Monday 5 November 2012

مامون التبيعة 2 :للكاتب عماد عبدالله

 
 


مامون التبيعة
"في سيرة الظل من العويش إلى اللبلاب"
 2
عماد عبدالله
 
 عشا الميتين:





(الحارة ما مرقت ,ست الدوكة ما ظرطت (..

غناها مامون – قالوا – مع شفع الحلة منتقلين من دارٍ لدار و على طول الحي من أول النهار لرابعته. يتقدمهم مامون - أعتاهم و الأطول - و يرفع عقيرته كواريكاً حين تصل الأهزوجة إلى حيث : قالت طوط .. فيصر مامون عليها , و يتلكأ عندها و يعيد ليكرر .

يومها كان يوماً للرحمتات , و الصيف لافح حتى انك لتبصر "الرهاب " على فقط مبعدة ثلاث بيوتٍ منك . جاء الشفع " كورجة " إلى باب الزنك اللبني الكبير لبيت " جاد الله الحلاق " . و الشفع :أمة أفرزتها البيوت كلما تقدمت الشمس لمنتصف سمواتها , فتخرج البيوت مخاليقها الساكنيها ثقلاً وراءه ثقل : شفع و أغنام و جداد و كلاب و كدايس . فتحشد لهم الشجرات النيمات الثلاث ظلها المشتبك مسدلاً , و تحته تفور حياة الحي : نسوة ينضفن الخدار لأخريات يغسلن الملابس , لستات الفول و التسالي , للماشطات و الممشوطات , لعبد الكريم سيد القش و عوض الله بتاع الداندرمه . تظل الشجرات يعبأها الحي ما اشتد صيف الصيف و زنخت البيوت و احترّت , حتى التأم الشفع هناك قوماً بلا عدٍ .

قرع الشفع و قرعوا على ما يحملون من جوالين و آنية حديدية قديمة ,و رددوا طويلاً : الحارة ما مرقت ست الدوكة ما ظرطت , و لا حياة لمن تنادي !!!زمانٌ مرّ و هم لا يبرحون باب الدار و يهزجون قارعين على ما يحملون في إصرار . خرج لهم جاد الله أخيراً و في إثره حجة بخيتة زوجته : (فرتقوا يا هووووي .. بلا ست الدوكة بلا بتاع .. يللااااا ). و كان جاد الله حلاقاً شهيرا , يجتمع عنده الحي بأكمله مساءا .. تترى الحكايات عند باب دكانته و يعلو صوت الرجال بالونسة و القهقهات ,فيفتون في السياسة و الكورة و التعليم و الأندية و الإندايات و و و و .. ثم ما يتبقى منهم حين الليل يفلل غير ثلاثتهم : جاد الله و صلاح حريقة و كمال حسبو . فيخرجون الجركانة الشهيرة و يعاقرون الليل غناءٍ و أنسا .

مامون وحده كان من وقف في وجه جاد الله مصراً على الغناء عالياً و التركيز على تلك ( الطوط ) في ذلك المقطع العجيب , يلقيها على وجه جاد الله من مقربة!! غضب جاد الله فأخذ من مامون غطاء الحلة الذي كان يحمل , و " لفخه "به على وجهه . قالوا أن ماموناً بكى و بكى و مرغ معصمه و كم العراقي الدبلان بسوائل وجهه .. و هتف في وجه جاد الله الحلاق و هو يبكي : (أدونا الفتة .. تطقني في راسي ليه ياخ ؟ أدونا الفتة )- ثم مكوركاً عالياً - (يا جعانييييين , ما بنمشي .. و الله الليلة ما نمشي . خالتي بخيتة دي زاتا فتتها كعبة) . ثم و فيما يشبه حصوله على كنز الكلام : (أمي قالت خالتي " بخيتة " في بيت الطهور حق ناس عبدالله قرني .. قالت خالتي بخيتة قالت طوط خلت النسوان يمرقن جري , بسسس (!!

قالوا أن جاد الله سمع ذلك , و أيضاً سمعت به أمة محمد القائمة تحت الشجرات النيمات , و سمع به العابرون للسوق .. كما سمع به الباعة المتلصصون بالنهار تربصا . قالوا فأقسم جاد الله على قتل مامون يومها , و على أثره انطلق أما مامون فللريح أطلق ساقيه , و اعتفرت الحلة في وسطها الترابي الفسيح جراء المطاردة تلك , لولا ان حالةً من " بيتانٍ " و ساقٌ التفّ بساقٍ , لحالة غثيان حلت بجاد الله منعته من اتصال الجري خلف مامون التبيعة , فقنع من الغنيمة بالإياب .

ظلت بخيتة منغلقة على بيتها , و لشهور من بعد عشا الميتين الشهير ذاك ما رأتها العالمين , من بعد أن طارت شهرتها بين الناس : ( بخيتة أم طوط ) ..قالوا فأغلق جاد الله الدكانة سحارة الحي , و هجر أصيحابه و هجرته الشهرة التي كانت قد انتقلت إلى حرمه إثر الحادثة تلك . و ما افتقده الناس .. إلا من كمال حسبو الذي بقي يروده على استحياءٍ و بين فتراتٍ متقطعاتٍ طويلة . يجيئه بلا غناء و لا ونسة تقتل صمت الليل بالقهقهات .

بقيت بخيتة ام طوط على سيرةً الألسن و جاد الله راجل بخيته ام طوط عاريٍ من شهرةٍ إلا ذاك الإسم المهين ذو التبعية , قيل حتى قيض الله لهم رحولاً من حلةٍ فيها مامون التبيعة .. فرحلوا .


2 comments:

  1. الله يجازيك يا بت عمي.. دحين أنا هسي خليت شغلي وقعد اقرأ في الفيلم ده... كده كويس يعني؟

    ReplyDelete
  2. غايتو الحمد لله اللي قيضها لي في وقت كويس
    في برد المطارات و الإنتظار
    كانت أروع هدية
    سلمت يا ميسون

    ReplyDelete