Thursday 29 January 2015

لمحتك

لمحتك! كنت أستدل على عبقرية تلحين مصطفى سيد أحمد من ضمن عدة أغاني بأغنية "لمحتك" حتى تم تنبيهي مؤخرا انها في الحقيقة من ألحان الأستاذ الراحل بدر الدين عجاج.

 تبدأ الأغنية بعود مفتول اللحن تحسه دائري يعطيك التكرار، كما امرء على مركب في عرض البحرو لا شيء سوى الموج من حوله، وسماء غائمة تظله ثم.... "لمحتك"! يفتتح الغناء بهذه الكلمة التي تخرج منفلتة كما اللمحة بالفعل.. صمت.. "قلت بر اامن بديت احلم" يخطف العود ميم الحلم وكأن الموج يغطس بها الى اسفل فيغيب مشهد البر. ثم مرة أخرى "لمحتك"!! "ألملم قدرتي الباقية واشد ساعد على المجداف" اوديسيوس في رحلة التيه يصارع موج الضياع. "وألوووح لي مدن عينيك" مصارعا الموج، ثم في فرح طفولي لا يتناسب و حجم الشقاء..... "تلوح ليييي". اصدقكم القول أني حين استمع الي الأغنية أكاد ارى هذه التلويحة فتعلوني ابتسامة بلهاء ويد توشك على التلويح لمدن عينيك "

كل ما الريح تطارد الموج ازيييد اصرار واحلف بيك، اغير سكة التيار " العود يعافر، والبحار يعافر في الموج العنيد، لكنه فجأة يدق صدر العزيمة ويصيح "اقووول يا انتي يا أغرق " ثم مرة أخرى اللعبة البلهاء بينه وبين البر "الوح لي مدن عينيك..تلوح لي" هذه المرة تلوح بمخاتلة ودلال.

"اخاف واخاف، اخاف واخاف" هنا ترفع القبعة للكتيابي وهو يصور عذابات المحب وخوفه من أنه يلاحق سرابا، خوفه من قدومه متأخرا او مبكرا. تعرفون المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي وقد اشتهر بأفلام العصابات الدمويه، يحتفي دوما بفلم اليف له اسمه "عصر البراءة" ، يمتد الفلم لثلاث ساعات بمشاهد حفلات العشاء ومنازل بوستون الفخيمة في القرن التاسع عشر والحدائق المشمسة، وامتار من فساتين الحرير والتل والشيفون، لكنه يقول ان فيلمه هذا هو الأكثر دموية من بين كل افلامه. ورغم أن هذا التصريح يبدو عجيبا، الا أنني اصدقه تماما. فالبطل تتلوى أحشاءه بداخله ويتقطر بدماء الفزع حيث يتخطفه التردد والخوف بين أن يختار خطيبته الاليفة المخلصة والتي يباركها اصحابه ومجتمعه، وبين عشيقته المطلقة المنبوذة من المجتمع المحافظ والتي يملؤه اساساالشك تجاهها. هناك مشهد في الفلم يقف فيه على جسر ، وعشيقته تراقب مركبا شراعيا يتهادى قرب منارة بحرية، فيقول في سره: اذا ما التفتت نحوي المحبوبة قبل ان يمر الشراع خلف المنارة، فسأعلن حبي لها ونهرب سويا، واذا لم، سأتزوج من خطيبتي الأليفة. دقائق الترقب التي صورها سكورسيزي هي الأكثر دموية بالفعل.

 اخاف الضفة ترجع بيك قبل أرجع، واخاف غيم المنى الشايل تسوقو الريح ويتفرق ، ثم رحلة الأسى واليأس "أجيك حطام انسان وهب لسكتك نفسو وربط صورتك على حسو وربط ساعد على المجداف" وقال يا انت يا أغرق. ثم الخاتمة: أخاف وأخاف، اخاف واخاف.. وكان هذه هي الحقيقة الوحيدة في كل ما هو حلم أو امنية أو سراب، الشيء الوحيد المؤكد هو الخوف.

 عندما يغني مصطفى لمحتك يحقن في اوردتك اليأس اللذيذ، تصدق وتئامن بالله يا مؤمن، تحس انه لو جابو ليك مركب هسي دي ستشد ساعدا على المجداف، وستصيح: يا انتي يا أغرق وستلوح لمدن عينيك وحتلوح ليك

استمعت لنانسي تغنيها في بروفة،هذا اللحن الذي ولد يوم ميلادها، توأمها، يا الله، تدخل في أحوال وتخرج من احوال، ادتها حقنة شجن عجيبة عجيبة، عسمت مفاصل كلمات الأغنية حتى انه لو كان الأمل على بعد اصبع منها لما ومت نحوه بنصف ايماءة، كسرتها على حطب اليأس واوقدتها في مبخر الأسى ، فتعبق المحل وتخدر عصب النجاة. مهلكة!

 (لو استطعت ان اخذ الاذن بنشر رابط البروفة سأفعل)

2 comments: