Saturday 25 March 2017

هنري؟


هنري...
بصوت مشحون بالشجن والأنين المكتوم تفتح الصبية باب الأغنية، على وجهها حزن الدنيا كله. هنري... تناديه مرة أخرى، ويبدو وأن كل ضربة وتر على الجيتار تنادي اسمه، عتاب، لوم، أسى، يأس.
"هنري؟ هل بيجي الصباح يلقاك صاحي؟
هل بتنكسر مع أول خيط للضو؟ "
بالمصادفة وجدت نفسي أتابع برنامجا تلفريونيا يحكي قصة هذه الصبية الشقراء، اسمها له حظ من طالعها: اسمها "بحر النغم"  بالآنقليزية اسمها ميلودي بول.
مدللة والديها الصغيرة، ابدت موهبة موسيقية ملحوظة، من مدينة صغيرة في ريف استراليا (لا يسمون الريف ريفا بسبب الطبيعة الصحراوية للمنطقة بل يقولون الأحراش) ، تحترف الغناء الشعبي، فولك ميوزيك. وهو نوع من الغناء يتميز بالحميمية والقرب، لأنه يعتمد طابع الحكي والقص في الغالب.
في البرنامج كانت الأم تحكي عن فترة بالغة السعادة في حياة ميلودي وذلك حين التفت شابا وسيما موهوبا متمردا اسمه هاري. تقول والدتها لكاميرا التلفريون، لم أخبر ابنتي بمثل هذه السعادة منذ كانت طفلة، كانت ممتلئة بالفرح والضحك.فهاري كان ولدا  لطيفا مرحا.
التفتت الكاميرا لوالد ميلودي الذي قال باختصار وحزم: لم يعجبني هذا الفتى الذي كان ينوم مع ابنتي البتة!
ثم تلتفت الكاميرا نحو هاري الذي كان مشاركا برضو في البرنامج (والله الخواجات ديل عجيبين) فقال: يا الهي! أذكر يوم واعدتها في الحديقة، كنت أود أن أخبرها أني لم أعد أحبها بهذا الشكل، واني أود أن أنهي العلاقة، لكنها كانت سعيدة ومشرقة وغافلة عن احساسي لدرجة أن خانتني شجاعتي في مواجهتها فلم أقل شيئا !
هنا تتحدث ميلودي للكاميرا: أخبرتني صديقتي أنه كان يلتفي بفتاة أخرى، في البدء لم أصدق، لكننا نسكن في مدينة صغيرة وليست هناك الكثير من الأسرار و سرعان ما اكتشفت انه كان يقضي الليلة معي ثم ينسحب الى منزلها.. وانهرت
"جميلة هذه المرأة التي تخلص لنفسها
أين جمال المرأة التي تفقد احترامها لنفسها؟
على كل كان هذا خيارك
وأنا أخترت أن أعيش دونك"
السيد نغم والد ميلودي بذات الصرامة: لم يطل الأمر حتى ترك الفتاة الأخرى ليلتحق بفتاة ثالثة في الولايات المتحدة الأمريكية، حينها أرسلت له ايميلا قلت له فيه خير لك أن تقدم للهجرة في امريكا لأنك لن تعود الى هنا.
"هنري؟
الكل كان في صفك
لكنك بعته عشان ليلة
افتكرتك عاقل
لكن خداعك الأخير
شتت كل غفراني ليك"
تتنهد السيدة نغم والدة ميلودي وتقول: كان وقتا عصيبا، لم نواجه أمرا مثل هذا من قبل، كانت تبكي بلا توقف، في النهار وفي الليل، كنت اسمع صوت بكائها صباحا تحت الدش وهي تخبط رأسها في الحائط ، نعم كان وقتا عصيبا.
"بصراحة أنا صرخت وبكيت
هديت فوقي حيطان البيت
بلومك على كل الحاصل بي"
تقول ميلودي: وفي يوم توقفت عن البكاء وأمسكت الجيتار وشرعت أكتب وأكتب حتى ولدت أغنية هنري
هنا تنتقل الكاميرا نحو سيدة حسناء هي واحدة من المنظمين لمسابقة اكتشاف المواهب الجديدة في فن الغناء الشعبي: مجتمع الغناء هو مجتمع صغير أما مجتمع الغناء الشعبي فهو أصغر، الكل كان يعرف أن ميلودي كانت تعاني قلبا مكسورا والكل كان يعرف أن هنري المقصود هو هاري.
تنتقل الكاميرا الى ميلودي بفستان أبيض ملائكي ووجه يقطعه الحزن تحمل جيتارها نحو الميكرفون، تحني رأسها وتطلق أول تنهيدة من أغنية التنهدات: هنري؟ ويتساءل الجيتار معها متنهدا
هنري؟
الكاميرا تسائل هاري هل سمعت الأغنية: لم أكن موجودا في المسابقة لكني سمعتها تغنيها بعد ذلك بفترة وجيزة تغنيها في بار، شعرت بحزن غامر، خرجت إلى الشارع وجلست قرب مقلب قمامة.
(مؤثر! إن كنتم تصدقون مثل هذا الهراء!)
" انها الشجاعة الشجاعة الشجاعة التي تنقصك"
يقول أحد النقاد الموسيقيين: لقد لففت العالم مشاهدا عروضا ملحمية لنجوم الموسيقى، دائما ما أبحث عن تلك اللحظة السحرية التي تخطف الأنفاس على المسرح، لحظة يتجلى فيها النجم، أو لحظة تواصل فريدة بينه وبين جمهوره. أستطيع أن أعد ثلاث مرات شهدت فيها هذه اللحظة. الرابعة كانت حين غنت ميلودي هنري على مسرح المسابقة، كنا جميعنا نحبس أنفاسنا مأخوذين بهذه الصبية

يقول ناقد اخر: ميلودي حالة فريدة لموهبة ناشئة، عادة يحتاج المغني لدربة ودراية كي ينقي صوته من الزخرف والبهرج فيصقله صوتا أصيلا، لكن ميلودي ولدت بهذا الصوت الأصيل الحميم القريب للمرء




تقول ميلودي: لم يكن حزني على هاري حزنا طبيعيا، بسبب خيانته أحسست أني فقدت السيطرة على حياتي، لكن الأمر كان له بعدا اخر، كنت أغرق في بحر من الحزن. اقترحت امي ان اذهب الى طبيب مدينتنا، ولم يكن له خبرة في هذا الأمر فبعدما ما حكيت له حالي قال: انتي فقط مشكوكشة ، خللي الدلع وامرقي من حالة الحزن دي. هنا انهرت تماما، فقد وضعت كل ضعفي أمام هذا الطبيب فإذا به يلومني على حالي، سافرت إلى مدينة ميلبورن للعمل، وفي ليلة وجدتني جالسة على الأرض، أحمل فواتيرا أعجز عن دفع معظمها، فكرت حينها أن أقتل نفسي، عندها اتصلت بوالدتي.
"أنا ولدت في ضباب قمر ناحل
وخضت في صباي في الظلام و الأسى
وانسكب كل ذلك في أنوثتي
فالأن أنا حزينة على طول"
اكتشفت ميلودي أنها تعاني من الاكتئاب مما فسر غرقها في الحزن على فراق هاري والذي لم يكن سوى منفذا لهذا الحزن غريب المنبع والذي هو واحد من متلازمات الكآبة.
الأن ميلودي توقفت عن الموسيقى لفترة قصيرة وتعمل كمربية أطفال ، والدة الأطفال كانت سعيدة لوجود فتاة موهوبة ومعروفة مع أطفالها. ميلودي تقول أريد أن أتعرف على ذاتي بعيدا عن الموسيقى وكتابة الأغاني. لكني سأعود.

No comments:

Post a Comment