Sunday 1 January 2012

مريم / نجلاء التوم


" لست أدري من أين ابدأ الحديث عن هذا النص المترف.. هل أبدأ من اللغة الباذخة البهية التي تضاهي السرد الانجيلي ؟ اقولها دون مبالغة.
قلت (ببصيرة عالية) أن نجلاء التوم ليست كغيرها من الشعراء الذين يتعكزون ويتوكئون على الاسطورة والتراث الديني والصوفي باستلاف تعابيرها وقوالبها الجاهزة.قلت أن نجلاء التوم تهضم كل هذا التراث لتنتج سردا شديد الخصوصية ذا بعد ذاتي
هنا في "مريم" ... ما رأيت مثيلا لهذا التكثيف والعمق سوى في "بييتا" ميكلأنجلو..لا ليس العمق..هو التكثيف، اقول ليس عمق لأنه ليس تشريحا للحدوتة الأشهر في التاريخ البشري، نجلاء التوم اتخذت منحى شديد الخصوصية
من مريم؟ من مريم لعيسى؟ من مريم لإبن الرب؟ من مريم للمعلم؟ من مريم دون عيسى؟
والأهم أين مريم من كل هذا؟
وأين عيسى من كل هذا؟ من هذه النبوة/ الألوهية المقحمة عليه
نجلاء التوم هنا تلفت نظرنا هنا أن الأمر ليس ببساطة: ام وابنها، أو ابن وأمه... أو تابعة مخلصة ومعلم
الأمر يحمل تعقيدات اكبر (كما ينبغي لها القصة أن تحمل، وكما ينبغي للشعر أن يفصح عن هذا التعقيد)
الحوار المحكي على لسان عيسى مخاطبا أمه يأخذك إلى مناحي عدة
مريم المهووسة بالبشارة، مريم المتشبثة بقسيمها الأوحد في هذا القدر الالهي الذي يربطهما سوية، مريم المفتونة بعيسى...والكثير الكثير
أقول دون خوف أن ها هنا في "مريم" نجلاء التوم ، تتكشف بعدا ملحميا للسيرة الالهية." أنا ! 
Pieta Michelangelo

مريم

تذكرت وأنا أعثر على هدية الموت
أنك هديتي؛
تذكرت يديك؛
مقاليد الرضا في أصابع القسوة؛
رضا طيوري كثيفة باهتة محتشمة
وتجلس في قطار
كنت أوجد فيهن
وإلى الأبد
حلما يتخلق في حلم
حتى باركتني ضلوعك.
والآن يا حبيبي يا هدية الرب
انقضت الأعياد؛
انقضى النبل
انقضت الجسارة؛
وفي يدي مفاتيح نسيتها الأبواب
أفتح بها الضجر
وحراسك على طول القلعة بيافطات قمرية
تخفت وتضيء.


ها أنت حبيبي على العرش
وصوتك في الحديقة يكفر:
توقفي لمرة عن اللحاق بي،
لم أكن في الحلم الذي بشرت به؛
أنظري لوجهك
هل تشبهين الآن أي نبية
وهل أشبه معجزة تتكدّر؟
جاراتك يتأوهن بلا سبب
لست بشارتهن
ولم أكن أبدا ابنا لك
يا مريم
أنا هنا
في الحلم الذي أرعبك منذ ثانية
وحبستيه في مكحلة النحاس؛
أنا تلك الزهرة الزانية،


القطي تمرك يا مريم
وبقدمك اليمنى السافرة
مري من فوقه بعد أن تذبحيه،
مري يا مريم
على رعيتك في الوادي؛
اعبري النهر إلى الغابة وأقطعي متاهة الشمس إلى
مرآتين
وما إن تظفري بطغيانك
طالعيهما
حيث تقنط القيامة من الموتي
وينفذ الخلود.

مريم مريم مريم
تحت بوابة الهجر
حيث لا ينادى على أحد؛
حيث تحرق الأسماء في كهوف مرقمة
وينقع الجسد في الأمومة
أسود أصم وبلا ذاكرة:
أناديك.

احصديني من الخندق يا أمي؛
احصدي جسدك الطفل
من زهرة الصليب،
ضمديه بالأحراش، لفيه في الأوبئة،
احصديني من النسيان،
أنا غرورك المفتون على القارعة يتوب؛
ضفدع ملوكي مبهج
مطمور في شهقة الصبية ومنسي على الدوام؛
وها أنت ذي أمامي
ولا أملك أحميك مني.
ها أنت
موجوعة حافية معطوبة
تنعقدين مع الرياح وينطرح عليك كوكب.
أولا ينتهي غناؤك يا أخت؟
مريم
اسمعيني
كفي عن الصلاة
قليلا،
وأفردي كفيك لقلبي يحط.
ضيعي الحديقة
احرقي القصر
وبخي جديلة الرخام
وتسلقي العتمة.

مريم
مريم
قلبي وقلبك شمش وقمر،
وأنت الآن تغربين
آه
لو يعن لك الهرب،
آه
قبل أن تصعد أبراحي؛ وتبدأ أنجمي في الفوران!
لكنك أمامي
ولا أملك أحميك،
أنا ضفدعك الحبيب
مستبدا؛
أنا الركام على البينة، والبينة على جحود؛
وأستسقيك
يا نبية؛
أمطري من كل جهة لأحيا وأسميها،
من كل طعنة
أسلم وأفتدي أرواحي بخسوفاتك.
مريم قلبي في قلبك قمر في قمر،
وها انت تمطرين،
ها أنجمي ترتعش،
ها نحولك يختال وسوادك يفصح؛
كل قطرة منك عليّ
حياتي عليك.
احصديني من الموت
مريم
وغيبي؛
جمهور دمك يذكرني بما لا ينسى
يا أمي.


1 comment: