Wednesday 23 December 2015

بزغة منو

برنامج نسخة طبق الأصل..او فولة وانقسمت نصين.. او التسمية الأدق: بزغة منه. برنامج دُمى سياسي اجتماعي ساخر ظهر في بدايات الثمانينات واستمر في التسعينات، يتمسخر على ابرز الشخصيات السياسية البريطانية والعائلة المالكة وبعض الأحداث العالمية والنجوم. وكانت حكومة مارجريت تاتشر قد نالت النصيب الأكبر من السخرية فيه. ومعروف ان تاتشر كان تبغض البرنامج بغضا شديدا والذي كان يظهرها في شكل المتنمرة المسيطرة على حزبها. اما بقية السياسيين فانقسمت اراؤهم ما بين مبغض لهذه السخرية اللاذعة، وما بين متحمس لها ، فكما ذكر وثائقي حول هذا الموضوع: اذا لم تُصنع لك دمية في البرنامج فهذا يعني انك لست ذو معنى في عالم السياسة. هذا المقتطف الذي ترجمته، الذي يرسم صورة للطريقة التي كانت تدير بها مارجريت تاتشر مجلس وزرائها وكأنها استاذة في فصل والوزراء مجرد تلاميذ. (اعتذر عن كمية التسميات الخاطئة للمناصب السياسية بالاضافة للتحولات الكثيرة التي كانت داخل المجلس فتتلخبط بعض المناصب. ارجو ناس انجلترا يناولوني كل ما يلاحظوا حاجة بالتصحيح، حاولت الاستعانة بويكبيديا وقوقل قدر الامكان)  الفيديو بالإنجليزية ادناه




مارجريت تاتشر (رئيسة الوزراء) : اذا نحن مجمعون على الحد من صرف المحليات؟ هل في زول غير مجمع؟

نورمان فاولر (وزير الصحة) يتحدث بصوت متردد خافت:  اممممم... نحن.. في ناس مننا...شنو نقيض كلمة مجمعون؟ (يونانيموس)

 تاتشر: وريه يا ليون

ليون بريتان (وزير الداخلية) : انيمس (= عدواني)

 تاتشر تخبطه بالمسطرة على رأسه: خطأ! نقيض كلمة مجمعون هو مطرود!

جيفري هاو (وزير الخارجية وشئون الكومنويلث): فضلك! (يناولها تفاحة)

تاتشر : شكرا  (تشمها) جيفري؟؟؟!! دي تفاحة فرنسية!! (تقذف بها من الشباك) 

(ريتشارد اتينبرو المخرج الشهير الذي اخرج فيلم غاندي الحائز على اوسكار يتلقف التفاحة ويهتف بالشكر على تسلم هذه الجائزة العظيمة)

تاتشر: اديروا وجوهكم وركزوا معاي.. قلت شنو يا نورمان؟

وزير الصحة : (بخوف) ولا حاجة

تاتشر: نورمان، انا شفت شفايفك بتتحرك ، اذا كان عندك شي تقوله قوله لمجلس الوزراء كله!

المجلس: اي اي قوله

تاتشر: اسكتوا!.. نورمان... علّي صوتك.. واتكلم بصدق إنت ما واقف في منبر عام هسي

وزير الصحة : نايجل سرق قلمي

مارجريت : (محدثة وزير الخزانة) نايجل؟ الكلام دا صحي؟

المجلس: سرقوا آي سرقوا

نايجل لوسون (وزير الخزانة): (يهز رأسه نافيا)

مارجريت: أنت عارف سياستي فيما يخص السرقة من الأصحاب... مجلس؟ بنسميه شنو لما الواحد يمشي ويسرق ممتلكات الناس التانيين؟ إنت! جاوب! (تضرب وزير الداخلية في رأسه)

(وزير الداخلية فمه محشو بالطعام) : نسميه اقتصاد السوق الحر؟

(وزير الخارجية يضحك عليه)

مارجريت تاتشر : زفت!! (متحدثة برقة لوزير الدولة بوزارة الداخلية وصاحب نفوذها داخل حزب المحافظين) ديفيد؟ ماذا نسميه؟
ديفيد وادينغتون : نسميها اشتراكية

مارجريت (بذات الرقة) احسنت يا ديفيد... والآن خلينا نناقش قضية احصاءات البطالة المزعجة. قبل خمس سنوات انا كان كلمتكم تذاكروها في البيت وتجيبو لي افكار بخصوصها ، جيفري؟ خلينا نسمع افكارك هه؟

(وزير الخارجية) انا والله حليتهم في البيت والله.. لكن نسيتهم في الباص

المجلس يضحك

تاتشر: يا الهي.. اكتب الف مرة : لن اركب مواصلات لندن العامة. (لوزير الخزانة) نايجل؟ بطل البتعمل فيه دا (تنتبه لورقة يمررها وزير الدفاع لوزير الداخلية) مايكل؟ دي شنو الورقة المررتها لليون؟ أقراها لينا بالله يا مايكل أنا متأكدة المجلس حابي يسمع ورقتك!! 

مايكل هيسلتاين (وزير الدفاع): ااا مكتوب ، مسودة حول استرداد اراضي الفولكلاند

المجلس يضحك

تاتشر: شنو؟ كم مرة كلمتك انه وقت المجلس ما لممارسة الهوايات! ارمي الورقة في الزبالة يا مايكل

الجرس يرن

تاتشر: يلا يلا! انصراف. وبعد فسحة الفطور كنوع من الترويح حنناقش الدفاع

المجلس : هيييييه



Thursday 10 December 2015

أناقة القنفذ

من كتبي المفضلة ، رواية اناقة القنفذ للكاتبة الفرنسية موريل باربري. هذه الرواية تصدرت قائمة افضل الكتب مبيعا سنة ٢٠٠٦. الرواية تحكي عن بوابة-غفيرة تعمل في مبنى عريق يسكنه اثرياء، بعضهم ورثة عريقون لعهد اقطاعي ماضي، بعضهم ورثة لعهد صناعي تنويري ماضي، بعضهم محافظ وبعضهم يتبنى اراء "تقدمية" لكنك تلحظ من سخريتها أنها لا تفرق بينهم. البوابة رينيه تخفي سرا عظيما وهي أنها قارئة من الطراز الأول (الطراز الذي يقرأ جد جد ،لا للتربص ولا للفشخرة- قليلون هم) ومثقفة عاتية. تخفي هذه الحقيقة لكي تحافظ على وظيفتها، فلا أحد يحب أن يعمل لديه غفير يعرف أكثر منه أو حتى مثله. وفي يوم يحدث امر غريب. يموت أحد ساكني الشقق دون وريث  (كل الشقق سكانها يتوارثونها) مما يعني أن غريب سيسكن الشقة. هنا يأتي السيد كاكورو أوشو، ثري ياباني متقاعد. الذي سيكشف سر رينيه من أول وهلة . 
نادر ما تلقى خلطة في رواية تجمع بين الرومانسية (التي أحب) والأدب والفلسفة، والفن، والموسيقى والكوميديا والدراما. 
كما انه امنيتي في الحياة ان اتقاعد كرينيه. استلف الكتاب كلما مررت بالمكتبة. اظنني استلفته اكثر من سبع مرات، ان الأوان كي اشتريه عديل كدا. وكلما قرأت الكتاب اتقمص حالة رينيه فآكل الشوكولاتة الداكنة، والنودلز، واركن للشعر وتنقص هموم الحياة.
هذه الترجمة المتصربعة مني ارجو أن تكون محفزة كي يحاول بعضكم ان يجد الكتاب. الكتاب سمح عديل كدا، هناك ترجمة بالعربية له ولكنني لا أدري إن كانت جيدة أو هي بمثل صربعة ترجمتي هذه... لو سلكت بترجم مقاطع أخرى تحفيزية

النصوص بالترجمة الإنجليزية في هذا اللينك، في فقرة الريفيو 
جدير بالذكر أنه ايضا تم تحويل الكتاب إلى فيلم - يعني ما بطال، منه استلفت هذه الصور 



-----------------------------------------------------------------------
-----------------------------------


"ماركس غير نظرتي للعالم!!"
صاح ابن الباليرز هذا الصباح، رغم انه بالعادة لا يتفوه بكلمة  ناحيتي
انتوان باليرز، وريث عائلة صناعية عريقة، وابن احد مرؤوسيّ الثمانية.  ها هو ذا يقف امامي-آخر تجليات لطبقة النخبة المهيمنة، وهي طبقة تتكاثر بفعل شهقات أنيقة ولائقة- مُشعا بإكتشافه الجديد، مُتَصَدًّقا به علي دون أن يتخيل للحظة أنني قد أفهم أو أدرك ما يشير إليه. كيف يمكن للطبقة العاملة أن تفهم ماركس؟ إن قراءته مهمة شاقة ، فأسلوبه رفيع، لغته راقية، وأطروحته معقدة. 

وهنا- كدت بغبائي- أن أكشف عن سري...

"عليك إذا بقراءة الأيدلوجيا الألمانية" رددت عليه. ذلك الأبله في معطفه الصوفي الأخضر المحرشف.

لكي نفهم ماركس ونفهم أين أخطأ، علينا أن نقرأ كتابه (الأيدلوجيا الألمانية)، فهو اللبنة الأساسية التي سيبني عليها فرضيات عالمه الجديد، والتي ترتكز على مفهوم خرساني: أن البشرية المحكوم عليها بالخراب بسبب رغائبها، بوسعها أن تتعافى إذا الزمت نفسها بإحتياجاتها الأساسية. ففي عالم تُهزَم فيه غطرسة الرغبة ستبرز منظومة اجتماعية جديدة، مُنقّاة من الصراع والإضطهاد والطبقية المدمرة.
"من يزرع الرغبة يحصد الإضطهاد" برطمت بصوت خفيض وكأني أحادث قطتي.

ولكن انطوان باليرز، بسوالفه الطفولية القبيحة والتي لا تحمل أي ملامح قططية، يحدق في فاغرا فاهه لا يستوعب ما أقول. كالعادة لقد انقذني عجز البشرية عن استيعاب كل ما من شأنه أن يهيل حيطان افتراضاتهم الذهنية. فالبوابين لا يقرأون (الأيدلوجيا الألمانية) وبالتالي ليس بوسعهم اقتباس احدى مقولات الفصل الحادي عشر عن فيورباخ، فالبواب الذي يقرأ ماركس لا بد وأنه تحريضي، او باع روحه للشيطان المعروف بإسم نقابة العمال. أما فكرة أن البوابة تقرأ ماركس فقط لتعلي من قدراتها الذهنية هو خرافة من ضرب الخيال ليس بوسع فرد من البرجوازية استيعابه.
"سلّم لي على أمك" أوصدت الباب في وجهه وأنا أؤمل أن عقود من التحامل الطبقي ستخفي التناقض البادي بين الجملتين اللتين تفوهت بهما. 


-------
 إسمي رينيه، ٥٤ سنة، أعمل كبوابة لسبع وعشرين عاما في المبنى رقم ٣، شارع قرينيل، مبنى عريق تتوسطه ساحة وحدائق خاصة مقسمة بين ثماني شقق فخمة، كلها مسكونة وكلها فسيحة. أنا أرملة، قصيرة، قبيحة وممتلئة القامة. قدماي تشكوان من التورم، وفي بعض الصباحات التي أعزوها لإحتقاري لنفسي اصحو برائحة فم الماموث. أتممت فقط المرحلة الأولية في المدرسة، نشأت كفتاة فقيرة، متحفظة، غير ذات أهمية. أسكن وحدي مع قط ضخم لا يحمل أي مزايا سوى أن مخالبه تصدر رائحة منتنة حين يكون منزعجا. كلانا يعفي نفسه من الإلتزامات الإجتماعية تجاه فصائلنا. ولأنني لست ودودة ولكنني مهذبة، فالجميع يحتملني دون أن يحبني. فأنا اتجاوب بشكل جيد مع الصورة التي رسمها التحامل المجتمعي تجاه البواب الفرنسي التقليدي، لدرجة انه بوسعك ان تصفني كمسمار في دولاب الفكرة الوهمية الكونية. تلك الوهمة التي تفترض أنه بوسعنا اطلاق تعميمات على العالم وفهمه طبقا لذلك.
وبما أنه مكتوب في مكان ما أن كل البوابين قصار وقبيحين ومسيخين، فقد نسخ في ذلك اللوح أيضا أنهم يملكون قططا بدينة كسولة تقضي اليوم كله تتمغى على وسائد الكروشيه. 

-------------------

في كل يوم ثلاثاء وخميس تزورني مانويلا، صديقتي الوحيدة، لنتحتسي كاسات الشاي الأخضر. مانويلا امرأة بسيطة، السنوات العشرين التي قضتها في كنس الغبار عن منازل الأثرياء لم ينقصها شيئا من ألقها . طبعا الوصف "كنس الغبار" هو مجرد استعارة. فمع الأثرياء فإن الأشياء نادرا ما تسمى بأسمائها.
"أنا افرغ سلال من الفوط الصحية، أمسح قيء الكلب، انظف قفص العصافير من الفضلات.. لن تصدقي كمية الفضلات التي يخرجها كائن صغير كهذا، واكشط الحمامات، قال كنس الغبار قال!!" تقول بلكنتها البرتغالية الرقيقة. 
مانويلا تأتي لزيارتي في تمام الساعة الثانية بعد الظهر من يوم الثلاثاء بعد أن تفرغ من نظافة شقة الأرتينز، وشقة دو بغويز يوم الخميس، تكون قد لمعت الحمامات بالقطنة. قد تكون هذه حمامات صاحبة دمغة"السعفة ذهبية-اي خمسة نجوم" ولكنها بعفنة أي حمام على الكوكب، لأنه إن كان هناك شيء مشترك بين الأثرياء والفقراء هو انهم كغيرهم تفرغ احشاءهم فضلاتها في مكان لا بد أن تطق عفنته. 
لذا تستحق مانويلا تقديرنا، برغم انها من النساء اللاتي قدر لهن ان يقمن ببعض المهام في عالمنا هذا، بينما ترفع نساء اخريات انوفهن تقززا منها، الا أن مانويلا استطاعت أن تحتفظ لنفسها بألق ورقي يتجاوز كل دمغات السعفات الذهبيات.
"لا بد أن تستعملي منديلا حين تتناولين الجوز" وتخرج من سلتها السعفية الأنيقة بسكوت اللوز الهش ملفوف في مناديل قرمزية بعناية، بينما أُحَضِّر أنا قدر القهوة التي لن نشربها وإنما سنغرق في عبقها بينما نحتسي كاسات الشاي الأخضر ونقرقض بسكوت اللوز في صمت.

بنفس خيانتي للصورة التقليدية للبواب، فمانويلا خائنة للصورة التقليدية للخادمة البرتغالية، رغم غفلتها تماما عن خيانتها هذه. هذه الفتاة من مقاطعة فارو،  ولدت تحت شجرة تين بعد سبعة اخوة ليليها ستة اخوة اخرين، اجبرت منذ طفولتها للعمل في الحقول لتهرب بالكاد من حياتها هذه بزواجها من حرفي، وتلد منه اربعة اطفال، فرنسيون بالمولد والنشأة ولكن المجتمع ينظر إليهم كبرتغاليين مهاجرين. هذه السيدة من فارو كما كنت احكي لكم، التي تلبس الجوارب السوداء الإجبارية وتربط منديلا على رأسها.. ارستقراطية! نعم ارستقراطية، ارستقراطية اصيلة ، من النوع الذي لا يمكن تجادل عن عراقته. الارستقراطية محفورة في اصلها، وتسخر من كل الألقاب والتشريفات التي يزين بها الناس اسماءهم . إذا من هي الأرستقراطية؟ هي سيدة محاطة بالسوقية من كل جانب دون أن تتلطخ بها. 






Tuesday 1 December 2015

هذا يغير كل شيء (٢، قصة البلونير المجنون)

معظمنا يتابع هذه الأيام مؤتمر المناخ في باريس، وأحد أبرز العناوين التي تجد طريقها في أوساط الإعلام لتسيطر على المشهد العام هو خبر: تحالف الطاقة النظيفة الذي شهد تعاون دول ثرية كأمريكا وكندا واستراليا وبليونيرات كمارك زوكربيرق وحبيب الملايين: بيل قيتس.

في فاصل مؤثر من الكتاب تحكي نعومي كلاين رحلتها القاسية لمدة سبع سنوات في محاولتها للإنجاب، ما تضمنته تلك الرحلة من أحزان على أجنة مجهضة، أدوية  وكيماويات وفحوصات اشعاعية مرهقة للجسد، رحلات خائبة إلى الأطباء، الترقب والإنتظار الذي ينتهي بانطفاء الأمل. تقارب نعومي كلاين ما حدث لها وجسدها الذي اصبح حقل تجارب للآراء الطبية الحديثة، وبين جهود البليونيرات والصفوة لإيجاد حلول للكوكب عبر عقاقير سحرية.
تنتهي رحلة نعومي بحملها وولادة ابنها "توما"، كان ذلك بعد أن جربت عيادة للعلاج الطبيعي. الطبيبة المعالجة سألت نعومي أسئلة كثيرة عن طبيعة حياتها التي تضمنت سفرا طويلا، وتنقلات، وركض وراء مواعيد تسليم، ومقابلات وضغوطات. الطبيبة اخبرتها ان جسدها يرسل إشارات واضحة تقول أنه يفتقر للطاقة والحيوية اللازمة لحضانة حياة جديدة بداخله. وهنا يكمن الفرق تقول نعومي. فعيادات التخصيب تعمل على محاربة هذه الإشارات وخداع الجسد ليحمل الجنين، بينما عيادة العلاج الطبيعي تنظر إلى جذر المشكلة.
 بعد جلسات يوقا، ورحيل نعومي إلى منزل ذويها على ساحل البحر، وتبنيها لنظام غذائي صحي وابتعادها عن المنغصات وتركيزها على نفسها. اعلن جسدها استعداده لحمل حياة جديدة فكان ابنها توما.



 في اثناء ذلك كان نعومي زارت معهد الأرض الذي يديره ويس جاكسون بكانساس، والذي بإختصار يعمل على حل مشكلة الزراعة التي عمرها ١٠ الاف سنة كما يقول، منذ أن بدأ الإنسان بتقسيم الأرض وحرثها وتطويعها لزراعة المحاصيل. معهد الأرض يعمل على دعم الأرض في مسيرة اخصابها، اذا ارادت ان تنبت مترا من القمح وبعده مترا من الفول ثم مترا من الأعشاب..دعها! للأرض حكمة في ذلك. وهذه هي المقاربة التي تضربها نعومي لسبب أساسي لتحكي عن علاقة الإنسان بالأرض وترى أنها مشكلة ثقافة في الأساس (ثقافة غربية)، ثقافة سيادة، وليست ثقافة كون الإنسان جزء من منظومة كاملة. ثم تربط ذلك بفصل كامل عن : العقار السحري لمشكلة المناخ والتي يروج لها بيل قيتس وريتشارد برانسون ومجموعة البليونيرات ومن تبعهم من المخترعين. والعقار هو في صيغة تكنلوجيا تعمل على حل مشكلة المناخ مع ضمان.. وهذا هو المهم..مع ضمان أن نستمر في طريقة حياتنا السوبر استهلاكية كما هي. نسافر بطياراتنا في كل مكان، ونأكل فاكهة الشتاء في الصيف وفاكهة الصيف في الشتاء، ونستهلك ونستهلك.
بيل قيتس يرعى العديد من هذه الإختراعات التي هي من شاكلة : الات لإمتصاص الكربون من المناخ، الات لحجب حرارة الشمس. ودون أن يشعر بأي نوع من التناقض يستثمر قيتس في كل من شركة بي بي النفطية وشركة اكسون بحوالي البليون دولار. وعند مواجهته بهذا السؤال المحرج : كيف تدعي حرصك على المناخ وأنت تستثمر في احدى اكبر الملوثين لها. يرد قائلا: نحن لازلنا نعتمد على النفط، والى حين ايجاد تكنلوجيا بديلة (غير الواح الطاقة الشمسية التي يرى انها مضيعة للوقت وغير اقتصادية) يحتاج الناس ان يقودوا عربياتهم وان يتنقلوا بالطائرات ويشعلوا اللمبات. 


قبل فترة - قبل مؤتمر المناخ في باريس- تهكم بعض الصحفيين على الإنترنت من بيل قيتس كونه يؤمن بتدخل حميد وحيد للدولة في الإقتصاد، ألا وهو رعاية البحث العلمي. حيث صرح أن البحث العلمي يستحيل أن يمول عبر جهود السوق والقطاع الخاص ، ولا بد من ميزانية الدولة لتصرف عليه دون هوادة.

ثم يأتي مؤتمر المناخ، لتكون واحدة من أهم مخرجاته : صندوق تحالف الطاقة النظيفة ، والذي كما ذكرت يشمل حكومات ٢٠ دولة ومجموعة بليونيرات (ما عليكم الا تنظروا الى قائمة البليونيرات المريبة) ويعمل بشكل أساسي بدعم البحث في الطاقة النظيفة (جانب الإختراع فيه، وليس جانب السياسات) والفرق هنا مهم.
تمويل البحث العلمي كتر على البليونيرات، وكعادتهم المعتادة سيحملونه للدولة ويجنون من بعده الكاش

فبرغم موجة الفرح التي عمت بعض الشركات الصغيرة والمجموعات العلمية التي تحتاج لمثل هذا الدعم المالي والمستمر بشدة، الا أن المراقبون نوهوا لأمر هام : مثل هذه الإختراعات لا جدوى منها في ظل دولة ضعيفة الإلتزام تجاه سياسات شاملة تدعم من استخدام الطاقة النظيفة ، وتسحب دعمها من الإستثمار في الطاقة العضوية.

اوباما -الرجل الذي يتحدث كقائد مناخي كما تقول نعومي- والذي القى خطبة مؤثرة في مؤتمر المناخ، أكد على دعمه لهذه المجهودات. اوباما يقول نعم ..نعم انا معكم.. نعم للطاقة الخضراء..لكنه يحتاج أكثر أن يقول لا.. لا لأجل عقودات تنقيب نفطية جديدة، لا للإستثمار في النفط، لا للأنابيب التي تضخ النفط المستخرج من البيتومين، لا لحاجات كثيرة. 

وهنا يكمن الخوف، أنه لا يزال قادة العالم يماطلون في قضية المناخ الملحة والتي نحس بآثارها كل يوم،- كما سخرت نعومي في تويتر قبل يومين من خطاب الرئيس الصيني الذي أعلن ان المؤتمر هو البداية لمعالجة مسألة المناخ، فردت : فقط في الأمم المتحدة نسمي مرور ٢١ عاما :بداية!! (جدير بالذكر أن هذه هي دورة المؤتمر الحادية والعشرين) -قضية المناخ التي  تفاقم حدة الفقر والكوارث الطبيعية والهاربين من ديارهم إلى اطراف الأرض. والمماطلة ستتلخص في التطبيل العالي ..العالي جدا لهذا التحالف- تحالف الطاقة النظيفة، ليمنح الحكومات فرصة عدم مواجهة شركات النفط الثرية وعدم معالجة المشكلة من جذورها

والآن مع فاصل طريف...

قصة الانجليزي المجنون صاحب المنطاد

هناك فاصل مخصص لرجل الأعمال الانجليزي المشهور بتقليعاته المجنونة ريتشارد برانسون صاحب شركات فيرجن العالمية. في عام 2006 اعلن برانسون تأثره الشديد بعد لقاء جمعه بنائب الرئيس الامريكي الأسبق :ال قور، صاحب فيلم وكتاب "حقيقة غير مريحة" حول التغير المناخي . فدق برانسون صدره قائلا انه في العشرة سنوات القادمة يتعهد بصرف ٣ بليون دولار من عوائد شركاته التي تلوث البيئة (تحديدا الخطوط الجوية فيرجن- وخطوط قطارات فيرجن) لصالح التحول نحو طاقة نظيفة وظريفة والبحث عن وقود نظيف لهذه الشركات- وان واجهت هذه الشركات اي خسارات لم تمكني من تحصيل ال٣ بليون سأصرف عليها من شركاتي التانية. 


شهق العالم من هذه الهاشمية
والان ، ماذا حدث ونحن نقارب على انتهاء مهلة العشرة اعوام؟ تقول ناومي كلاين انه: العهد الذي تحول الى مجرد "نية" او "بادرة"
تم صرف ٢٠٠ مليون دولار في شبه استثمارات لمشاريع تطمح الى استخراج الطاقة من مصادر طبيعية كالأشجار او نفايات الغاز - شبه استثمار إذ انه لم يدخل كشريك مالي، انما كمروّج وكمعلن وكشريك علاقات عامة- سرعان ما صرف النظر عنها - وتهربا من "الزنقة" الإعلامية التي تابعت عرضه الكريم الاولاني، فإن برانسون تحول من البحث عن وقود نظيف الى البحث عن عن اي طاقة نظيفة، الى دعم اي حاجة عندها علاقة بالبيئة والسلام (لذا هو يقوم بتجميع اي مبادرة بيئية قام بها ليضيفها عساها تحصل ال3 بليون- بما في ذلك جزيرته الخاصة في الكاريبي والتي تعمل بالطاقة النظيفة والتي بها فندق تبلغ كلفة الليلة الواحدة فيه 60 الف دولار)

لكن دعونا مما صرفه، فلنركز فيما فعله. في اليوم الذي دق فيه صدره كان برانسون على وشك اعلان خط طيران جديد الى دبي، وقال بصراحة انه على غير استعداد ان يتراجع عنه، ولا بأس في ذلك ،فرغم انه صرح انه سيخفض من انبعاث الكربون الناتج من اعماله الاستثمارية، الا انه قام بعدها بافتتاح فيرجن اميركا للطيران، واستطاع في 2013 ان يزيد من رحلات طائراته من 40 رحلة في اليوم الى 177 رحلة في اليوم في وقت تتراجع فيه الرحلات الداخلية في امريكا، وتعود هذه الزيادة لسعر رحلاته المخفض لتصل إلى ٦٠ دولار فقط للرحلة ( الا ان هذه عادت عليه بخسائر فادحة)، رحلاته الى استراليا زادت بنسبة ٢٧ ٪، بالاضافة لإعلانه عن خط طيران داخلي في انجلترا : ليتل ريد والتي اعلن عنها بغرابته المعهودة فقط اكتب على قوقل
 Little red branson- 
باختصار نسبة انبعاث غار الكربون من خطوط طيران برانسون زادت بنسبة ٤٠٪ منذ اعلان تعهده امام كاميرات الاعلام. وزيادة نسبة الانبعاثات لا تعود فقط لزيادة الرحلات فقط، بل لأن طائراته لم تقم بالتعديلات التقنية اللازمة لتوفر في الوقود وجاء في المرتبة التاسعة بين منافسيه في امريكا ( من ناحية توفير الوقود (رغم ان طائراته احدث من طائراتهم وكان بوسعه اتخاذ تدابير للتقليل من حدة الانبعاثات) .لكن برانسون لا يزال يخبىء شيئا في جعبته، جائزة الاختراع السحري للطاقة (او تحدي الأرض) والذي رصد لها ٢٥٠ مليون دولار لمن يتوصل لاختراع يمتص غاز الكربون من الفضاء (لا يزال البحث جاريا) والبليونير القلق في هذه الأثناء أعلن عن اطلاق فرع جديد اسمه "فيرجن قلاكتيا" والذي يطمح في تنظيم رحلات فضائية إلى المريخ ،كما أعلن عن ما يمكن أن تسميه خطة اسكانية في المريخ (لا عزاء لقصي همرور والهاربين من جحيم الأرض) وذكر في خطته أن خطته السكانية ستشمل علماء فيزياء، كوميديانات، اناس ممتعون، اناس جميلون، اناس قبيحون، عينة معتبرة من كوكب الأرض للحفاظ على النسل الإنساني، لأن خطة انقاذ الأرض قد لا تنجح.