Monday 15 May 2017

يا ملم الروح

لقد كتمت الهوى حتى تهيمني
لا أستطيع لمثل هذا الحب كتمانا

حالي كحال جرير ، أكتب حبا لم أجد بدا من البوح به قبل أيام لدى صاحبة صدوقة هي الإعلامية المتميزة الأستاذة مشاعر عبدالكريم وقد عرفت أن بها ما بي. ومثلي تصرعها المحبة الفائقة عن البوح المنظم بالكتابة الرائقة المفهومة فترانا نولول كالزين
"ايه يا مشاعر ! أنا مكتولة في حوش منظمة الملم دارفور"
فأجابت في التو والحال "والعجيبة أنا"

فرحة الاهل بمحطة المياه وقد استقبلتهم نساء الحلة وقد تزين بما لديهن من حلى الذهب ورشوهم بالعطر. سآلهم ما الذي تحتاجونه آيضا ؟ فآجبن: بعد الماء؟ لا شيء!

ولكن لا بد مما ليس منه بد، سأعجم كنانة الحرفة والكتابة لأتحدث عن منظمة الملم دارفور. أول معرفتي بها كان عبر رابط في صفحة إعلامية متميزة أخرى عزاز شامي، فكان حبا من أول نقرة. وللصدفة العجيبة بعدها بوقت قصير راسلتني الأستاذة ميسون أتيم للمشورة حول حملة إعلامية من أجل منظمة الملم، هل تعرفينها؟ ومن فيض المحبة- لا الغفلة- لم استطع فعل شيء والقلم له رافع
علي أن ادخل في الموضوع ولا أسرف في العاطفة، أنا بالمناسبة لا أخجل من العاطفة التي أتحرك بها تجاه العمل العام، (كبرنا على الخجل من العاطفة). كنت قد حاولت الإشارة لمنظمة الملم في مقال سابق لي اسمه (يوم المرأة للرجل) وعلقت أملا كثيرا في المنظمة في نصرة المفهوم الأوسع للنسوية.
أحاول أن أجد تفسيرا لربطي الدائم بين مشكلة دارفور وجنوب كردفان ومنظمة الملم منذ يأس بعيد منذ مؤتمرات الصلح الفندقية والاتفاقيات العجولة والمناورات العسكرية الحزينة التي تحصدنا حصدا وتأفف المجتمع الدولي، وسط هذا البحر المظلم المتلاطم تبزغ منظمة الملم كمنارة ، كيابس النجاة.
لكن لماذا؟
هناك عدة ملامح من المنظمة التي يقف على أمرها الإعلامي السوداني المتميز بحق الأستاذ لقمان أحمد وابن منطقة الملم هي التي خطفت قلبي. أولها ذلك التجاهل العنيد لظروف الحرب وهي ترفع راية الإعمار التي قد تبدو مستحيلة في ظل الظروف الحالية، وتنويرها لعقلي الضيق ان هناك خيار اخر غير اللجوء أو الموت، وهو اقوى الخيارات على الإطلاق وابلغها في وجه البندقية الغاشمة، الا وهو خيار الحياة. خيار الحياة هي لطمة الضحية على وجه الجاني. ومنظمة الملم حسب ما هو منقول عن صفحتها تؤمن بمبدأ السلام عبر التنمية


منقولة من صفحة لقمان آحمد
.
لكن أي اعمار؟ أولى المشاريع التي وقعت عيني عليها في أعمارهم لإحدى نواحي المنطقة هي إعادة بناء سوق محلي ودكاكين، ثم بناء مخزن لمعدات زراعية والعمل ((مع)) لاحظ مع هذه، مع المجتمع المحلي في وضع خطة زراعية تجارية للمنطقة. هنا مدخل بارد غير ما عهدناه من عمل منظمات الغوث. هنا قبلة الحياة الكاملة.
اذا هذا المنحى "اللا غوثي" في العمل العام يعجبني كما تعجبني هذه الشراكة الأهلية التي هي ركيزة المستقبل والتي من الأجدى للأحزاب غير المشاركة والمعارضة الالتفات لها، اذا أردتم "المومنتم" كما يقول الخواجات، أي: اذا اردتم قبض الجو في الفترة القادمة فهذا سبيلكم، عبر بناءكم لأكثر من شراكة بينكم وبين المجتمعات السودانية المتعددة.

وذا قولي الذي افصحت به حول المبادرات الطوعية والأهلية لشبابنا، حول النفير القديم سيد الإسم وشارع الحوادث الأول الذي خبرناه نحن أهل الأقاليم، حكينا عن عمل أبناء المنطقة المغتربون في اعمار المستشفيات والمدارس وانارة الطرق وتوصيل المياه منذ السبعينيات والثمانينات وقلنا أن ما يميز عملهم عن عملنا الطوعي الحالي هي هذه الشراكة الأهلية وتشجيع أنماط الإدارة الأهلية للمشاريع التنموية والتي هي ضرورة لا بد منها. (قلنا اذا كنت ستؤهل عنبرا اربطها بلجنة مكونة من أولياء المرضى مثلا مثلا)



لا تضايقني محاضرة الملم في مركز الزبير طه ولا تواجدها في المناسبات الرسمية للحكومات المحلية في دارفور ولا العمل الذي يجدها في تقاطع مع الحكومة (وطبعا حكومتنا جاهزة لقص اي شريط افتتاح طاير، وتشريف خيمة اي مشروع لم ترمي فيه حجرا)، فكل من يشمر ساعده ويغرسها عميقا في تراب الوطن وملحه وطينه سيلقى شيئا من هذا، والذي لا يعرف يقول بعدس القطيعة والنأي والتذرع بعصمة وفضيلة اللافعل- واللاعمل والتي هي قاتلة ودموية تماما كأنتينوف وبندقية السلطة.



يا سوداني ويا سودانية أنعش روحك بصور المشاريع الحنينة لمنظمة الملم سواء كانت محطة إنارة عبر الطاقة الشمسية بالملم أو محطة مياه في القرى الشرقية لريفي الملم أو شراكة مع كلية الهندسة جامعة نيالا في سحن الرماد البركاني لتصبح موادا بناء حجرية نحو ابنية أكثر متانة (وأنا كنت أيضا أقول: سجم جامعاتنا الوطنية! لكن قليل من السياحة في اليوتيوب وفيديوهات الخبراء والعلماء في دول العالم الثالث تؤكد كلها شيء واحد، ان لا تهاون أبدا في الحكمة المحلية وحلول المجتمع المحلي) كل هذا عبر صفحة لقمان أحمد مؤسس المنظمة وابن المنطقة صور باهية مصحوبة بحكاوي من الطفولة أو سير من المنطقة في غاية الرقة تأسرك من فورها. تابعوا صفحة لقمان أحمد على الفيسبوك
Lukman Ahmed




الصور منقولة من صفحة لقمان آحمد على الفيسبوك

هل أرسم صورة وردية لواقع قاتم؟ هي وردية بلون لحمنا الحي مشدودة بالعصب الحي والشرايين الحية حتى لا نقع أسر الصورة القاتمة الباعثة لليأس. وقد قلتها من قبل إن الغضب والقتامة هي تكتيكات قصيرة النفس، لا بد من تدعيمها (لا الغائها) بصور الدارفوري والنوباوي النهم للحياة ، الفاعل، القائم ليس فقط الضحية، ليس فقط المغلوب على أمره. او دعنا نستخدم مصطلح الأكاديمي اليوغندي والذي كتب كثيرا في الشأن السوداني: صورة الناجي.
بالنسبة للحملة الإعلامية لدعم منظمة الملم، وأنا أتابع حملات تجميع التبرعات المختلفة في دول العالم السابق، هناك منحيين: 1- تسهيل وتبسيط عملية الدعم لأقصى حد (لأنه الحياة العصرية معقدة بما يكفي) 2- وضع هذا الدعم في إطار تمكيني تحفيزي للمتبرع- ليس المتبرع اليه وحده المستفيد بل إن المتبرع ذاته يتبرع لأجل تعزيز انسانيته ولظنه أنه يمهد عالما أفضل لخلفه وذريته. لذا هناك تخلص من جو القتامة في التبرع والتركيز على جو احتفائي فيها (النموذج الذي يأتي في بالي هي حملات السرطان هناك حفل شاي لجمع تبرعات لسرطان الثدي كل أكتوبر ، حيث يمكن لأي واحد ان ينظم حفل شاي في المدرسة في الحديقة وسط الجيران او في مكان العمل ويتبرع الناس وهم يحتسون الشاي ويلتهمون الكيك بما يجودون به في صندوق توفره لهم منظمة السرطان. وهناك أيضا حفل شواء رجالي في نوفمبر على ذات المنوال يمكن لأي أحد ان ينظم حفل شواء وبعضهم يحضر طبيبا يحاضرهم في العادات الصحية الواقية ويتبرعون في صندوق توفره أيضا المنظمة)
كنت افكر في تجمعاتنا السودانية الكثيرة (في الغربة وفي ارض الوطن) وصندوق عليه شعار الملم يشارك صغارنا وكبارنا في جمع المال فيه، في لمات رمضان في العيد في البرامج والأفراح والأتراح- شيء يقول بلادنا في البال والخاطر. ثم يحدد شهر احتفالي من كل عام قل يناير او فبراير او مارس او نوفمبر ، شهر بوسع أي أحد أن يختار أي يوم فيه وينظم جلسة جبنة  مثلا مفتوحة للكل خواجات ووطنيون بمعارض تراث واغاني صاخبة حية وجمع تبرعات للملم.
طبعا هذا يتطلب فريقا يصمم موادا إعلامية مطبوعة ومسموعة ومرئية مختلفة تستعرض عمل المنظمة السابق والحالي والقادم بلغات شتى. ويتطلب نوع من الهيكلة ونوع من التعاقد مع بعض افراد المجتمع ليتطوعوا أو ليعملوا بتعاقد جزئي للقيام على جمع التبرعات وهو امر صعب في الغربة حيث تضعف علاقات الثقة بين افراد الجالية للأسف. لكن ظني أن الإصرار والصبر على الأذى والمثابرة في النهاية يمكنها ان تخلق نوعا من صلابة الثقة في عملية جمع التبرعات هذه.
وقد ذَمَّمْت الأستاذة مشاعر عبدالكريم (أي جعلت الأمر في ذمتها) أن تقدم حوارا مع الأستاذ لقمان حول المنظمة. وحبذا لو تسافر هناك وهلت ابتسامتها في الملم لتزيد المكان على اشراقه اشراقا.




1 comment: