Wednesday 30 January 2013

أفلام بالملوخية

أحب أوضح إنو سؤال "شنو هو فيلمك المفضل" بيختلف تماما عن سؤال "شنو أجمل فيلم شفتو؟" ... أنا بحب أوقع هذا السؤال لنفسي بمقاربته بالأكل يعني سؤال "أكلتك المفضلة شنو؟" ما هو نفس "أحلى أكلة أكلتها شنو؟" أحلى اكلة كانت في سنة كم وتمانين في مطعم باستانبول أكلت طبق دولما باشا ملوكي أكسبني تعاطفا أبديا تجاه الأنظمة الملكية رغم موقعي كبرجوازية أصيلة وحارس دائم للطبقة المتوسطة (ولا دائم غير وجهه). أما اكلتي المفضلة فهي الرز بالملوخية، ممكن اكلو الليلة وبكرة وبعد بكرة وبعد بعد بكرة..ولي معه شئون كإني بعد ما ألخبط الرز بالملوخية أقوم أبططه بطرف المعلقة على الصحن ومن ثم تقسيمه إلى مثلثات أو مربعات متساوية  و...لكننا لن نسترسل في ذلك الحديث.
وأظن أن اختيار الفيلم المفضل لا يخضع إلى معايير جمالية بقدر ما أنه يفصح عن جوانب ما في شخصيتك، فالبالنسبة لي هذه المقالة هي رحلة استكشافية. ويخضع اختبار فيلمي المفضل لسؤال بعينه..لنفترض أني قد أكملت لتوي فيلما ولسبب ما قلبت القناة لأجد ذات الفيلم من جديد يعرض في قناة ثانية... هل أشاهده؟ أو أن قرص الدي في دي أعاد تشغيل الفيلم هل سأواصل متابعته؟ عند الإجابة بنعم أكون وجدت فيلمي المفضل...وكل هذه الأفلام التي سأذكرها بدون ترتيب قد خضعت لذلك الإختبار. وكم من فيلم ظننته أثيرا لدي سقط من قائمة الهوى (قصة الحي الغربي؟؟ عمر المختار؟؟ سيدتي الجميلة؟؟ كما كنا لباربرا سترايسند وروبرد ريدفورد؟؟ التنين الخفي والنمر المضطجع، أفلام وودي الن.. وأنا من ظننتكم أثيرون لدي)
1
صوت الموسيقى. لماذا؟ لماذا يا رب؟ كما أقول دائما عن نفسي : ما من شيء يفسد علي صورة المثقفة الغامضة سوى عشقي غير المبرر للأفلام الغنائية والاستعراضية (أفلام الأسود وأبيض، بوليوود، افلام الخمسينيات والستينيات الأمريكية و..احم ..الفيديو كليبات الغنائية..أعتذر تماما لنفسي عن هذه الهفوة الأخيرة) ... لكن صوت الموسيقى هو الفيلم الاستعراضي الذي يستحوذ علي تماما، بدءا من لقطات الكاميرا البانورامية العريضة ، أظن يسمونها الwide shots التي احتضنت منظر جبال الألب الخلابة وحدائق سالزبورغ الوريفة وقصر الكابتن المتألق. كل شيء مترف وباذخ، بدءا من فساتين البارونة التي عشقتها كلها من صغري وتمنيتها لسبب ما، إلى حركة الأحذية اللامعة على الرخام والكمنجات التي تندلق بسبب وبدون سبب...ثم الفالتزات..الفالتزات! و ذلك المشهد الذي ترقص فيها "ماريا" والكابتن "كيورغ" على الشرفة رقصة اللاندلر..يا لقلبي المسكين..يا لتلك النعومة والرشاقة والخفة التي لا تضاهيها خفة..كذا الحب في الجنة بين الأخيار والحور العين..أفلاطوني!
او مشهد ليزا وهي ترقص مع حبيبها ساعي البريد في الحديقة تحت المطر...وذلك المكس الرهيب والصراع بين الفالتز العريق والجاز الفتي (شفتو حس الفنان لما يعمل موسيقى تصويرية لفيلم؟ في فكر..في فهم..مش مجرد مزيكا ظريفة).
ثم ان عبرتي لا تفشل ابدا في الانحشار في حلقي عندما يغني الأطفال فقدهم للمربية ماريا التي سرعان ما تفاجئهم قادمة من بعيد مكملة للأغنية ! وهذا قليل من أشيائي المفضلة في الفيلم
 
من اللطيف الذي اكتشفته عن الفيلم أنه مخرجه روبرت وايز هو أحد أقطاب جدل سينمائي برز في الستينيات حول صناعة الفيلم بين رؤية المخرج وبين التزامه بالنص المكتوب، فمخرج فيلم صوت الموسيقى يرى أن المخرج المحترف هو من يستطيع أن ينفذ ما على الورق مباشرة على الشاشة.. أن يواجه تحدي الخيال...بينما يرى رواد المدرسة الاخرى و(ومنهم الفرنسي تروفو) أن على المخرج أن "يؤول" ما على الورق و أن يخرج برؤيته هو ..فها هنا الإبداع..وليس المخرج مجرد حرفي أجير عند كاتب النص..فسحقا لتحدي الخيال! تحيا الرؤية!
2
الماتريكس بأجزائه الثلاثة..يا ما أنت كريم يا رب أن خلقت لنا الأخوان واتشوسكي (أفهم أن احداهم قلب جنسه وأضحى انسة- معلومة غير مهمة)... أستطيع اللف والدوران حول الفلسفة الكامنة في الفيلم والرسالة المضمرة..لكن لأكون صريحة معكم..فالكافوتي !الكافوتي! ونسمة أفلام هونغ كونغ التي باركت هوليوود بلمساتها البديعة في فن القتال. أنا كالملايين من مهووسي الماتريكس أعشق مشهد المصعد في الجزء الأول...عندما تخرج ترينيتي ونيو من المصعد يحملون معهم أرتالا من الأسلحة والذخيرة...ومشهد الرصاص يستاقط على الرخام رشيقا كزخات المطر أو عند اصطدامه برخام المبنى محدثا ثقوبا وخرابا هندسيا فتاكا، وتلك المشية الواثقة للبطلين التي تزود ادريناليني الشخصي بكل ما احتاجه لمواجهة العالم الشرير (والعالم شرير كما نعرف). الجزء الأول هو المدلل عندي ..وفيه يتضح مزاج الاخوة واتشوسكي ورغبتهم في صناعة فيلم مصمم على هيئة مجلات الكوميكس البطولية (الحوار واللغة ذات الكلمات الرنانة المبالغ فيها بعض الشيء- المشاهد واللقطات والتصوير الذي لسبب ما يبدو مستطيلا كما في تقسيم المجلات- تعابير الوجه الكارتونية والمرسومة)
 
3
بما أننا جئنا إلى سيرة الكافوتي فلا بد أن أذكر فيلم "اسطورة المعلم السكران" legend of the drunken master وهو من أوائل أفلام جاكي تشان التي دبلجت طريقها إلى هوليوود (الدبلجة ردئية كما ينبغي لها أن تكون، فهي تحافظ على ذلك الإرث العظيم لأفلام الكونغ فو القديمة في السبعينات التي كنا نستهلكها في طفولتنا دون هوادة). الجميل في الفيلم هو الطابع الشرقي غير المتأثر ببهرج الغرب في التصوير، والأهم من ذلك، كان ذلك الفيلم من أول الأفلام الذي جعل القتال جزءا أساسيا (لا مكملا) من الحوار...أقصد أن القتال هو حوار بين طرفين، وكان القتال سابقا أشبه بوصلة استراحة بين مشهدين حواريين... لكن مع جاكي تشان يصبح القتال حوارا كوميديا بديعا كتلك المواجهة الأولى بين معلم كونغ فو والفتى المغتر بنفسه أسفل أحد القطارات أو يصبح القتال جوهرا يلخص حكمة الفيلم في الصراع ما بين الحديث والأصيل عندما يتقن جاكي شان فن الشجار السكران.
 
4
Good night and good luck لجورج كلوني، أذكر في ليلة احتفال الأوسكار عندما فاز بجائزة أفضل ممثل عن فيلم سيريانا كانت قد كست وجهه لمحة من خيبة الأمل وقال معلقا "أظن أن هذا يعني أني لن أكسب جائزة أفضل مخرج"! أحب جدا الأفلام التي تجري أحداثها في كواليس المسرح  أو محطة تلفزيونية أو إذاعية أو مكاتب تحرير صحفية، لكن ما من أحد من الأفلام سوى هذا الفيلم استطاع أن يعكس ذلك التوتر الكامن والحيوية الذي يكون في المنافذ الإعلامية، ذلك الصراع الحي..الحي والدموي حقا (دعك من كل أفلام الدمار الشامل...ها هنا أحشاء تتلوى ودماء تتقاطر!).. الفيلم أشبه بكبسولة مضغوطة وقد نجح كلوني في اختيار القالب الزمني الملائم لأحداث الفيلم، إبان فترة الماكارثية وأول مواجهة متلفزة بين الحرية والسلطة ...ذلك التناطح الأول والقوي الذي يخلف شهداءا وأبطالا ومهزومين..تلك المناطحة التلفزيونية التي تمت بين الصحفي الأمريكي الأيقونة أدوارد مورو و السيناتور الطموح ماكارثي. والممثل دايفيد ستراذيرن بالغ في التمثبل عديل كدا. الفيلم عبقري حقا، لأختياره الصادق لحدث تاريخي يجد صداه في كل حين..في كل وقت من زمننا المعاصر..تجد نفسك تلقائيا تقارن بين كل عبارة ولفتة في الفيلم وما نطالعه الان في اعلامنا الحديث. كل ذلك التوتر ينساب بنعومة بين أنغام الجاز الصادحة وألق الستينيات الساحر...صراع دموي بقفازات حرير بيضاء.
 
5
طالما نتحدث عن الصراع مع السلطة، فبطبيعة الحال فيلمي الأثير JFK لأحد مخرجي المفضلين أوليفر ستون. يقول عنه مارتن سكورسيزي أنه حضر دورة تدريبية كان يزامله فيها ستون وقد عاد لتوه من خدمته العسكرية من حرب فيتنام، فتى منطوي على نفسه..كان لا يراودك شك أنه شاهد الكثير وتألم أكثر..يقول أنه رقيق..رقيق جدا. وأظن أن معظم أفلام ستون تكتب ألمه واعتراضه على هذا العالم لا بصخب وضجيج ولكن بشكل رقيق وانساني شفاف نادرا ما تبصره بين البشر (اعني انظر فيلمه وول ستريت والجنة على الأرض). مشهدي الأثير في فيلم JFK هو ذلك اللقاء الذي يجمع بين السيد أكس وبطل الفيلم كيفين كوستنر وفيه يكتشف البطل أنه لا يهز سوى خيط رفيع بعيد في زوبعة عنكبوتية مهيبة تنسجها السلطة والمال والقوة(وأعترف أن مرجعي في ترجمة وتأويل الصراع العالمي هو ذلك الحوار في الفيلم). وأيضا مشهد المحاكمة الاخير..يا لتلك الملحمة..دعك من الأوديسا والإلياذا..دع عنك أخيليس وهوميروس و ...ها هنا يواجه المدعي العام جيم قاريسون في محكمة أنيقة في الجنوب الأمريكي الهة التعنت والقدر (يا الله يا امين أبلع العبرة في ذلك المشهد الذي سهكته من كثر ما كررته)...ثم أن الفيلم جمع كل الأحبة: تومي لي جونز، كيفن بايكون، جو بيشي، دونالد ساذرلاند. القطع/المونتاج في الفيلم نظيف وخادم جدا لأحداث الفيلم وتصاعد الحبكة (وهي حبكة صعبة ومعقدة  لا تنحل سوى بين يدي صانع ماهر كأوليفر ستون..فالرجل كان يعرض بين يديكم نظرية مؤامرة لم تجد لها سندا في المحاكم لكنها وجدا سندا عريضا على الشاشة السينمائية)..والمزيكا كانت (أوسوم! Awesome) لسة بتخلع قلبي في المشهد الذي تنحل فيه (أو تنعقد فيه بالأصح) أول خيوط المؤامرة...المزيكا عجيبة وقابضة للأنفاس
 
6
جبنا سيرة مارتن سكورسيزي...السبب الذي يجعلني متعلقة بفيلمه "عصر البراءة" محير لي حقا، فالقصة المملة التي تمتد لثلاث ساعات متواصلة تدخل في صراع عنيف مع أعضاء جسدي المتململة..الفيلم بديع..ودعوني أقول لكم شيئا ...المخرج بيبان من فيلمو...فلو حصل إنو مارتن سكورسيزي عزمك على العشاء..اقبل الدعوة فورا، فالرجل سخي بالكاميرا...سخي حد البذخ والإسراف (في المقابل لو عزمكم كلينت ايستوود اتصبر من بيتكم)..مشاهد المعمار البوستوني (من بوستن) في منتصف القرن التاسع عشر ، والتصميم الداخلي لغرف منازلها حيث تفرد الكاميرا مساحة كبيرة لكل تفصيلة لكل زخرف على الحائط لكل نقش على الكراسي الخشبية، لكل ثنية فوطة عشاء حريرية مطرزة لهو تحد عظيم..عظيم حقا، فأمريكا في ذلك العهد كانت تحاول أن تعكس شئيا من الرخاء الأمريكي السوقي وتروضه بألق أوروبي عريق..خلطة عجيبة كدا غايتو خلقت ذلك الأرث النيويوركي (كما تعرفون نيويورك حاجة براها كدا..كما اسكندرية حاجة براها كدا) . وسكورسيزي المفتون بنيويورك وتاريخ عصاباتها الدموية- فأفلامه بالكاد تخرج عن هذه الدائرة -يصف هذا الفيلم الرومانسي الرقيق بأنه أكثر أفلامه دموية!!! أنا أضع علامات التعجب مجاملة لكم..ولكن الحق الحق أقول لكم هو كذلك...ما من مشهد أكثر دموية من صراع الروح الذي جسده دانيال دي لويس ببراعة بين التقاليد والأعراف وبين الانقياد وراء العاطفة الجياشة واتقاد القلب.هناك مشهد يذبحك من الوريد إلى الوريد ، يقف فيه دانيال دي لويس تعصف به الهواجس بين زواجه الوشيك للبريئة الجميلة (ماي-وينونا رايدر) وعشقة المتقد لإبنة عمها ( أيلين-ميشيل فايفر) ..كانت تقف على المرسى ويقف هو على مبعدة منها والدنيا غروب ذهبي بديع، ويمر قارب شراعي فيهمس في نفسه إن التفتت إلي قبل مرور القارب الشراعي أمام المنارة..سأذهب إليها وأعترف بحبي..وإن لم تلتفت عدت إلى لجام حياتي السابق...ويمر القارب...ولا تلتفت ..تلك اللحظات القدرية التي نصنعها نحن العشاق بالاعيب الهوى الطفولية التي نتقنها. المهم الفيلم جميل..فشل في جمع الأيرادات ولا غرابة في ذلك ...ولم يفز بحظوة كثيرة لدى النقاد..لكن أنا ومارتن نحب هذا الفيلم.
 
7
ديسبيرادو؟ لا أعرف سر اعجابي بهذا الفيلم المسرف في الدم والقتل..خاصة وأنني بت أمقت أنتونيو بانديراس وقد فشل في مقاومة اغواء الهوليودية وانسياقه في دور العاشق الاسباني النمطي (ربي احمي خافيير بادريم من هذا الإغواء..رب اترك لي لاتينيا واحدا سليما) ..ما من فيلم يفسر محبتنا لروايات كتاب لاتين أميريكا كما هذا الفيلم (دعك من الحب في زمن الكوليرا وبيت الأشباح..ما عجبوني نهائي الإتنين..وكان فيهما عنصر الخيانة..خيانة الرأسمالية والأمركة) ...ففيه ما أحببناه في تلك الروايات..فيه ترادف الأضداد وكأنهما حبيبين قديمين... الموت رديف الحياة (كلاهما صاخب) ، الأمل رديف اليأس (كلاهما ساخر) ، الحب رديف العنف (كلاهما حسي) ... جميل مشهد أنتونيو بانديراس يتقطر دما وهو يوجه طفل صغير كيف يعزف الجيتار، جميل مشهد سلمى حايك تبحث عن فردة حذائها بينما الرصاص ينحدر عليها من كل صوب..ثم تنفذ قفزة مستحيلة من أعلى بناية بذات الحذاء !! (كما قلت علامة التعجب للمجاملة)...ثم أنني أحب أغنية البداية وأحب المخرج روبرت رودريغز
 
8
غاندي..أنا حافظة حوارات الفيلم..ورغم إنو "ما هندي" فهو رؤية غربية لما هو "هندي" ورغم إنو لم يكن دقيقا في نقل الوقائع التاريخية، إلا أن الفيلم مؤثر حقا وجميل. الحوارات فيه جميلة بسيطة وعميقة والمشاهد كما ذكرت مؤثرة...مشهدي المفضل بالطبع هو مشهد "مولانا أزاد" (برجاء قوقلو هذه الشخصية وتكسروا فيها كما تكسرت أنا) وهو يؤمم بنفسه مصنع دارسانا للملح وبردائه الأنيق وعصي الشرطة تنهال على الأنصار ومارتن شين يلهث على التلفون مرسلا برقية لصحيفته صائحا "كل ما كان يحمله الغرب من أسبقية أخلاقية على العالم قد سقط اليوم- قف- لقد تحملت الهند كل ما يمكن تحمله ولم تنكسر –قف) الله أكبر...النصر لنا (نحن منو؟ نحن المستضعفون في الأرض طبعا..المستنيلون والمتدهولون على عينا)..اللقطة أدناهو أيضا من لقطاتي المفضلة
 
 
انتهى...همممم ما الذي تكشفه هذه الأفلام عني؟ أوعى يكون؟؟؟ أنني من نوع البشر الذي لا يجد حياة إلا في الصراع!!! سجمي!


1 comment: