سربت نيتها في ملاقاتهم فوصلتها رسالة من المتمردين يدعونها لزيارتهم.....

ارونداتي في صحبة المقاتلين الماويين

الورقة المطبوعة بعناية والمصقولة في ظرف مغلق القيت أسفل باب غرفتي ، أكدت على الموعد المضروب بيني وبين "المهدد الأكبر والأوحد لأمن الهند". انتظرت لأشهر كي أحصل على ردهم. 
كان علي أن أذهب إلى معبد "ما دانتيشوري" بمدينة تسهاتشقرث. حددوا لي أربعة  مواقيت مختلفة ويومين للموعد المضروب. كان ذلك تحسبا لتقلبات الطقس أو حواجز الطرق أو لأي عطل قد يطرأ في العربة أو لإضراب عمال النقل...او لمجرد سوء الحظ. 
الورقة ذكرت الاتي: على "القادم" أن يحمل كاميرا، يضع "تيكا" على جبينه (النقطة الحمراء) وأن يحمل ثمرة جوز الهند، أما "المستقبل" فسيلبس قبعة، ويحمل مجلة "اوت لوك" الهندية و ثمار موز.
كلمة السر : سلام يا معلم
سلام يا معلم؟ لعلهم يتوقعون أن يكون القادم رجلا؟ فكرت أن اجلب شاربا مستعارا

هناك طرق كثيرة لوصف بلدة دانتيوارا، إنها ملتقى النقائض، بلدة حدودية مرزوعة في قلب الهند، بؤرة حرب، مدينة مقلوبه الأحشاء ، داخلها في خارجها وخارجها في داخلها. ففي دانتيوارا ترتدي الشرطة ملابس عادية بينما يرتدي الثوار زيا رسميا. حارس السجن يقبع في السجن بينما السجناء أحرار (لقد فر ثلاثمائتهم من سجن البلدة القديم قبل عامين). النساء اللائي تم اغتصابهن محتجزات لدى الشرطة، بينما مغتصبيهم يلقون الخطب في الأسواق. 
هناك عبر نهر الإندريفاتي، في المنطقة التي يسيطر عليها "الماويون" -المكان الذي تطلق عليه الشرطة إسم "باكستان"- القرى خاوية من أهلها، والغابات مأهولة بالسكان. الأطفال يركضون في الأرجاء دون رقيب، ففي قرى الغابة الجميلة يتم تفجير المدرسة الإسمنتيه لتهوي كومةً من تراب، أو يتم احتلالها من قبل الشرطة.

الحرب المميتة التى تتكشف فصولها في الغابة، هي الحرب التي تفخر بها الحكومة وتخجل منها في آن، (عملية الصيد الأخضر) حرب تم اعلانها وانكارها في ذات الوقت. بي. جي باندام وزير الداخلية (والمدير التنفيذي للحرب) يقول أن لا وجود لها، أنها بدعة من خيال الإعلام ومع ذلك فقد خصصت مبالغ معتبرة لتمويلها، وتم حشد عشرة الاف جندي من أجلها.

ورغم أن مسرح الحرب أعد في غابات الهند، إلا أن عواقبها ستطالنا جميعا في المدن.

إذا كانت  الأشباح هي عبارة عن الأرواح المعلقة لأشياء فنت عن الوجود، فلعل الطريق السريع ذو المسارات الأربع الذي شيده تجمع شركات التعدين الإستثمارية  هي نقيض لفكرة الشبح، لعلها نذير لما هو قادم.

الخصم في الغابة، يختلف تماما عن نظيره، وليس هو على كل حال بنظير له في أي شيء! فعلى جانب واحد يوجد حشد عظيم من قوات شبه نظامية مسلحة بالمال والعيار الناري وأجهزة الإعلام وغطرسة قوة عظمى وليدة.
أما على الجانب الآخر، قرويون بسيطون مسلحون بأسلحة تقليدية، يدعمهم مقاتلون منظمون تنظيما بارعا، وعازمون عزيمة لا تلين: هي مليشيات الماويين ذات التاريخ المدهش في المقاومة والتمرد المسلح. 

مقاتلات قرويات ماويات


الماويون والقوات الحكومية شبه النظامية خصمان قديمان، وقد تحارب أسلافهم مع بعضهم البعض عدة مرات : في تيليقانا وغرب البنقال وبيهار  في مطلع الخمسينيات، في سريكاكولم بأندرا براديش في أواخر الستينيات والسبعينيات، ثم مرة أخرى في أندرا براديش وبيهار و مهاراشترا منذ الثمانينات إلى وقتنا الحاضر. لقد ألِفوا تكتيكات بعضهم البعض، ودرسوا كتيب ارشادات قتال بعضهم البعض عن كثب. وفي كل مرة يبدو وكأن الماويون أو اسلافهم قد تم هزيمتهم، بل وفي كثير من الأحيان وكأنهم تم إفناؤهم عن الوجود. لكنهم في كل مرة يبعثون من جديد. أكثر تنظيما وأكثر عزيمة، وأكثر تأثيرا من ذي قبل.
اليوم التمرد قد انتشر عبر الغابات الزاخرة بالمعادن في تشاتيشقارث وأوريسا وغرب البنقال- موطن الملايين من السكان الأصليين القبليين الهنود (الأديفاسي) و أرض الأحلام للمستثمرين وأصحاب المال.


وصلت إلى (معبد ما دانتيشوري) في تمام الموعد (اردت أن اعطي انطباعا حسنا). حملت معي كاميرا، وعلى جبيني بدرة حمرا في شكل نقطة، وثمرة جوز هند صغيرة، تساءلت إن كان أحدهم يراقب منظري المضحك. بعد دقائق قليلة تقدم نحوي فتى صغير. كان يرتدي قبعة ويحمل حقيبة ظهر مدرسية، على أظافره بقايا طلاء احمر متكسر. لا مجلة أوت لوك هندية في يده، ولا ثمار موز!

"هل أنت التي ستدخل هناك؟" - لم يتفوه بكلمة السر "سلام يا معلم"

لم أعرف ما الذي علي قوله. أخرج الفتى ورقة معفصة ورطبة من حقيبته وسلمها إلي، كان مكتوبا عليها :( لم أعثر على مجلة أوت لوك)

سألته : والموز؟

"اكلتها، فلقد جعت" 

يا له من مهدد للأمن بالفعل! كان مكتوبا على حقيبه : (تشارلي براون- ليس مغفلك المعهود)!
ذكر لي أن اسمه منقتو، علمت لاحقا أن الغابة التي كنت على وشك دخولها مليئة بأناس يحملون أسماء عدة وهويات متنقلة، كانت الفكرة كالبلسم لروحي ، كم جميل أن لا تَعْلَق مع ذاتك، أن تصبح شخصا اخر لوهلة ما.

ذهبنا إلى موقف الباص على بعد دقائق قليلة من المعبد. كان محتشدا بالناس. حدثت الأشياء بسرعة البرق: كان هناك رجلان على متن دراجتين بخاريتين، لم نتبادل أي حديث، فقط نظرة تعارف، حركة من اجسادهم لإفساح المكان، وحمحمة دواسة الدراجة. 
لم يكن لدي أدنى فكرة إلى أين نحن ذاهبون. مررنا بمنزل رئيس الشرطة والذي تعرفت عليه إثر زيارتي الأخيرة للمنطقة. كان رجلا بالغ الصراحة هذا الشرطي (في الحقيقة هذا الرجل قد أقدم على الانتحار قبل عامين) قال لي :

" تعرفين يا سيدتي؟ بصراحة هذه المشكلة لا يمكن حلها بواسطتنا نحن الشرطة ولا بالجيش، المشكلة مع هؤلاء القبليين أنهم لا يفهمون معنى الطمع، ما لم يصبحوا طماعين ليس هناك من أمل لنا. لقد أخبرت مرؤوسي، أخلي القوات وضع تلفازا في كل منزل، وكل شيء سيحل نفسه من تلقائه.  "       

لم يمض وقت وكنا خارج البلدة، ثم ثلاث ساعات أخرى أمضيناها في الطريق- بحسب ساعة يدي- انتهت في منتصف اللامكان، في شارع خاو تحفه الغابات من الجانبين. ترجل منقتو من الدراجة ففعلت مثله. رحلت الدراجتان.  حملت حقيبتي وتتبعت المهدد الأمني الصغير إلى داخل الغابة. كان يوما جميلا. أرض الغابة كانت مفروشة بسجادة من ذهب، بعد قليل دلفنا إلى اراضي رملية بيضاء على ضفة نهر أفطح، واضح أن النهر قد جرفته الرياح الموسمية فقد كان المكان أشبه بخور في عمق كعب الأرجل. يمكن عبوره بسهولة.

العبور نحو باكستان. "هناك!!" كما أخبرني رئيس الشرطة "رجالي يصوبون ليقتلوا فقط". تذكرت   ذلك عندما بدأت في العبور. تخيلتنا أنا ورفيقي الصغير في منظار قناص، مجسمان صغيران وسط منظر طبيعي، يمكن التقاطهما بكل سهولة.
ولكن منقتو بدى وكأنه غير ابه للأمر على الإطلاق- لذا فإنني قد حذوت حذوه.


هنا أنهت أروندتي القراءة فسألها المضيف إن كانت قد تلقت أي ردا من الماويين بعد نشرها لمقالتها وكتابها عنهم، قالت:

الغابة كانت تحت الحصار- أنه أمر في غاية السوء الناس لا يستطيعون الخروج ولا الدخول إلى الغابة، لا يستطيعون إدخال الأدوية أو الأغذية . مرت ٦ أشهر كاملة بعد نشر مقالتي، كانت هناك فقرة في المقال اذكر فيها أنني مستلقية على الصخور وسط المقاتلين الفتيين، وكأني في جناحي الخاص في فندق الف نجوم.
بعد ستة أشهر من المقال وصلني خطاب تم تمريره عبر عدة أيادي، يسمونه البسكوتة، إذ أن الخطاب يكون مطويا إلى ٩٠ طوية. كان خطاب من الغابة و كان فيه:
"بعد أن كتبت ما كتبت غمرت الغابة موجه من الفرح" ثم تم توقيعه بالأسفل : من مكتب العلاقات العامة بفندق الألف نجم

هنا تخنقني العبرة لأنو بحب الأفلام الهندية، الحوار أجمل بصوتها  عرجوا عليه حتى وإن كنتم من غير الناطقين بها ، اعتبروه ضربا من المزيكا ،تجدونه هنا القراءة تبدأ من الدقيقة 18:35- 26:47
والمقطع الذي تورد فيه رد الماويين عليها يبدأ في الدقيقة 1:04

1 comment:

  1. قمة الرعة.....شكرا ميسون ارجعتى الينا التوازن المطلوب

    ReplyDelete