Saturday 14 November 2015

هذا يغير كل شيء! (الحلقة الأولى)

-الرأسمالية في مواجهة التغير المناخي- هذا هو العنوان الجانبي للعنوان الرئيسي لكتاب ناومي كلاين الجديد، والذي لا أجدني أبالغ إن قلت، أنه ربما يكون "مانفيستو" عصرنا هذا، فكما كان المانفيستو الشيوعي زهرة توحش الرأسمالية الأول في عصر الثورة الصناعية. فإن هذا الكتاب هو زهرة توحش الرأسمالية الثاني في عصر الثورة "الاستخراجية" *
* ما اصبح يسمى بالإقتصاد الاستخراجي الا وهو النشاط الاقتصادي المعتمد على استخراج مصادر الطاقة من باطن الارض والبحر(الفحم-نفط- الغاز الطبيعي- بيتومين (او الزفت) ..الخ)

 المعركة الأولى بين الرأسمالية ومناهضيها كانت ضارية وحامية لكن ناومي ترى ان هذه المرة فإن المعركة وصلت الى حلبتها الاخيرة والحاسمة. هنا الرأسمالية ترتدي قفازات المواجهة في قبالة التغير المناخي. لا بد لواحد ان يطيح بالاخر. لا مكان للاثنين بعد اليوم. اما ان تنتصر الرأسمالية وتهزم قضية المناخ وهذا يعني تغير كل شيء (في افضل السيناريوهات لو لم تعني انقراض البشرية، فإنها تعني وجودها بشكل مجهجه خلاص، في انفاق تحت الارض ولا حاجة كدا)
او ان تنتصر قضية المناخ وتهزم الرأسمالية (وهزيمتها ايضا تعني تغير حياتنا عن كل ما الفناه وتعودنا عليه بشكل مباشر في الثلاثين سنة الاخيرة 

هذا الكتاب لم يثر سخط انصار الرأسمالية والنيوليبرالية -بالعكس!  الكتاب ازعج مناصري قضية البيئة ذات نفسهم! اذ انهم رأووا ان الكتابة اقحمتهم في "عركة" جديدة هم في غنى عنها خالص!!. وانهم غير ناقصين معركة جديدة اضافة الى معاركهم مع شركات النفط ومناجم الفحم ومع القوانين والحكومات. لا يحتاجون فوق كل ذلك العنت، عنت الصراع الايديولوجي.

ناومي كلاين ترى ان اكثر الناس وعيا بقضية المناخ في وقتنا الحالي هم اليمينيون. صرح احد المشاركين في المؤتمر السنوي المنكر للتغير المناخي "ان قضية البيئة ما هي الا حصان طروادة اخضر يتخفى من خلفه الراديكاليون الحمر"

تقول ناومي : يا ريت لو فعلا الراديكاليون كانوا واعين وتخفوا وراء قضية البيئة، الا انهم في وادي تاني خالص*
*طبعا هي لم تقل كدا بالحرف انا بلخص في الكتاب


كما كل كتابات ناومي كلاين، لازم تشيل نفسك وانت بتقرا، لانك تحس انها تجك بك عاطفيا وفكريا، ولا تفرق بينهما - وهذا في رأيي- اجمل واجود انواع الكتابات- لا تلك التي تدعي برودة الموضوعية، فالموضوعية جياشة يخوانا. 



اعتقالها من امام البيت الابيض احتجاجا على خط انابيب كي ستون الذي يمر من كندا الى امريكا وعبره يضخ النفط المستخرج من الرمال النفطية اخطر انواع الوقود واكثرها اضرارا بالبيئة- مشروع الانابيب الذي ظل اوباما ملكلكا امامه -تقول ناومي: اوباما يقول "نعم" للبيئة دوما ما نحتاجه ان يقوله هو "لا" للوبي الشركات النفطية


(جدير بالذكر للناس البحبو الحاجات دي، انه عندها كتابين : لا للوقو، وعقيدة الصدمة تصدرا قائمة الكتب الأحسن مبيعا في العالم، كتابها الذي اصدرته عام ١٩٩٩ وكانت في ال ٢٩ من عمرها :نو لوقو  صنفها ضمن اهم الكتاب في العالم دون سن الأربعين)

عندما قمت بنشر خبر انني استلفت كتاب ناومي كلاين من المكتبة عن البيئة، كان هناك تعليق ملفت حول ما اذا كانت قضية البيئة هذه مجرد حملة "بيضاء" اخرى لانقاذ الأرض- ولعلها منذ الثمانينات لم تكن الا كذلك. قضية تخص "اهل شمال الكرة الارضية" يريدون ان يجعجوا بها ويصدعوا بها رأس اهل جنوب الكرة الأرضية الذين هم ما ناقصين وجع راس.

الكلام دا صحيح، لكن منذ تفاقم ازمة المناخ بشكل واضح انقلبت الموازين تماما. بوسعي ان اقول انها اصبحت قضية ملح الأرض. بل- ملح ملح الأرض- اذا كان في حاجة بالشكل دا. ولعلي لا أبالغ إن قلت أن الانتصار فيها هو انتصار المستضعفون الذين يرثون الأرض حقا. 

في الفلم* الوثائقي الشاعري الجميل المعنون بلغة حريفة تجمع بالانجليزية بين كلمة "السد" و"الخراب" . فيه ارونداتي روي تتابع نضال السكان الاصليين في الهند ضد سد النارمادا الضخم، والذي تقف خلفه شركات استثمار ضخمة والدولة بكامل عتادها.  تقول ارونداتي :ها هنا افقر من في الأرض وأبأس من في الأرض يعيدون تعريف معنى "السعادة" لنا جميعا. ما هي السعادة؟ ما هو الرخاء؟ ما هي الطمأنينة؟ ما هو الأمان؟
هنا بشكل واضح اكثر من اي وقت مضى في تاريخ البشرية. يجلس المثقفون والمفكرون على الدكة، بينما يمسك البسطاء بالطبشورة. 

*الفلم أهوه انصح به تماما

في حوار توجه المذيعة سؤالا لناومي كلاين: من اين تأتيك نبرة التفاؤل هذه؟ التي تبشرين فيها ب"حركة الحركات" -كما اسمتهاـ وهي حركة توحد جميع حركات العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حول العالم، تحت راية البيئة. فترد ناومي انه تفاؤل الواقع، وهي ترصد التحول الكبير الذي جعل النساء والسود والفقراء والعمال والمزارعين المأجورين والسكان الأصليون وسكان القرى هم اكثر الناس وعيا بقضية البيئة وفي الصفوف الامامية في معركتها لأنها اصبحت تمس حيواتهم بشكل فاضح. 

سأحكي بعض الحكاوي المفصلية في الكتاب، كأفضل وسيلة للتلخيص، حكيت من قبل قصة جداد الوادي ،والتي ترصد المراحل التي مرت بها حركة مناصرة البيئة من حركة شعبية حقيقية ثم تطوعنت وتأسست وفقدت بوصلتها، لكنها الان تعيد جذوتها من جديد مع حركات التغيير الاجتماعي الشعبية حول العالم.


قصة الرجل الإيطالي الأنيق:
في مقاطعة اونتاريو الكندية، تحاور ناومي كلاين ايطاليا انيقا، افتتح مصنعا للألواح الزجاجية المولدة للطاقة الشمسية- الألواح الشمسية. ينظر بحسرة الى مصنعه كما قبطان نبيل يشهد غرق باخرته.
مقاطعة اونتاريو كان قد اعلنت عن مشروع تحويل المدينة للعمل كلية بالطاقة الخضراء. احتفى العالم بهذا المشروع الطموح. يقول الايطالي: " كانت شركتنا الام تشرع في التوسع بتجارتها في امريكا. كنا قد رسينا على نقل المصنع الى كاليفورنيا أو تكساس أو هاواي حيث الشمس المشرقة والمناخ المناسب للإستثمار، لكن اعلان حكومة اونتاريو قلب موازيننا تماما، رغم برودة المدينة، وشمسها الضنينة، الا ان مشروعها الطموح شجعنا على نقل استثمارنا هناك. فهذا يعني ليس مجرد توزيع الواح زجاجية، لكن الحصول على بيئة عمل مستقرة وزبائن دائمون."
وما جعل المدينة تحتفي بمثل هذا الإيطالي وغيره هو شراءه لمصنع سيارات كان قد انهار بعد الأزمة المالية الأخيرة وتشرد عماله، فقام بفتح المصنع من جديد وتوظيف عمال تركيب السيارات والذين كانت لديهم الحرفة والخبرة في التعامل مع التركيب الآلي. ما يقدمه المصنع ليس فقط طاقة خضراء، بل ووظائف خضراء ايضا. تحمست المدينة للمشروع وقامت بفرض حوافز من شاكلة : اشتراط ان تكون هناك نسبة ثابتة من اجهزة وقطع الطاقة النظيفة مُصنّعة في المدينة ذاتها (لكن تشجع العمالة المحلية) وايضا تعريفة التغذية (دي عشان افهمها قعدت ساعة، والفهم قسم يا عينيا) - وهي تعرفة تدفعها الدولة للشركات التي تولد الطاقة النظيفة بجعل اسعار الشراء منافسة لشركات تولد الطاقة بالطرق التقليدية، مما يضمن استمرارية هذه الشركات. و كذلك عبر توقيع عقود طويلة الأمد. كما قامت بوضع بند يمنع الاحتكار ويفتح الباب لشركات التوليد المحلية (وليست فقط الكبيرة) ببيع الطاقة للشبكة (سواء كانت شركات تابعة للمحليات، او التعاونيات او للسكان الاصليين)- شرط ان تكون نسبة من عمالتهم وادواتهم المحلية تصل الى ٤٠٪ و٦٠٪- الذي حدث ان مقاطعة اونتاريو اصبحت اعلى مدينة مولدة للطاقة الشمسية في كندا ، وبحلول ٢٠١٣ كانت هناك شركة واحدة فقط تولد الكهرباء بالفحم، كما انها قدمت حلولا للعطالة التي شهدتها المقاطعة بسبب اغلاق مصانع السيارات والتي كانت تعتمد عليها، حيث قامت بتوفير ٣١ الف وظيفة محلية بحلول عام ٢٠١٤

لكن.. وآخ من لكن.. ما قامت به هذه المدينة هو مخالف لقوانين منظمة التجارة العالمية، فإن فرض نسبة من الصناعة المحلية للمعدات والالواح الشمسية يعد اخلالا بروح وقوانين المنافسة للشركات العالمية التي تورد هذه المعدات من الخارج، فإن قانون التجارة الحرة يمنع ما يسمى ب"المحاباة الوطنية" اي ان تحابي الدولة النشاط الاقتصادي الوطني ضد الاستثمار الأجنبي (سواء كان بتشجيع العمالة الأجنبية، او العقود المحابية للشركات المحلية، او تشجيع الصناعة الوطنية الخ).
ومنذها انسحبت اونتاريو من حوافزها، مما جعل كثير من الشركات تغلق اعمالها في المدينة. اخرهم الايطالي الأنيق الذي قلص من عمل فرع شركته، إلى حين انتهاء عقودات الضمان على الالواح التي اشتراها عملاؤه

ترد كلاين على المدافعين عن "روح التجارة الحرة" ان من جانب فإن قوانين التجارة هذه لا تنطبق على الحوافز المدفوعة لشركات الطاقة النفطية والتي تصل الى ما يقارب ٧٧٥ بليون دولار و الترليون دولار سنويا (نفس هذه الشركات لا تدفع نكلة مقابل الضرر البيئي المهيب الذي تسببه) 
من جانب اخر فما يجعل شركات الطاقة النظيفة هذه ناجحة ومُشَجَّعة من قبل المواطنين والحكومات هي قدرتها على خلق الوظائف عبر تشجيع الصناعات المحلية والشركات المحلية والحوافز الحكومية. صحيح! استيراد الالواح الشمسية من الصين قد يكون ارخص وفي متناول المستهلك، لكنه لن يساهم في خلق الوظائف ولن يشجع من خلق بيئة اقتصادية تسهم في مقايضة الطاقة التقليدية بالطاقة النظيفة (كما انه لو حسبنا الضرر البيئي من الباخرات الناقلة للالواح النظيفة فالموضوع بايظ اصلا)

-- هنا تتحدث ناومي كلاين عن احد اعداء قضية البيئة، وهي اتفاقيات التجارة الحرة الثنائية (ك نافتا) او الجماعية (كمنظمة التجارة العالمية)، التجارة الحرة هي احد ركائز الرأسمالية العتيدة.. ان هبشتها فإنك في الحقيقة تهبش الرأسمالية. 
>>>>> في الحلقة القادمة قصة الانجليزي المجنون صاحب المنطاد




2 comments:

  1. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
    Replies
    1. عفوا هناك العديد من الأخطاء الإملائية ع التعليق ، الشيء الذى أخل به تماما. كان من المفترض عمل preview قبل النشر.
      لكن إجمالا ما أردت عرضه هو أن مقال الأستاذة ميسون وضح .تماما العلاقة بين التغيير المناخى والرأسمالية.
      ستظل الحرب مستعرة بين الفريقين (انصار البئية والراسمالية)حتى تحيق انتصار فريق ع الآخر لكن ذلك تحكمه وقائع محددة ع الأرض.
      مناشط أو نشاطات الإنسان فى الماضى كانت صديقة للبيئة ومعها لا ضدها ، بعكس العالم اليوم.
      لفت المقال انتباهنا إلى حرب جديدة غير تقليدية تقودها الرأسمالية .يموت فى هذه الحرب إعداد أكبر من البشر ، لا تتقيد بساحة واحدة كل العالم مفتوحا أمامها.

      Delete