Wednesday 24 August 2011

يوم أن ارجعوا لي القمر المسروق-عقد الجلاد


1994
الخرطوم
اتذكرون الخرطوم اوائل التسعينيات
تذكرون ذلك اللظى؟
فكيف بمن شب فيه ولم يعرف سواه
كيف بمن ليس له ذكريات زمان أجمل يستجير بها كلما استعرت

أذكر جيدا أنني لم أكن اتطلع إلى السماء أبدا، لم يكن هناك ما أرجوه من السماء، أعني لم يكن هناك وقت لذاك، إذ كان يستغرقنا العناء والشقاء في ادق تفاصيل حياتنا. الماء، النور، المدرسة، المواصلات،الخبز، الفراغ الذي يلفنا ويهدهدنا في حجره، الضجر الضجر الضجر، المستقبل رهين الغيب

كان الثامن عشر من فبراير، كنت أتحلل من طوق الطفولة، كنت في جحيم البين-بين في لظى الخرطوم 1994
أنا وابراهيم وزينب واخي أحمد كنا كعادتنا نعلك تفاهة الحياة كل خميس في دار المهندس، وهو تجمع للتائهين من ابناء الطبقة الوسطى العليا. إلا ان ذاك حديث اخر
  لم أكن ادرك أن الغد هو الثامن عشر من فبراير، وهو يوم بلا معنى حقا. مجرد يوم اخر يتكرر كل عام، قد يصدف فيه حدث جلل كأفول نجم، كرفع القلم عن كتاب علقناه على رقابنا تميمة، كموت الطيب صالح.  لكنه في العادة يرتبط بحدث تافه في ذاكرتي..كيوم ميلادي..يوم أن نبتت على وجه الحياة زائدة بشرية اخرى
القيت جسدي على الفراش ملبية احتياجه البيولوجي للراحة. اغلاق- كما في الكمبيوتر- لحفظ ملفات حيوية أخرى

ليلة الثامن عشر من فبراير، رأيت زينب وابراهيم واحمد يحفرون عميقا في منجم جيوبهم، أخرجوا لفافة من الجنيهات، مع همهمات أثارت في الريبة، ولما تسكن الريبة عقلي حتى أشاروا إلى قفص حديدي، سندخل هنا. وكان الامر كله غريب، الحرس على الباب   استلموا الجنيهات، دخلنا عبر ممر طويل، صعدنا درجات.. افضى بنا إلى مدرج روماني قديم يطل ويحيط بساحة ،نبت منها نصب حجري قالوا له: كن مسرحا فكان
وبإشارة منها احتوت زينب المكان في كفها الصغير وقالت: الليلة ...كل هذا لك ..عيد ميلاد سعيد

اهدوني ليلة...هل اهديتم ليلة من قبل؟..لحظة يسخر فيها الكون كله لك..من أجلك

جلست اعلى المدرج على عتبة قاسية، لكن ليلتي كانت حانية

اضاءوا المسرح، وهاجت الجموع..على مهل دخلوا، بقمصان خضراء وخطوات مرتبكة يحملون الاتهم الموسيقية.  من خلفهم لوحات خشبية لجنود بقمصان خضراء وخطوات مرتبكة يحملون الاتهم النارية

نفخ احدهم في الميكرفون -وشمننا جميعنا في نفس اللحظة صوت مسدس يتم حشوه- قال على عجل: بعض عوائد الحفل ستكون لدعم القوات المسلحة.
صمت
ثم
جهدية الاورطية..جهدية الحلقونا...شدوا جمالهم جونا..جلبنا ليهم سمسم..السمسم ما كفاهم..جلبنالم سعية

قالوها...يا ربي قالوها
قالوا (هناك امر عفن في الدنمارك) يا ربي وذلك الامير الصغير الذي أيضا  يقول (هناك أمر عفن في الدنمارك) يا رب قومه بالسلامة


مصطفى
!

وكلنا نعرف ان السعية ما كانت ستكفيهم أيضا، وكلنا نعرف أننا من بعد شددنا لحمنا الحي

غنوا
 وانت في اللالوبة مشنقة الوليدات ناس نجومي ومحبس النفس الرهيف.
 والتفت الولد المرسوم في اللوح الخشبي ونظر إلينا لوهلة..لم يكن جنديا..كان ولدا

وأطلقت صفيرا يليق بفتاة يتفلت من رأسها العنيد غطاء شعرها، يليق بفتاة حارت منها ثيابها..قالوا ناس نجومي وكانوا يشيرون إلي. كانوا يقولون سنة حلوة يا جميل

وفي تلك الليلة اقول لكم يا سادة...في تلك الليلة رفعت رأسي إلى السماء..وتدلى القمر..ونظرت إليهم...وهمست شكرا



  
   

ثم تفرق العقد الفريد ولم ينظم . و تدلدل القمر من مشنقته.

 نعم سمعت بما جرى اخيرا، إلا ان ما جرى لعقد الجلاد جرى قبل سنوات عدة منذ اخر البوم لهم (في رأيي) حاجة امنة  
وأظن أن السبب يعود في ان عقد الجلاد لم تكن مجرد تجمع لأصوات بديعة وملحن عبقري وعازفين بارعين. عقد الجلاد كانت رؤية وفكرة ومزاج..ونظرة في الموسيقى نفسها قبل أن تكون (صوت الشارع) فكان انتقاء الكلمات والالحان ضمن تلك الوجهة وتلك النظرة

كنا ننتظر خروج الجديد من عقد الجلاد بفارغ الصبر. يقولون
 أغنية غريبة لعقد الجلاد تقول الليلة جمعة بكرة الاتنين؟
هل سمعتم راب عقد الجلاد؟
يا اللوري؟
سارة؟
اب قرجة؟

نعم من بعد ذلك خرجت أغاني لطيفة، وطفرة هنا وهناك بديعة...لكن ليست كذلك الوهج الاول..هي كما يقول المحكمون في برامج الغناء..اداء واغاني (امنة) لم تعد فيها روح المخاطرة وتجريب الجديد..لا من ناحية الكلمات ولا من ناحية الألحان ..ومن قبل كان هناك التجريب والمغامرة في اختيار نص وعر للقدال وحميد وأصوات لم تغني من قبل كالشاعر محمد مدني واحمد محمد الغالي والشيخ فرح

ولا حتى في توزيع ادوار الغناء ولا حتى في التنغيمات التي تصدرها المجموعة خلف المغني الرئيس..فتجارب عقد الجلاد لشغر مكان الاستاذة منال بدر الدين كلها لم تكن موفقة. صوتها المضغوط والحاد كان ينسجم بشكل رائع مع اداء الفرقة ككورال، ويضيف تنوعا مثيرا حين يصدح منفردا. وصوت منال هي من تلك الأصوات التي لا تصلح إلا مع الفرق الجماعية، لذا لم تكن تجربتها في الغناء المنفرد ناجحة. يقال الامر معكوسا عند الحديث عن الاستاذه امال النور، فصوتها القوي كان طاغيا على اداء الفرقة لكنه لم يكن منسجما معها، وصوت امال هي من تلك الاصوات التي تدعى الباور فويسز..أي الاصوات القوية الطاغية، وهذه تصلح في الاداء المنفرد لا الجماعي، حقيقة كل ميسر لما خلق له. كذا تنوع أصوات الفرقة الذي لم يكن هباءا. طغى عليه شكل من أنواع التماثل في الصوت واللحن مع اعضاء الفرفة الجدد.
.

هل تعون ما أعنيه؟ نعم هناك المسدار، وفاجأني النهار وصباح الخير مساء النور..لكنها بالمقارنة ليست بالشيء الذي يذكر مع احتاج دوزنة، أو كولاج أمونة الرائع أونعمة أو ايدينا يا ولد أو تجارب فريدة غير مسبوقة كأغنية يالله هوي تعب اللسان من الشكية...فن...فن


لا اظن أن تجربة فرقة راي ستكون موفقة إذا كان الهدف منها خلق عقد جلاد اخر أو موازي. تلك تجربة كاملة ابتدأت واستمرت ثم أفلت، كل محاولات الاصلاح أو اعادة الانتاج كانت ضعيفة. ذاك مزاج خاص لوقت خاص لن يتكرر. أما إذا كانت تجربة مستقلة فحينها نقول ربما

أذكر وأنا ارهف لأنة العود في مقدمة (لأنك عندي كل الخير) كفتاه ترزح في البين بين وتبزع لتوها فتعجب ويعجبها، كانت تلك الأغنية هي دليلي فيما أريد أن اكونه لمن أريد

تذكرون يا ليلى ليلك جن...صوت عوض الله بشير ماله مثيل،  والحنين في صوت انور..كان حقيق الشرب بالكوب والدنة وكان كل من يغشاه تهنى


1 comment: