Tuesday 1 December 2015

هذا يغير كل شيء (٢، قصة البلونير المجنون)

معظمنا يتابع هذه الأيام مؤتمر المناخ في باريس، وأحد أبرز العناوين التي تجد طريقها في أوساط الإعلام لتسيطر على المشهد العام هو خبر: تحالف الطاقة النظيفة الذي شهد تعاون دول ثرية كأمريكا وكندا واستراليا وبليونيرات كمارك زوكربيرق وحبيب الملايين: بيل قيتس.

في فاصل مؤثر من الكتاب تحكي نعومي كلاين رحلتها القاسية لمدة سبع سنوات في محاولتها للإنجاب، ما تضمنته تلك الرحلة من أحزان على أجنة مجهضة، أدوية  وكيماويات وفحوصات اشعاعية مرهقة للجسد، رحلات خائبة إلى الأطباء، الترقب والإنتظار الذي ينتهي بانطفاء الأمل. تقارب نعومي كلاين ما حدث لها وجسدها الذي اصبح حقل تجارب للآراء الطبية الحديثة، وبين جهود البليونيرات والصفوة لإيجاد حلول للكوكب عبر عقاقير سحرية.
تنتهي رحلة نعومي بحملها وولادة ابنها "توما"، كان ذلك بعد أن جربت عيادة للعلاج الطبيعي. الطبيبة المعالجة سألت نعومي أسئلة كثيرة عن طبيعة حياتها التي تضمنت سفرا طويلا، وتنقلات، وركض وراء مواعيد تسليم، ومقابلات وضغوطات. الطبيبة اخبرتها ان جسدها يرسل إشارات واضحة تقول أنه يفتقر للطاقة والحيوية اللازمة لحضانة حياة جديدة بداخله. وهنا يكمن الفرق تقول نعومي. فعيادات التخصيب تعمل على محاربة هذه الإشارات وخداع الجسد ليحمل الجنين، بينما عيادة العلاج الطبيعي تنظر إلى جذر المشكلة.
 بعد جلسات يوقا، ورحيل نعومي إلى منزل ذويها على ساحل البحر، وتبنيها لنظام غذائي صحي وابتعادها عن المنغصات وتركيزها على نفسها. اعلن جسدها استعداده لحمل حياة جديدة فكان ابنها توما.



 في اثناء ذلك كان نعومي زارت معهد الأرض الذي يديره ويس جاكسون بكانساس، والذي بإختصار يعمل على حل مشكلة الزراعة التي عمرها ١٠ الاف سنة كما يقول، منذ أن بدأ الإنسان بتقسيم الأرض وحرثها وتطويعها لزراعة المحاصيل. معهد الأرض يعمل على دعم الأرض في مسيرة اخصابها، اذا ارادت ان تنبت مترا من القمح وبعده مترا من الفول ثم مترا من الأعشاب..دعها! للأرض حكمة في ذلك. وهذه هي المقاربة التي تضربها نعومي لسبب أساسي لتحكي عن علاقة الإنسان بالأرض وترى أنها مشكلة ثقافة في الأساس (ثقافة غربية)، ثقافة سيادة، وليست ثقافة كون الإنسان جزء من منظومة كاملة. ثم تربط ذلك بفصل كامل عن : العقار السحري لمشكلة المناخ والتي يروج لها بيل قيتس وريتشارد برانسون ومجموعة البليونيرات ومن تبعهم من المخترعين. والعقار هو في صيغة تكنلوجيا تعمل على حل مشكلة المناخ مع ضمان.. وهذا هو المهم..مع ضمان أن نستمر في طريقة حياتنا السوبر استهلاكية كما هي. نسافر بطياراتنا في كل مكان، ونأكل فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، ونستهلك ونستهلك.
بيل قيتس يرعى العديد من هذه الإختراعات التي هي من شاكلة : الات لإمتصاص الكربون من المناخ، الات لحجب حرارة الشمس. ودون أن يشعر بأي نوع من التناقض يستثمر قيتس في كل من شركة بي بي النفطية وشركة اكسون بحوالي البليون دولار. وعند مواجهته بهذا السؤال المحرج : كيف تدعي حرصك على المناخ وأنت تستثمر في احدى اكبر الملوثين لها. يرد قائلا: نحن لازلنا نعتمد على النفط، والى حين ايجاد تكنلوجيا بديلة (غير الواح الطاقة الشمسية التي يرى انها مضيعة للوقت وغير اقتصادية) يحتاج الناس ان يقودوا عربياتهم وان يتنقلوا بالطائرات ويشعلوا اللمبات. 


قبل فترة - قبل مؤتمر المناخ في باريس- تهكم بعض الصحفيين على الإنترنت من بيل قيتس كونه يؤمن بتدخل حميد وحيد للدولة في الإقتصاد، ألا وهو رعاية البحث العلمي. حيث صرح أن البحث العلمي يستحيل أن يمول عبر جهود السوق والقطاع الخاص ، ولا بد من ميزانية الدولة لتصرف عليه دون هوادة.

ثم يأتي مؤتمر المناخ، لتكون واحدة من أهم مخرجاته : صندوق تحالف الطاقة النظيفة ، والذي كما ذكرت يشمل حكومات ٢٠ دولة ومجموعة بليونيرات (ما عليكم الا تنظروا الى قائمة البليونيرات المريبة) ويعمل بشكل أساسي بدعم البحث في الطاقة النظيفة (جانب الإختراع فيه، وليس جانب السياسات) والفرق هنا مهم.
تمويل البحث العلمي كتر على البليونيرات، وكعادتهم المعتادة سيحملونه للدولة ويجنون من بعده الكاش

فبرغم موجة الفرح التي عمت بعض الشركات الصغيرة والمجموعات العلمية التي تحتاج لمثل هذا الدعم المالي والمستمر بشدة، الا أن المراقبون نوهوا لأمر هام : مثل هذه الإختراعات لا جدوى منها في ظل دولة ضعيفة الإلتزام تجاه سياسات شاملة تدعم من استخدام الطاقة النظيفة ، وتسحب دعمها من الإستثمار في الطاقة العضوية.

اوباما -الرجل الذي يتحدث كقائد مناخي كما تقول نعومي- والذي القى خطبة مؤثرة في مؤتمر المناخ، أكد على دعمه لهذه المجهودات. اوباما يقول نعم ..نعم انا معكم.. نعم للطاقة الخضراء..لكنه يحتاج أكثر أن يقول لا.. لا لأجل عقودات تنقيب نفطية جديدة، لا للإستثمار في النفط، لا للأنابيب التي تضخ النفط المستخرج من البيتومين، لا لحاجات كثيرة. 

وهنا يكمن الخوف، أنه لا يزال قادة العالم يماطلون في قضية المناخ الملحة والتي نحس بآثارها كل يوم،- كما سخرت نعومي في تويتر قبل يومين من خطاب الرئيس الصيني الذي أعلن ان المؤتمر هو البداية لمعالجة مسألة المناخ، فردت : فقط في الأمم المتحدة نسمي مرور ٢١ عاما :بداية!! (جدير بالذكر أن هذه هي دورة المؤتمر الحادية والعشرين) -قضية المناخ التي  تفاقم حدة الفقر والكوارث الطبيعية والهاربين من ديارهم إلى اطراف الأرض. والمماطلة ستتلخص في التطبيل العالي ..العالي جدا لهذا التحالف- تحالف الطاقة النظيفة، ليمنح الحكومات فرصة عدم مواجهة شركات النفط الثرية وعدم معالجة المشكلة من جذورها

والآن مع فاصل طريف...

قصة الانجليزي المجنون صاحب المنطاد

هناك فاصل مخصص لرجل الأعمال الانجليزي المشهور بتقليعاته المجنونة ريتشارد برانسون صاحب شركات فيرجن العالمية. في عام 2006 اعلن برانسون تأثره الشديد بعد لقاء جمعه بنائب الرئيس الامريكي الأسبق :ال قور، صاحب فيلم وكتاب "حقيقة غير مريحة" حول التغير المناخي . فدق برانسون صدره قائلا انه في العشرة سنوات القادمة يتعهد بصرف ٣ بليون دولار من عوائد شركاته التي تلوث البيئة (تحديدا الخطوط الجوية فيرجن- وخطوط قطارات فيرجن) لصالح التحول نحو طاقة نظيفة وظريفة والبحث عن وقود نظيف لهذه الشركات- وان واجهت هذه الشركات اي خسارات لم تمكني من تحصيل ال٣ بليون سأصرف عليها من شركاتي التانية. 


شهق العالم من هذه الهاشمية
والان ، ماذا حدث ونحن نقارب على انتهاء مهلة العشرة اعوام؟ تقول ناومي كلاين انه: العهد الذي تحول الى مجرد "نية" او "بادرة"
تم صرف ٢٠٠ مليون دولار في شبه استثمارات لمشاريع تطمح الى استخراج الطاقة من مصادر طبيعية كالأشجار او نفايات الغاز - شبه استثمار إذ انه لم يدخل كشريك مالي، انما كمروّج وكمعلن وكشريك علاقات عامة- سرعان ما صرف النظر عنها - وتهربا من "الزنقة" الإعلامية التي تابعت عرضه الكريم الاولاني، فإن برانسون تحول من البحث عن وقود نظيف الى البحث عن عن اي طاقة نظيفة، الى دعم اي حاجة عندها علاقة بالبيئة والسلام (لذا هو يقوم بتجميع اي مبادرة بيئية قام بها ليضيفها عساها تحصل ال3 بليون- بما في ذلك جزيرته الخاصة في الكاريبي والتي تعمل بالطاقة النظيفة والتي بها فندق تبلغ كلفة الليلة الواحدة فيه 60 الف دولار)

لكن دعونا مما صرفه، فلنركز فيما فعله. في اليوم الذي دق فيه صدره كان برانسون على وشك اعلان خط طيران جديد الى دبي، وقال بصراحة انه على غير استعداد ان يتراجع عنه، ولا بأس في ذلك ،فرغم انه صرح انه سيخفض من انبعاث الكربون الناتج من اعماله الاستثمارية، الا انه قام بعدها بافتتاح فيرجن اميركا للطيران، واستطاع في 2013 ان يزيد من رحلات طائراته من 40 رحلة في اليوم الى 177 رحلة في اليوم في وقت تتراجع فيه الرحلات الداخلية في امريكا، وتعود هذه الزيادة لسعر رحلاته المخفض لتصل إلى ٦٠ دولار فقط للرحلة ( الا ان هذه عادت عليه بخسائر فادحة)، رحلاته الى استراليا زادت بنسبة ٢٧ ٪، بالاضافة لإعلانه عن خط طيران داخلي في انجلترا : ليتل ريد والتي اعلن عنها بغرابته المعهودة فقط اكتب على قوقل
 Little red branson- 
باختصار نسبة انبعاث غار الكربون من خطوط طيران برانسون زادت بنسبة ٤٠٪ منذ اعلان تعهده امام كاميرات الاعلام. وزيادة نسبة الانبعاثات لا تعود فقط لزيادة الرحلات فقط، بل لأن طائراته لم تقم بالتعديلات التقنية اللازمة لتوفر في الوقود وجاء في المرتبة التاسعة بين منافسيه في امريكا ( من ناحية توفير الوقود (رغم ان طائراته احدث من طائراتهم وكان بوسعه اتخاذ تدابير للتقليل من حدة الانبعاثات) .لكن برانسون لا يزال يخبىء شيئا في جعبته، جائزة الاختراع السحري للطاقة (او تحدي الأرض) والذي رصد لها ٢٥٠ مليون دولار لمن يتوصل لاختراع يمتص غاز الكربون من الفضاء (لا يزال البحث جاريا) والبليونير القلق في هذه الأثناء أعلن عن اطلاق فرع جديد اسمه "فيرجن قلاكتيا" والذي يطمح في تنظيم رحلات فضائية إلى المريخ ،كما أعلن عن ما يمكن أن تسميه خطة اسكانية في المريخ (لا عزاء لقصي همرور والهاربين من جحيم الأرض) وذكر في خطته أن خطته السكانية ستشمل علماء فيزياء، كوميديانات، اناس ممتعون، اناس جميلون، اناس قبيحون، عينة معتبرة من كوكب الأرض للحفاظ على النسل الإنساني، لأن خطة انقاذ الأرض قد لا تنجح.









No comments:

Post a Comment