Wednesday 11 June 2014

مشهد من التغريبة الفلسطينية


كنت قد كتبت من قبل عن براعة المخرج السوري حاتم علي . قلت انه هو من يملك الجرأة والثقة ان يعرض على جمهور المسلسلات مشهدا من خمس دقائق يحتوي على حوار معقد . مسلسل التغريبة الفلسطينية في رأيي مسلسل فريد. لأنه يعرض صورة الانسان الفلسطيني خارجا عن التنميط المعتاد. باختلاف مراحل تغريبته بدءا من الحال قبل الاحتلال الصهيوني (وهي ليست صورة بريئة كما تصور دائما بل تجد صورا من الاستغلال والصراع الطبقي) مرورا بالاحتلال الانجليزي ثم احلال الصهاينة في الوطن الجديد وهجرة الفلسطينين من قراهم الى المخيمات المؤقتة.. ثم القبول شيئا فشيئا بحالة التغريب. فالسكنى في المخيمات على هامش المدن ثم آمال القومية العربية العريضة.. ثم النكسة.. وينتهي المسلسل بالوصول الى خيار المقاومة الشعبية المسلحة. وهو مسلسل مهم.. يمنحك بعدا جديدا عند تأمل تاريخ المقاومة الفلسطينية- في رأيي



(خلفية: تعرض صلاح لأزمة عاطفية، اذ انه احب اخت صديقه الثري وانفضحت مكاتيبهم لبعضهم البعض. اهل الفتاة يحذرونه من التعرض لابنتهم.،لكنه يعاند . فيرسلون من يؤدبه ،تتعقد المسائل.  في هذا المشهد يجلس صلاح ابن المخيم -وهو شاب مثقف يدرس بكلية الطب و يقبل على كتابات سارتر وكانط وشعر صلاح عبدالصبور - هنا يجلس صلاح على التلة ساخطا. ابن عمته رشدي يدرس بمعهد المعلمين ويتخذ دوما مظهر الوديع المسالم البسيط يذهب اليه)


صلاح على التلة باكيا
يأتي رشدي من خلفه ويقف

رشدي : الطبيعة حلوة، بس الوحدة صعبة. طولكرم ! بلدة على تلة... بسيطة من جهة زي أي بلدة ريفية ومعقدة من جهة ثانية. مدينة بتنضج بسرعة من طفولتها الريفية،  محيرة بين الطفولة يللي بتطلع منها وهموم ومسئوليات النضج يللي بتدخل فيها..تماما زي الانسان لما بيدخل مرحلة التحول من الطفولة للنضج بسرعة. النضج ولادة ثانية،والولادة بتحمل معها اوجاعها، مع فرق: هون الانسان نفسو بيمارس ولادة نفسو، لازم يموت فيه اشي حتي ينولد فيه اشي جديد... اوجاع و صراعات وبحث عن الشخصية الموزعة بين الماضي والحاضر وصورة المستقبل.،طبعا،بتتعقد المشاكل  لما بيكون الانسان ذكي،معرفتو اكبر من حاجتو ،و اكبر حتى من ظروفو.،هون ممكن...ممكن لفترة  يبطل يميز بين الواقع والوهم ،وحتى بين الحلم اللي بينطلق من الواقع وبين الوهم يللي بكون بديل عن الواقع،هون الأفكار بتتعالى عن الواقع، وبتحاول انها.. انها.. انها تشكلو ضمن قوالبها المسبقة ، بس الواقع بيقاوم..بيقاوم.. وفي الأخير بيفرض شروطو

صلاح: يعني نستسلم للواقع؟

رشدي: لا ابدا!ابدا!! بس لازم نفهم شروطو،ونتفاعل معها، حتى نغير ونتغير

صلاح: وشو هو الواقع؟ وشو هو الوهم؟

رشدي: الواقع إنك متأزم فعلا، وأنا متأزم، وغيرنا كثير متأزمين،بس اللي مش واقع انو ازمتنا هي ازمة ابطال سارتر يللي بتحكي عنهم كثير،هذا وهم! الواقع انو قضيتنا قضية وطن مسلوب، ومجتمع بيعاني من التخلف، اللي مش واقع هو انو قضيتنا قضية الانسان المطحون في المدينة الصناعية القاسية، كل إشي بنحلم فيه، كل إشي بنطمح إلو، اهدافنا، لازم تمر من هناك (مشيرا الى التلة) لازم نتخطى الحدود، مش لازم ندير ظهرنا عنها، مش لازم ننساها، وحتى لو حاولنا ، رح نلاقيها دايما قدامنا ..هذا واقع

صلاح يتنهد... رشدي يجلس قربه

رشدي: الواقع انك ناقم على نفسك وعلى مخيمك،الواقع انك بدك تطلع منو بسرعة، لوحدك او مع عيلتك.، لوين؟ هه- لأشياء تنسيك تماما المخيم وإنك في يوم عشت فيه، عشان هيك بتحب تتصور كل الناس أشرار ،خصوم، أعداء، تآمروا عليك شخصيا وانت البطل المظلوم اللي عليك انك تواجه الدنيا كلها .برضو لوحدك الواقع، انك ما حبيتها فعلا (صلاح يلتفت اليه محتجا) آآ! حبيت المستوى الاجتماعي اللي بتمثلو 

صلاح (معاندا): بس انا بحبها فعلا!! 

رشدي: بالمكاتيب؟!! هه! هاي هي المراهقة يللي بعدك ما تخلصت منها تماما .بعدين يعني شو كنت تئمل من ها العلاقة؟ إنك تتجوزها هسه؟ هاذا ممكن؟ ولاتخطبها هسه مشان تتجوزها بعد عشرة سنين؟ حتى لو كان هاذا ممكن، تحديك لأهلها كيف كان ممكن يخدم هذا الهدف؟ ما فكرتش بكل ها الإشيا؟  فكرة الحب، هي اللي كانت تهمك ، وحدة تحبك، تعطيك شهادة انك تستحق الحب لشخصك لمواهبك رغم المخيم 

صلاح: غريب! عمرك ما حكيت معي بها الطريقة..قصدي...

رشدي (يضحك): أنا بالفعل بسيط، يمكن لإني عشت أكثر منك في القرية، ووعيت ع البلاد .الريفي- اذا ما افسدتوش الكتب بيظل مخلص للحقيقة البسيطة المباشرة، مهما كانت عميقة ..التعقيد:مكياج،ادعاء، انتفاخ ثقافي كذاب .بيدل انو الشخص بيحمل هم صورتو كمثقف أكثر من هم الثقافة نفسها .هون الشكل بيسبق الوظيفة (يضحك) اذا بدي استخدم مصطلحاتك .

يربت على كتف صلاح.. يقف ...يمد يده اليه... يشده واقفا
يمضيان سويا

المشهد هنا في الرابط بدءا من الدقيقة ٣٦:٣٠ الى  ٤٢:٣٠






No comments:

Post a Comment