Wednesday 15 April 2015

ابني المواطن... لا تبقى امنجي

يذكر بعضنا بدهشة بالغة  حوالي عام ٢٠٠٦ أو ٢٠٠٧ لا أذكر التاريخ بالتحديد، الاعلان الذي تم نشره في الصحف معلنا عن وظائف شاغرة في جهاز "الأمن" "الوطني" . كان هناك امتحان مكتوب للتقديم للوظيفة. ودهشتنا تمثلت في الألوف التي حضرت إلى جامعة الخرطوم للامتحان كي ما يلتحقوا بالجهاز.
ألوف!
كثير منهم ليسوا من ترب الكيزان أو منتفعي المؤتمر الوطني أو الإسلاميين أو أي شيء ، اعرف بعضهم في غاية الوداعة، بعضهم يدعي انتماءا لتنظيمات معارضة ويجاهر بذلك، كثير منهم صحبته دعوات الأمهات والآباء بالتوفيق صبيحة الإمتحان.

في الحقيقة أن أغلبهم كانوا يحسبها كالاتي: تذكرة سريعة ومختصرة نحو محطة الإستقرار. والتي تشمل راتبا مجزيا وسلطة تقيك جور الزمان وتؤمن مستقبلك وحوافز أخرى

في سبيل ذلك يستعبط المتدربون الجدد المنضمون للجهاز وهم يتلقون دروس : التجسس في الإسلام و التعذيب في الإسلام معضدة بقصص من السيرة (الكلام دا جد جد) 
يستعبط الموظفون الجدد لجهاز الأمن وهو يرسم لهم صورة العدو : العدو هو كل من يخالفنا. فكل من يخالفنا يخالف الوطن. وكل من يخالفنا عميل بشكل أو بآخر لقوى تآمرية. وإناء العمالة يتسع ليشمل اي انسان.

رغم القلق الذي اصابهم ازاء التدريبات الأولية التي كانت في مناطق "الشدة" إلا أنهم يصبرون، بعضهم يبحث عن واسطة، بعضهم يستعطف رابطة العرق والقبيلة لنقله لأماكن أكثر أمنا. كثيرون صبروا كلها شهرين وينتقلون إلى الترويع المريح للمواطنين العزل. تضحية بسيطة

حتى بدايات ٢٠١٣ سارت الأمور بهدوء، تمتع الموظفون الجدد بإمتيازات السلطة الجديدة، صاروا "عُمدا" من نوع غريب وسط أهلهم وجيرانهم والحلة. يتوسطون لحل أي مشكلة مع أي أحد، بسلطة "البطاقة". 

ولكن مع بدايات ٢٠١٣ تصاعدت الحرب في جنوب كردفان ودارفور، وذلك لأن سياسات الحكومة "الرشيدة" في ادارة الحرب قد انقلبت عليها، بدءا من دأبها على تحجيم دور الجيش و توكيل الحرب للمليشيات القبلية وشبه القبلية، والتسليح المتنامي للشرطة لدعم حربها على سكان المدن. كل هذه العوامل انقلبت عليها فأصبحت تحارب حركات التمرد من جانب، ووكلائها من المليشيات الحكومية التي اصبحت تساوم السلطة بنفس لعبتها فتتفق مع أكثر من طرف، كل ذلك في ظل سياسات اقليمية متقلبة تنقلب كثيرا في غير صالح الحكومة.

في العديد من الأحداث الطارئة تم حشد قوات من جهاز الأمن إلى "مناطق الشدة" لتحقق  ما أخفق في تحقيقه الجيش، وقليلا فقليلا ، اصبح الإعتماد على ضباط الأمن يزيد. ومع تزايد هذه الثقة.. تزايد قلق هؤلاء الضباط. والذين كانوا يرون أنفسهم في الحقيقة كموظفين بصلاحيات واسعة، وتتلخص مهامهم الوظيفية في التصنت على المكالمات أو نشر الغباء الإسفيري أو مطاردة عصابات النيقرز كل اسبوع أو الإعتداء على الطلاب والطالبات العزل، أو اختطاف الناشطين.. لم يكن بحسبانهم ابدا أن الكاكي الذي ارتدوه أيام التدريب الوظيفي الأول قد عاد كالكابوس ليطاردهم. 
الذي حدث في العامين الماضيين، هو تقدم العديد من ضباط الأمن بإنهاء خدمتهم مع الجهاز، وصرف مستحقاتهم إلى غير عودة. 

لذا توقفت كثيرا عند التعديل الدستوري الذي بادر به "السيد" رئيس الجمهورية وأقره المجلس الوطني، والذي وسع من صلاحيات الجهاز ثم تأكيده على محاكم جهاز الأمن التي هي تطابق نظيراتها في القوات النظامية الأخرى في ما هو عسكرة كاملة للجهاز.

إذا ، شروط تعاقد جديدة للقادمين إلى جهاز الأمن- وقد اعلن جهاز الأمن قبل فترة طالت عبر الشريط الإعلاني التلفزيوني عن أماكن شاغرة بشروط أقل من السابقة كشهادة ثانوية واكمال الثامنة عشرة - شروط التعاقد الجديدة ستختلف تماما عن الشروط القديمة.
ستذهبون دوغري إلى مناطق الشدة، وهذه المرة لن يحلكم "انهاء الخدمة" وصرف المستحقات وهذه المدنية المائعة. لن يحلكم إلا الذي حل بلة... والويل للمتملمين أو المتقاعسين، فمحاكم الجهاز -ذات الصلاحيات التأديبية والجزائية الواسعة التي تصل إلى حد الإعدام- كفيلة بهذا التململ.

مرة أخرى لكي أكون واضحة. شروط التعاقد هذه المرة تشمل الذهاب إلى الجحيم.


2 comments:

  1. شروط التعاقد هذه المرة تشمل الذهاب إلى الجحيم.
    من المؤلم أن يجبر الإنسان على الموافقة بعقد يذهب به إلى الجحيم فقط .. ليخرج من جحيم آخر

    تحياتي

    ReplyDelete
  2. لم يعد احدا يحفل بحكومة او معارضة فلكل يركض خلف لقمة العيش وربما تسوقه اقداره الى ورطة حقيقية لم يكن يضعها فى الحسبان

    ReplyDelete