Saturday 13 September 2014

دكتورة حدوتة

اول ايميل وصلني من هذه الشابة كان موقع بأسفله : صادقوا على قرار ١٨٩ج... انا بالأول افتكرتها شغالة في واحدة من المنظمات البيدمغو جوابات العاملين لديهم بشعارها. زي ايام ما كنت شغالة مع المجلس البريطاني ، كنت اذا رسلت لواحد تقول ليهو صباح الخير تلقى مكتوب بتحت انك شغال في منظمة تعمل نحو خلق مساحة للابداع وتدعم الثقافة والمعرفة وكدا. 

ثم تكشف لي الأمر شيئا فشيئا... انو دي قضية تكرس لها حدالزين وقتها وجهدها بكل حماسة. قضية : العمال المنزليين . اتفاقية منظمة العمل الدولية C189 هو خاص بخلق ظروف عمل عادلة للعمال المنزليين. وكان مشروع دراستها للحصول على درجة الدكتوراة.

قبل فترة تساءلت حدالزين عن جدوى ما تفعله (وهذه من أعراض الدكتوراة الشائعة) . كيف يعني؟؟؟ فبفضل ايميلاتها القصيرة والمركزة المليئة بالطاقة حول قضية هامة وحيوية استطاعت ان تشق بها دربا في عقلي المصكوك (نحن ناس بتاعين دولة مدنية وتنمية مستدامة و أللل أللل أللل..) الواحد بقا يعرف يمسك قضية بعينها ويرصد تشابكاتها وظلالها على السياسة والاقتصاد والاجتماع. 

أللل هي Blah blah



لذا عندما ظهرت حملات محاربة "جشع الخادمات" بقا الواحد عندو معرفة يواجه الكلام دا بدون عاطفة وهتافية غياظة. انو المسألة مسألة تنظيم وتهيئة ظروف عمل ممكنة وانسانية (دون ان تعني الانسانية فقط :وجبات الغداء الأساسية والشاي بالبسكويت والعلاج عند الدكتور)

حدالزين نالت درجة الدكتوراة عن جامعة السودان مركز ثقافة السلام وكان عنوان رسالتها العمل اللائق لعمال المنازل-المقاييس المحلية لدولة السودان. قامت فيها باستعراض الخلفية التاريخية والمعاصرة للعمل المنزلي في السودان و دراسة تفاصيل العلاقة التعاقدية لعمل المنازل و قدمت في النهاية اقتراح مراجعة وتعديل القوانين المحلية لعمل المنازل بالأخص اتفاقية منظمة العمل الدولية ١٨٩

حدالزين قضت معظم فترة الدراسة متراوحة بين اديس ابابا والخرطوم. وكان اول ما لفت نظري اليها كتابة ممتعة لها على صفحات جريدة سيتزن تتحدث عن حفل حضرته للفنان تيدي افرو وقد نجحت اخيرا فيما فشل فيه الاخرون معي : ان اسمع تيدي افرو. كانت فترة دراستها في اثيوبيا ضمن منحة تلقتها من جامعة السلام التابعة للأمم المتحدة (برنامج افريقيا) وهي اول دارس يتلقى هذه المنحة من شمال شرق افريقيا- واول امرأة كذلك. 



في حواري مع حدالزين على الايميل سألتها عن دوافع قيامها بهذه الرسالة، اذ أن قضية العمالة المنزلية (قبل الانفجار الاخير) ليست قضية شائعة بيننا السودانيين في مجال دراسات السلام وحقوق الانسان. فحكت لي عن علاقة وطيدة  وشخصية ربطت بينها وبين قضية العمالة المنزلية:

"من احنا اطفال كانت بتربطني أنا واختي علاقة وطيدة ببناتنا الشغالات، زي ألمظ الكانت بتنومنا جمبها وتلولينا بلغة غريبة عننا، او منى الكانت بتمشي المدرسة بالليل وهسي بقت ممرضة ، فاطمة اللطيفة التي الخلت الشغل ومشت تحارب في اريتريا، التومة الشفتة اللهلوبة ،وحتيتة الشايلة بيتنا وبيتا .. لكن الفتح عيوني اني مشيت هولندا للدراسة واضطريت أشتغل زي البنيات ديل وعرفت قيمة عملهن واختلاف تقييم الناس ليهم" 




ومن الدكتوراة - التي قدمت سلسلة من الاقتراحات لتنظيم العلاقة العمالية (والذي يؤكد على ضرورته الجميع :مكاتب العمل ووزارة القوى العاملة ومجتمع مدني ومشرعين ومشغلين ومشغَّلين) ، ستعمل حدالزين على تقديم مسودة للمجلس الوطني والمجلس التشريعي لولاية الخرطوم باقتراح تعديل القوانين المحلية على ضوء الإتفاقية العالمية. -وهو من انماط المناصرة المحببة الى قلبي والتي بح صوت الواحد في الكلام عنها برغم الاعتراض الكسول الذي يجده الواحد انو "دا حيفيد بشنو؟ الحكومة ما حتسوي اي حاجة" - فالكلام عن نشر الوعي لا يظن المرء انه مجرد مجموعة مقالات في الصحف او مقابلات تلفزيونية او مخاطبات جماهيرية فهو فوق هذا تنظيم حملات دؤوبة تعمل على تغيير الواقع الحالي عبر مخاطبة القوانين الحالية والتفاف الناس حول مشروع اصلاحي بديل.

بالمناسبة مشكلة حقوق العمال المنزليين دي في كل العالم ما نتحسس ساي..لكن الوعي بيها ماشي في كل العالم 


على جانب اخر تعمل على توفير مادة لعمل المناصرة وزيادة الوعي حول العمالة المنزلية. ولما سألتها عن خططها المستقبلية تحدثت عن حلمها بانشاء  مركز بحوث معني بالدراسات العمالية والمناصرة والتدريب للوظائف غير الرسمية -كعمال المنازل- يا صلاة النبي أحسن. ولكل من يعرفني ففكرة مركز كهذا تهبش حتة جوة من قلبي. (يعني جملة فيها كلمات زي: عمالية ومناصرة وغير رسمية-مبالغة!)
mmmhmm...count me in
عندما سألتها عن رأيها في الحملات التي تستهدف "جشع" العمال الأجانب ، كان ردها ما هو متوقع منها مما يثلج الصدر انه
"يا عزيزتي كيف يمكننا ان نصنف هذا او ذاك بأنه طماع ونحن نعيش في غابة من الفوضى وغياب التنظيم والتي تتيح لكل من له سلطة أن يفرض شروطه أو ان يدمغ اخر بالطمع في غياب تام للقوانين وللتنظيم وللرقابة"

 مش كدا؟ فالحملة التي تتطايرت فيها الأصابع كل طرف يتهم فيها الآخر ، والتي لن تحل مشكلة بل ستفاقمها- تحتاج ان نلتف جميعا حول تنظيم علاقة العمل لتخرج من دائرة : سيد وخادم الى موظف وموظفة يجمع بينهما تعاقد عمل يلبي احتياجات الطرفين ولا يعتمد فقط على "حسن النية" و "طيبة القلب" التي يمكن للمرء ان يخرج من طوريهما. او كما قالت حدالزين:

" بدل ما نستسلم للفوضى وننتظر التغيير يجينا ، أحسن نغير ما بأنفسنا أول نفهم يعني شنو عمل لائق ونعرف القوانين المختصة البتكفل حقوقنا وحقوق غيرنا ونبدأ نطبقها جوة بيوتنا"


وأخيرا سألتها عن الشعار اللطيف الذي اصبح واجهة لإيميلاتها والذي قام بتنفيذه اخوها الشاب النبيه "احمد" فقالت :

"اللوقو بيرمز لعامل المنزل المتعدد الوظايف (سبع صنايع...) ففي أثناء ما هو بيعمل في اشغالو دي بهمة واهتمام بالو دايما سرحان بعالم عمل لائق يكون فيه هو وشغله مقدرين ومحترمين.. عالم فيهو عدالة ومساواة في الحقوق وفي الفرص- بما فيها التعليم"


دا طرف من حواري مع دكتورة حدوتة ...الف مبروك لينا وليكي  يا دوك

1 comment:

  1. "فالكلام عن نشر الوعي لا يظن المرء انه مجرد مجموعة مقالات في الصحف او مقابلات تلفزيونية او مخاطبات جماهيرية فهو فوق هذا تنظيم حملات دؤوبة تعمل على تغيير الواقع الحالي عبر مخاطبة القوانين الحالية والتفاف الناس حول مشروع اصلاحي بديل."
    كلام تمام ولا أزيد!

    ReplyDelete