Sunday 10 February 2013

سيندروم المنقذ (حمانا الله)

                                       
لم تكن حادثة فريدة من نوعها حين أطل علينا أحد كتاب الأعمدة المرموقين ساخطا ، صابا لعناته، رافعا راية التسليم، معلنا أن هذا فراق بينه وبين القلم إذا كان ذا القلم لا يحرك فينا ساكنا. يفتح دفاتر الفساد ويدق أكثر من ناقوس للخطر والفوضى... ونحن..كما نحن. لم تكن حادثة فريدة من نوعها، إذ أنها تكررت في أكثر من عمود صحفي، وفي أكثر من استيتوس لناشط أثيري، وفي أكثر من تنهيدة حسرة لسياسي مرموق أو غير مرموق...ولا يحق في هذا الحال إلا قول واحد :       خد لك سنكرز
والحق أقول..مثل هذه الحالات تنتابني أنا شخصيا، غير أنها –والحمدلله- لا تتجاوز موجات قصيرة من الأكتئاب ..قصيرة جد..بالكاد تستمر لساعة زمان، سرعان ما أفيق منها : يا ميسون قولي بسم الله...مالك ومال الناس؟ ، غير أن هذه حالة طبيعية تنتاب كل من سولت نفسه أن ينخرط في الشأن العام، حين يظن أنه يخدم غيره (هه!)... عن نفسي، أنا انزلقت إلى مسارب العمل العام  من أجل بنت أم روحي...أي من أجلي، لإصلاح حالي المائل شخصيا، فإن خرجت دائرة الإصلاح الشخصية لتمس غيري فما ذلك إلى محض صدفة ..أو كما يقول المتصوفة فهي غواية وفتنة.
والشعب - تلك الكتلة اللحمية الصماء- كما خبرته، إن استدبر لسياط الذل والهوان وإن استلذ تزوير أقواله وأحلامه، فهو لا يكره قدر ما يكره وخزات المنّ التي تطل علينا بين فينة وأخرى.
ولعل هذا ما "قد" يطيل نفسي في العمل العام، حين أستيقن أنه ليس عاما على الإطلاق... بل هو شخصي وذاتي، وهو كذلك... فالكتابة والموقف السياسي وإعلان السخط على الدولة والسلطة هي أشياء أحب ان تكون في وعلي، مثلها كمثل اختياري لملفات الموسيقى أو مزاجي في القراءة أو استطعامي لبعض الحلي، كلها personal enhancers محسنات شخصية، هي من ذات طينة الأشياء التي تجعل وجودي في الحياة ممكنا ومحتملا. أفعلها لأني إذا لم أفعلها "استبيض" نفسي جدا!
ليس ما أقوله "خفة"...إذ ما من "خفة" حقة كتلك التي تنتاب ذلك الذي يظن أنه يرتدي بزة المنقذ تحت ردائه، فسرعان ما ينشغل عن "حملة الإنقاذ" ليصب لعناته على "الضحايا".
قم بما تفعل لأنك "تريد" أن تقوم بما تفعل، ولأن لا حياة لك إن لم تفعل ما تفعل...ولا تنتظر.
 "اعطف" لأن العطف يجملك...كوصية سيدنا النبي لذلك الراجل الشكا من قسوة قلبو فأوصاه النبي أن يمسح على رأس اليتيم ،يعجبني ذلك..مكسب شخصي!
أنا لا أريد أن افرض مزاج عمل على الناشطين في العمل الخيري أو الحقوقي...بل العكس ، أريد أن أشير إلى باب الخروج..أن ارفع رتاج الحرية (يا محلاها الحرية)... للأستاذ محمود محمد طه مقولة جميلة جدا ..يقول : الحر هو الذي يقول كما يفكر، ويفعل كما يقول، ثم لا يكون عاقبة عمله إلا خيرا على الناس.... ايييه يا استاذ..وينك ووين أيامك. إذ أنه يحز في صدري "الفنان" الذي يثقل عليه إنشغال ريشته عن الشأن العام ل"يهرينا" بفن رسالي رديء، وتثقل علي أزمة الفنانة التي ترى أن ترفع صوتها بأناشيد الحماسة الفوارة (الغنا الكعب أصلو كعب..ولو تدثر بالصواب)، والغنا السمح سمح...ولو كان سادة ، وأظن ذاك الذي يحركنا في أغاني منير ومصطفى...ليس "الصواب" والعياذ بالله .
 ومن باب حب لأخيك ما تحب لنفسك ، إني ارى عبارة "الاحساس بالواجب" ثقيلة ومضنية، ما لم تربطها وللأبد بنفسك...أحسن إلى نفسك ...ودع الخلق لسيد الخلق.
هل أربي في نفسي أنانية مفرطة؟ ...مهما يكن ...فهي أخير من "المن والأذى"..ولكنه يقيني بأن احسانك إلى نفسك كما يقول الأستاذ، بشكل أو بآخر سيعود بالخير على غيرك (على أقل تقدير..فإنه سيكف اذاك عن الناس..دي براها ما هينة)
نجي لقادتنا السياسيين..  بداية انخراطنا في "النشاط الحزبي"  الواحد بيدخل بيقين أنو في كبسولة الصواب..مش؟ كلنا رأى ذلك أول دخوله في تنظيم سياسي، أنه يسير خلف قيادة رشيدة....ثم الأمر لا ياخذ له يومين يزيدوا أو يقصروا- بحسب فطنتك، لكتشف التاريخ الأسود للتنظيم..ولم يقلقني ذلك الأمر كثيرا، تخيلوا؟ لم يفزعني أن أكتشف أني كنت أسير خلف منقذ لأكتشف أنه يهوذا، طالما هو يدرك ما الذي يفعله...لكن الهلع الأكبر حين خطر لي خاطر...لعل القيادة ليس لديها أدنى فكرة ما الذي تفعله، لعلها تنبل في الهواء خبط عشواء آملة أن تصيب أحد السهام مرمى أو هدفا. كان ذلك بحق الهلع الأكبر...طيب إذا القيادة ما عندها فكرة...العندو فكرة منو؟ أنا؟؟ كان ذلك هلعا مدبلا (دبل يعني).
والحقيقة أننا نحمل قادتنا السياسيون فوق طاقة تقديرهم لأنفسهم، هم ليس لديهم أدنى فكرة ما الذي عليهم ان يفعلونه...دعوني أختها ليكم على بلاطة... ما في وسعهم سوى أن يجلسوا كقيادات، وأن يقفوا كقيادات، وأن يتحدثوا كقيادات وأن يلبسوا زي القيادات...الباقي علينا أن نتحمله وحدنا، أذكر في واحدة من مغامراتنا السياسية، كان علينا ترشيح قيادة عمل ...ولم نرشح القوي الأمين ولا حاجة...رأينا أن نصعد للقيادة من يبدو أكثر هيبة بالجلابية والعمة، ومن تبدو خطة عملنا السياسي أجمل "بنبرة" صوته.
 أنا لن أقول :فلينزل قادتنا السياسيون من صهوة خيلهم العالية وليستمعوا إلى صوت الجماهير...أقول للجماهير: هو في حصين غيرنا؟ نزلوا القيادات عن ظهوركم وهلة، املوا عليهم رغائبكم، ثم ارفعوهم من جديد على ظهوركم، لأن رغباتكم تبدو أجمل بحس الزعيم...الزعيم ليس سوى "حس" جميل لرغائب الغوغاء. دعوني أكمل قصة "قيادينا الجميل"، أنه بعد أن عمعمناه وألبسناه ..دخل في الدور...وانقلب علينا وصار يملي علينا ما "ينبغي" أن نريده..وكانت الكوميديا أن بعضنا استحسنه بالجلباب والعمة وصدق زعامته بالفعل...نهايتو، فرضنا عليه سياسة العزل، فكان يأمر ولا يأتمر له أحد، وينادي لإجتماعات لا يحضرها أحد، حتى رضخ أخيرا وكانت علامة رضوخه أن جاء للإجتماع بالشبشب والبنطلون.
وذاك هو العنصر المفقود في كل دراسات التحليل والتقييم حول أسباب فشل تجربة "التجمع الوطني الديمقراطي" أننا لو توخينا الأمانة والذمة، فالعلة الأساسية للأمر هو ظن "القيادات" أن بوسعهم استباق صوت الجماهير. والتجربة يتكرر فشلها مع متاهة "التحالفات" التي دخلتها التنظيمات السياسية منذ عودتها للبلاد، تحالف الأمة الاتحادي الشعبي، بعده كان في تحالف الاتحادي والشيوعي ثم الأمة، بعده كان تحالف الامة الاتحادي الشعبي الشيوعي، بعده كان تحالف القوى الديمقراطية الصغيرة..ثم كان ذات التحالف مضافا إليه الأمة، ثم كان دخول الحركة الشعبية في المتاهة..وأصبح التحالف شيوعي اتحادي حركة وقوى حديثة، ثم انضم إليهم الأمة، ثم الشعبي من بعد، ثم تحالف جوبا، ثم قوى الإجماع، وكاودا والفجر الجديد...سنخرج من تحالف لندخل في تحالف. والسبب: استباق صوت الجماهير. ثم نحن مع العلمانية..لا بل العلمانية المرشدة..لا بل دولة مدنية ترضي طموحات المؤمنين، نحن مع المقاومة السلمية، لا بل نحن نتعاطف مع القوى المسلحة، لا بل نحن نرى ضرورة الحوار مع القوى المسلحة...لا بل القوى المسلحة لا يمكن تجاوزها، فنحن قوى مدنية تنسق مع القوى المسلحة..ولن تنتهي الدوامة...نحن مع الخروج إلى الشارع لإسقاط النظام، لا بل نحن نرى النظام حقيقة لا يمكن تجاهلها...نحن سنصل إلى اتفاق أدنى مع الحكومة وأخيرا ..مظلة الهبوط الآمن.
بعض التنظيمات السياسية ومطبليها يخفون هذا الفشل تحت دثار "الحراك"..دا لا حراك لا يحزنون..دا خبط عشواء..ونبل الأماني السياسية (يعني الواحد يخت أمانيهو في نبلة ويفنها ومحل ما تقع تقع). وطبيعي أن يحدث ذلك لأنو في الحقيقة القيادة السياسية ليست سوى بوق لطيف ومنظم لرغائبنا نحن..غير ذلك..ولا حاجة!
مهام القيادة السياسية هو أمرين، أولهما: أن تجلس كل صباح بعد أن تشرب القهوة و تعدل الراس، ثم تمد اذانها في البلاد، ستسمع لغطا كثيرا : بعضه شكوى، بعضه حيرة، بعضه تساؤل، بعضه أماني، بعضها سرحان في ملكوت الله، ثم تقوم بتصفيف كل هذا اللغط في شكل لحن لطيف ومفهوم ومسموع ثم تتدوزن أذرعها التنظيمية و..تعزف.
الثاني هو أن  القادة عبارة عن استثمارنا الشخصي، فإننا إذ صدرناهم لذلك الموقع اتحنا لهم ما لم تتح لنا من موارد معرفية ومالية ومعلوماتية، فما قصرنا عن طلبه، لإنشغالنا بالماثل أمامنا، كانت مهمتهم أن يضعوه لنا في سياق نستطيع استيعابه، فنستوعبه...وبعد أن نستوعبه نثير حوله لغطنا المعتاد من أماني وشكاوي فيعيدوا صياغته من جديد بحسهم ونفسهم في هذه الدنيا.
أنا عارفة أن ذلك يحز في نفس القيادات السياسية، لأنهم يظنون أنهم بيعرفوا أحسن مننا... جايز الكلام دا صاح، لكنو ما مناسب لعقد العمل عندنا.
تخيل لو أن حزب الأمة أعلن عن نقل قيادته الرئيسية إلى نيالا لمدة عام (قول ستة شهور على أقل تقدير). ما يعمل أي شي بس يمشي هناك، ويترجم صوت غرب السودان!  فما تستطيعه أزاء نيالا من الخرطوم...تستطيعه إزاء الخرطوم من نيالا..والبركة في وسائط الإتصال الحديث. تخيلوا كيف أن نيالا ستتصدر موقع الأخبار والتغطية بعد أن ينتقل "الثقل" السياسي إلى هناك..شكل التداول اليومي السياسي سيختلف من نشاط يومي هامشي إلى محوري مؤثر..ليس لحزب الأمة فحسب، بل سيجبر التنظيمات الأخرى هناك ان ترفع مستوى تمثيلها من قيادات هامشية، إلى قيادات فاعلة ومؤثرة. مجرد وجود حزب الأمة القيادة الرئيسية في نيالا، سيجبر القبضة الأمنية أن تعيد النظر قبل البطش. سترخي قبضة الإعلام الحكومي المسيطر على الأخبار الواردة من هناك حيث ستتوجه الأسماع حينئذ إلى حزب الأمة كمصدر صلد للأخبار . ثم إن في رمزية هذا التوجه ما يثلج الوجدان السوداني....تلك الرمزية التي تقول نيالا زي الخرطوم.... لكن ذلك لن يحدث.
تخيل لو أن الحزب الشيوعي..وهو الحزب الوحيد الذي أعرف أن لديه "أدبيات" يقول ليك "أدبيات الحزب الشيوعي"..ونريد أن نستفيد من هذه الأدبيات. في أن يحيي من جديد ثقافة وأدب العمل النقابي، لو أن الحزب انشغل عن مماحكات قوى الإجماع جاية..قوى الإجماع ماشة..قوى الإجماع مسافرة...قوى الإجماع جات من السفر، بالتجمعات التي هي الان اللبنة الأولى للنقابات البديلة (ذلك الخطر الماثل الذي لوح به غندور قبل كم يوم كدا) ، لو زوده بالأدبيات اللازمة، لو بث فيه روح الحياة (لا أقصد فقط بالتنظيم السري)... أعني بجعله لغة دارجة ويومية في سياق نستطيعه نحن الشعب. حبذا لو صاغ لنا الحزب الشيوعي ما يحدث للمناصير بشكل يمسنا جميعا، تخيل لو أن الحزب الشيوعي لم يكن له شغل شاغل سوى المناصير، وتحليل ما يحدث هناك وإعادة تحليله، وإقامة الليالي السياسي خصيصا للمناصير، ونرى في الأخبار رئيس الحزب الشيوعي في زيارة تفقدية للمناصير (إن شاء الله يشرب معاهم شاي ويرجع)، كان نفسي ومنى عيني أن يكون الحزب الشيوعي هو الصوت الصادح والمنفلت إزاء العمالة الأجنبية غير المقننة في السودان..يعني كونها ما مقننة دا ما معناتو ما عندها حقوق... يا ريت لو كان الحزب الشيوعي زي ما وخز ضميرنا بغناهو للفئات المهمشة، لو أنه وخز ضميرنا إزاء هضم حقوق العاملات بالمنازل (لا إجازات، ومقاولون يمنعون عنهم الماء والهواء ويقبضون عنهم المال أول بأول) ..يا ريت.
(أعلاهو ديل مثال لشكل التعاقد المفترض بيننا وبين قياداتنا السياسية)
خلاصته... نحن لا نريد قيادات سياسية تلبس لباس خادم الشعب ومن تحت منها بزة سوبرمان...لا يخوانا..الله يرضى عليكم، نحن ما صدرناكم إلى القيادة إلا لأنكم شكلكم أظرف في هدوم القيادة... ألبسوا لبسة سوبرمان من برة مثلوا دور المنقذ، من جوة خلوكم في مكانكم الطبيعي (الخادم- المترجم لرغائب الغوغاء)
ثم على جنب كدا...في حركة بيض...حقيقة بيض من شباب التنظيمات السياسية، لاحظتها أيام التظاهرات الشعبية في يونيو...عندما عاب بعض الناس على تنظيم بعينه عدم تحركه إلى الشارع وعدم انضمامه إلى الشباب، فكان رد التنظيميون بعد أن أعياهم الدفاع عن فعل تنظيمهم، والله دا قرار حزبنا السياسي والما عجبو يمشي حتة تانية...لا يخوانا صلوا على النبي... إنت ما حزب "علينا" إنت حزب "لينا"، كوني لست منظمة في تنظيم لا يمنعني من حق أن أملي عليه ما يفعل وما لا يفعل (أهااا من هسي بدينا في حركات الكوزنة؟)...بل أن لي حق في أن أقول أين يذهب وأين ما يذهب، ويجيب قروشو من وين، ويصرفها في شنو...من حقي ، طالما إنت ما مرقت للعمل التنظيمي إلا عشان تكون صوتي..إني أقول ليك والله صرفك على بند الإدارة الداخلية للتنظيم زيادة عن اللزوم، زيد الصرف بالله على العمل الإعلامي.
وقبل فترة خرج شباب منشقون بشكوى عن احد التنظيمات، فكان رد أحد قياداته، إنو كان الكلام دا يتلم جوة البيت...الله؟ كيف يعني... من حقنا نعرف ونقول رأي..ونقول يا حزب ما ترفد فلان...الشعب يريد فلان ما يترفد..ولا على كيفك...مش الحزب دا شغال عند الشعب ولا أنا داخلة غلط.
فكذا الحال في بلدان العالم الأول...الحزب دا يرجف من فوق لتحت وهو يقدم بيان عن "عمله التنظيمي"، ويقدم كل ايات التزلف والرجاء للشعب وهو يطلب منه أن يقبل بفلان كقيادة تنظيمية له.
والله حركة الحزب حزبنا وانحنا على كيفنا دي حاجة عجيبة...وحقو تقيف بالله

No comments:

Post a Comment