Tuesday 11 December 2012

وما أبرئ نفسي!!


وما أبرئ نفسي!!

محنة المدارس الاستثمارية


معذرة إن كنت لا أستطيع أن أطلق عليها سوى هذا الإسم بدلا من المسمى اللطيف "التعليم الخاص" .

عامان ونصف العام منذ غيابي عن البلاد، وقد شدني الحنين إلى مشهد الشوارع المؤدية إلى بيتنا ولافتتاته تتابع:كافتريا- بقالة- بوتيك- كافتريا- بقالة- بوتيك- كافتريا- بقالة...الخ.  وذلك بعد أن تحولنا بفضل النظام الحالي إلى مجتمع "استهلاكي" ، أستلف القول من المسئول الحكومي الذي لم يجد غضاضة في أن يشوح بازدراء بأننا –معشر السودانيون- قوم استهلاكيون... معليش المسامح كريم...لا يضير المجتمع سلخه بعد بطحه بسياسة الانفتاح والسوق الحر.

شوارع حلتنا كحال كل شوارع بلادي ، شوارع مواكبة ومنفتحة على الخطة الاقتصادية القومية، وكانت من قبل تنتهج تخطيطا مختلفا : اتصالات- عطور- اتصالات- عطور، ولكني لم اعد نفسي لهذا التغير المفاجئ، فشارع بيتنا وهو شارع فرعي يتشارك مع ثلاث شوارع فرعيه أخرى في مربوعين سكنيين صغيرين، قد عج بلافتات المدراس الخاصة :روضة اللحظات الحميمة العاااالمية الخاصة، روضة السعادة والهناء الخاصة، مدرسة كوكي العجيب الانجليزية الخاصة، مدرسة المطعم المخملي الخاصة "عفوا فالمدرسة من صربعتها لم تصبر على انزال لافتة المطعم الذي حلت محله..والله جد!!..حتى بالأمارة المدرسة في المنشية" ..فاجأني التخطيط الجديد لشارعنا القديم :روضة-مدرسة- بقالة- كوفير- روضة – مدرسة- بقالة- كوفير. يا ألطاف الله.

المهم ، بدأت رحلة البحث المضنية عن مدرسة لأبنائي الإثنين، ورغم أني كنت معدة سلفا للتسعيرة المدرسية، إلا أنني لم أكن مستعدة للكثرة والكمية التي استشرت بها المدارس الاستثمارية، وكل منها تتنافس لتقديم خدمة خاصة للزبون : منهج مستورد من انجلترا أو امريكا، عمالة أجنبية ممتازة "مدرسين وكدا"، أثاث مدرسي حديث وفاخر،  ملاعب لطيفة، كاميرات مراقبة وتأمين..الخ كل ما يقنعك بأنك مستوفي حق ما دفعته كامل ومكمل.

التعليم الخاص ليس ظاهرة تتفرد بها السودان، ووجودها في الأصل له ما يبرره. ففلسفة التعليم الخاص برزت لسد عجز لم تستطع الدولة الإيفاء به، ووجوده هو جزء من سياسة الدولة في التعليم كمكمل لها و كمغطي لحوانب النقص فيها إما بالامكانيات "كأن تبنى مدرسة خاصة في منطقة لم تستطع الدولة بناء مدرسة فيها"  أو كمكمل لجانب النقص في الرؤية "كالمدارس ذات الطابع الديني الكنسية أو الإسلامية أو مدارس رعاية الموهوبين أو مدارس اللغات". إذا قطاع التعليم الخاص لا يبرز إلا كجزء أصيل من سياسة التعليم العامة في البلاد وليست "كبديل لها" أو "منافس لها"..لا أبدا!!! اطلاقا!!!! ليس ما نراه اليوم  تستدل على ما بحدث الان ببساطة بأنها مدارس تهيئ جيل معد للدراسة في بلاد المهجر، وقد تتاح له فرص عمل أفضل في بلاد غير بلادنا، أو في مؤسسات ومنظمات اجنبية او أنها "حضانات " معقمة تحمي فلذات اكبادنا من مآسي البيئة التعليمية العامة من مناهج مرتجلة أو بيئة مدرسية مقحطة أو أساس تربوي فقير  ...أنا لا أقول أن جلها شر فلحكمة ربي أن لا شر مطلق في الوجود، ففي كل شر ثنية خير، بطبيعة الحال، هم أيضا جيل أكثر قدرة على التعامل مع التكنلوجيا الحديثة، وهو أيضا جيل أكثر انفتاحا على العالم الاخر بتبنيه لمنهجه التعليمي وبتملكه لناصية اللغة، وهو جيل أقل ما يمكن أن نقول عنه سينمو محصنا من علل البيئة التعليمية العامة..لا أشك في نوايا أصحاب المدارس الاستثمارية ورغبتهم الحقيقية في تقديم خدمة تربوية متميزة لعملائهم...لكن اربط لي ذلك بسياسات الدولة تجاه التعليم!!!... إذا أساسا احنا ما عندنا سياسات دولة!!! عندما يصبح وجود المدارس الخاصة خصما على ومهدد لوجود المدارس الدولة الحكومية، هنا لا بد لنا من وقفة تفكر وتدبر.


"الواحد يعمل شنو؟" المدارس الحكومية حالها لا يخفى على أحد....بؤس شديد، لم يبقى من النموذجي منها سوى اللافتة المعلقة. "الواحد يعمل شنو؟" هذا السؤال هو السوسة الحقيقية التي ظلت تنخر في عظم البلاد منذ أمد بعيد. هو السؤال الذي يبرر لركوبنا موجة الأنانية المفرطة التي تجعلنا لا نسأل عن غيرنا ماذا يعمل، هي ذات الموجة التي لا بد من يوم أن تبتلع راكبها يوم أن يركبها أناني اخر لن يهمه أن يسألك "أنت حتعمل شنو؟"

هذا أوان "الغيرية الخطيرة" هذا التعبير أستلفه من محبوبي المبجل مارتن لوثر كنق في أخر خطبة له، نادى فيه أنصاره أن يقفوا إلى جانب نقابة عمال النظافة بممفيس، هذا وقت اما أن نقف فيه إلى جانب بعضنا البعض سويا أو نغرق جميعنا سويا. ليس ما أقوله تعبير بلاغي بل حقيقة ماثلة.

فكر معي عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة في الأمر، لو أنني معدة لأن أنفق قرابة الثمانية أو العشرة ملايين لدراسة ابنائي في مدارس "عالمية" "خاصة"..فكري يا ميسون لو أنك أدخلت ابنيك في مدرسة حكومية وقمتي بتوزيع هذا المبلغ لأعادة تأهيل هذه المدرسة، كديه؟...فكر معي في مائة طالب قوام احد المدارس الاستثمارية الخاصة، لو قرر اباؤهم أن يحولوا رسوم السنة الدراسية لتلك المدرسة إلى مبالغ اعادة تأهيل مدرسة عامة على نفقتهم الخاصة، تخيل مبلغ مليار جنيه سنويا في بداية السنة الدراسية لمدرسة حكومية، تسند عضمها حتى نهاية العام الدراسي، تفكر في هذه الغيرية التي تمنح الفرصة لإبنك ولإبن آخر لم تلده، لن يجد مثيل لهذه الفرصة. أنت إذ تتخيل ذلك..تتخيل اللبنة الأساسية لمجتمع معافى...أنت إذ تتخيل ذلك تودع شيكا مضمونا لا يرد تؤمن فيه مستقبل ابنك وابنتك ام هل ظننت أنه بوسعك ان تبقي ابنك في حضانة مغلقة ومعقمة بعيدة عن المجتمع الذي يعيش فيه؟؟ والذي إن عم فيه طوفان الجهل والعوز  فما من جبل يعصمه!!!
أعرف ماذا ستقولون...أعرف ...ولذا أقول هناك أمور أساسية تجعل من هذه الفكرة المجنونة ممكنة.... وهذا سينقلني إلى مقالتي التالية، وهو مشروع عكفنا عليه أنا وأربع من أخوتي الصغار الكبار "علياء" "سلاف" "محمد" و "مجاهد" ...مشروع بسيط سهل التنفيذ لن يكلف حكومتنا الموقرة جنيها واحدا ولا جدولا زمنيا عسيرا، بل بوسعي القول أن تحقيقه لا يحتاج سوى إلى ثلاثة أمور :" غيرية خطيرة" و "محبة خالصة" و "أحساس بالمسئولية" ...المشروع هو تحويل مدارسنا الحكومية التابعة لوزارة التربية والتعليم إلى وحدات تعليمية شبه مستقلة عن وزارة التربية والتعليم، يتشارك في ادارتها شركاء أصيلون ودائمون هم ادارة المدرسة و مجلس اباء نشط و الحلة التي تأوي المدرسة فتستفيد منها وتفيدها. وتكتفي وزارة التربية والتعليم بدور الموجه العام والمراقب للعملية التربوية. مشروع مطبق بنجاح في عدد من الدول المتقدمة رغم أننا بامكانياتنا الشحيحة الأحوج له... مشروع حلو وسهل ادندن له دوما ب "المدرسة فاتحة على الشارع والشارع فاتح على المدرسة" (بتصرف)
أنا أحس "حرارة" الموضوع،أنا أم..وأدرك أن الأمر حين يمس أبنائي فإني ازن الأفكار العظيمة بألف ميزان...لكن ما بالنا كلنا اليوم نهلل لتلك الجرأة الفريدة والغيرية الخطيرة التي تحلى بها قادة مجتمعاتنا حينما سجلوا بناتهم في أول مدرسة للبنات ، مدرسة المربي الجليل بابكر بدري، تلك الخطوة الصغيرة العظيمة التي نقلت الأمة بأكملها من خانة التخلف إلى خانة تحضر وتقدم. هذه الخطوة مطلوبة الان...أن ننتقل من خانة التخلف (فالفرار إلى الحلول السهلة والمؤقتة تخلف، لا يمكن أن تفكر في أمر التعليم كتاجر جملة) إلى خانة تحضر (فالتعليم لا يقوم إلا على مؤسسات ثابتة، ما يحدث الان ليس تعليم! انما مجرد باكدجات اكاديمية نجرعها ابناؤنا). نحتاج إلى خطوة جريئة وغيرية خطيرة من قادة الرأي في مجتمعاتنا، نحتاج من الأسر ميسورة الحال ذات الأسماء الرنانة، أن تقدم سنة من مسيرة تعليم أبنائها في هذه التجربة التي سنأتي لتفصيلها....سنة واحدة بس! سنة إن ما نفعت ما بتضر!
المشروع له القدرة على الالتفاف على علل السياسة التعليمية العامة في البلاد، دون الحاجة لكي ننتظر حدوث "انقلاب جذري" في سياسة التعليم، له القدرة على الالتفاف على المنهج المدرسي، وعلى نقص وشح الامكانات، وعلى نظام التنقيط (اي تقييم الطالب بعدد النقاط والدرجات التي يحرزها في امتحان وهي أداة تقييم فقيرة). هو نظام كما أسلفت مطبق في دول متقدمة اقتصاديا، رغم أننا أكثر احتياجا له بما يوفر من منصرفات ولأنه يعتمد نظام المشاركة وال pooling

أريد أن أقول شيئا...سواء ظننت أنك فررت بأبنك او بنتك إلى نظام تعليم بديل و نجحت في ادخاله في فقاعة أو حضانة معقمة عن واقعنا المريع، يبقى أمر لا مفر منه...وهو أن التعليم الحكومي هو حق أصيل لكل مواطن، لا بد أن تستوفيه من رقبة الدولة، حتى وإن لم تكن بحاجته. أنا رأيت ذلك بأم عيني في سيدني وأنا أرى مجتمع يهب احتجاجا على اغلاق مدرسة حكومية، رأيت شباب يهبون للمطالبة بحق أبناء لهم هم في عداد الغيب...رأيت شيوخا يهبون للتأكيد على حق لهم في رقبة الدولة وإن استوفوه قبل خمسين عاما، فهو حق لا يسقط كحق الغذاء والعلاج والتصويت...الله كريم علينا....تبقى مقولة ذهبية تعيها الأمم والحكومات على السواء جيدا...أن ما من حق "ممنوح" ساي كدا...فأن كل حق ممنوح كان في البدء: مطلوب

للحديث بقية أفصله بإذن الله في المقالة التالية.

3 comments:

  1. المقال حلو لكنه غير مقروء في أجزاء مهمة بسبب الخط و تنسيقه .. الرجاء تعديل التنسيق
    مع الشكر

    ReplyDelete
  2. الفكرة هي جميلة وبالمناسبة أعتقد ان هنالك نماذج مطبقة حالياً منها:
    مدرسة الشيخ مصطفى الامين التي درست فيها وكان هنالك مجلس أباء مرعب ههه وفعلاً كانت البيئة أفضل بكثير من المدارس الحكومية العادية من ناحية المناشط الثقافية والجمعيات العلمية وامتحانات التقوية و حصص التقوية المجانية حتى مرتبات الأساتذة رغم انهم اساتذة عاديين في اغلبهم الا انها مضاعفة وهكذا
    وهنالك نماذج اخرى منها مدرسة الدقير ومدارس اخرى نشأة حديثاً لا احفظ اساميها لعدم الاهتمام
    يبقى السؤال عن الى أي درجة يمكن أن تكون الفكرة قابلة للتوسع
    للتعميم يعني الى أي درجة يوجد رأس مال يستطيع أدارة هذا الامر.
    بعد داك النقاط الاخرى عن درجة فصل المدرسة عن الوزارة و غيرها من الاشياء طبعاً فيها صعوبة نوعاً ما لأنه فيها ألغاء لدور الوزارة وتحديد لكيفية شكل التعليم مفاهيمياً وهو مايصعب ولكن ليس مستحيلاً

    ReplyDelete
  3. its done..the concerns are shared by a lot..just needs a leader, if you there then at the level of your neighbourhood it could be done, mis-education is ruling the country..one litte 9 yrs old told me that they get a caution if they speak Arabic in the break time !! 2 cautions they call your parent..!!..and sure her mum won't accept the fact that this is wrong..instead they are proud of it..!!.. and sure there are a lot of examples..it takes commitment and pooling as you say..little things would make a huge difference leading to a tipping point...in a village close to Madni, the people did that...rehabilitate the local school and made it truly (namoozajya) let us start pooling..am in...seriously in...had it.. in my mind so long it started to ache and fester..all what is needed is there ..a leader is now you...1st step..create more leaders

    ReplyDelete