Saturday 20 August 2011

ليلة اعدام ساندي/ماندي أو أيا كان اسمها..قصة حقيقية

القسوة فطرة في الانسان. ولكن لعله أيضا من الفطرة كبت الفطرة. وفي لغتنا الدارجة نربط الفطرة بكل ما هو نقي وأصيل ومتأصل فينا منذ الطفولة. وهذا حسن، إذ أن القسوة الصريحة(النقية) أكثر ما تتبدى في الطفولة

كان قد مضى على عيد ميلادي السابع ثلاثة أشهر، وكنت أرى كما أي طفل، أنها فرصة جميلة لأكل الحلوى بإفراط، وأن تجعل الكون يدور حولك لساعتين أو ثلاث وأن تتسلم هدايا ترى أنك جدير بها. 
وكنت أنتظر حضورها بشغف، كنت أنتظرك أنت -يا باربرا ميليسنت روبرتس، من مدينة ويسكونسون شمالي الولايات المتحدة الأمريكية. 
انتزعت عنها الورق اللامع المصقول بوحشية لا تخفى. كنت -كسائر فتيات العالم من شرقها وغربها ، شمالها وجنوبها، ننتظر الجمال مجسدا ومعلبا. انتظر شعرا ذهبيا وخصرا مستحيلا وعينان كسماء صافية وابتسامة لعوب. الجمال السلعة. الجمال كما قررته شركة ماتيل الأمريكية. كنا نناديها دون كلفة "باربي" . في العام الماضي فاجأتني يا باربي بفستانك الفخيم، تخفين تحته زي راقصة باليه حالمة. والليلة انتظرك، من أنت اليوم يا باربي؟ تطايرت نتف الورق المفضض وانقضضت على الصندوق. 

ماندي؟!!!ساندي؟!!!
من أنت؟

لو ترون وجهي ليلة عيد ميلادي السابع..ترون خيبة -الأمل كما هي. عارية، لا تتدثر بخرق الكرامة و الكبرياء

الشعر قصير، يا الهي يا الهي...شعرها قصير.
اللعنة على حركات (الفيمينيزم) التي لم نجني منها سوى خيبات الأمل المعلبة. مجموعة من السيدات المشعرات البدينات ينادين بالجمال الحقيقي، أو الجمال العملي.  أنها نهاية العالم لا ريب. وإلى أين تذهبين يا ماندي ساندي أيا كان اسمك...إلى البحر؟ ليته يبتلعك ولا تعودين، أين حذاؤك العالي، ولماذا تفلطحين قدميك وتسيرين في الأرض؟ ولعلك تمشين في الأسواق وتأكلين الطعام...واضح أنك تأكلين الطعام، أين خصرك؟ سعيدة أنت بحالك فخرجتى تستعرضين جسدك  في (مايوه)؟ وفوق هذا عيناها!عيناها سوداوان. تذهب إلى البحر بعينين سوداوين؟

لا لم تكن خيبة أمل..كانت خيانة. إذا كانت تلك المشاعر متاحة لفتاة في السابعة. ولكن كما كنا نتجرع كوب الحليب كل صباح، ابتلعت خيبة أملي في جوفي الذي اتسع لخيبات أكبر فيما بعد، واستطعم حلقي من بعد مرارة "القناعة" ..ذلك الكنز الذي لا يريد أن يفنى

مضت ثلاثة أشهر على تلك الليلة العصيبة. دق الجرس وانتظم التلاميذ على الفراش. بابا سنفور بقبعته الحمراء، ولحيته البيضاء التي لا بد وأن الحياة قد عركتها، لكنها لم تعوزها الحكمة في أن تجلس وتتعلم أن الشمس تمدنا بالضوء والحرارة. و مصارع روماني لم يرى أي حرج في أن ينتظم في الدراسة وهو يلف فوطة تخفي "رجولته". ديريك (حبيب باربي السابق) وعازف روك اند رول بارع، ببدلته الوردية الصارخة وبنطاله الجلدي وابتسامته التي تفسح لغمازتين تذيب قلب باربي وام باربي ذاتها. وبالطبع باربي، بفستانها القصير وابتسامتها المشرقة وشعرها الذهبي. والرجل الالي: روبو كوب...وهو "كينتور" اغريقي حديث. استبدل نصفه الادمي برجل آلى. ونصفه الحصان بدبابة. بديهي أنه كان "الالفة" . ثم كانت هناك ساندي أو ماندي. ويل لك من الناس وويل للناس منك يا "ما اسمك؟" اعجزتني الحيل معك. بدءا من عدم التزامك بزي المدرسة. أكرر مائة مرة هذا فصل وليس شاطئ. وليت كل هذه الجرأة تصحبها فطنة. بالله عليك يا ساندي الا تعرفين أن تفاحة وتفاحة وتفاحة هي ثلاث تفاحات وليس خمس؟ أليس تحت هذا الشعر القصير عقل يفكر؟

إلا أن الغباء ليس عيبا، حتى وأنا في السابعة أدرك أنه قدر. ولم يكن سببا كافيا لتبرير البغض الذي كنت أكنه لها. وكم كانت مغيظة، كانت نظراتها تشيح أبدا، عبثا أحاول أن أجعلها تنظرإلي. كأن ليس في كلامي ما يثير اهتمامها، كانني أمامها مجرد..طفلة! وتبتسم بـ بـ ...لا ليس بمكر..ليس بخبث..بشيء أسوأ..كانت تبتسم بـ..بموضوعية

حسن! يا ماندي ساندي أو أيا كان اسمك، طالما طفحت مشاعرنا إلى السطح كما هي دون مواربة، وطالما أعلنتها حربا علي أبحتي فيها كل الاسلحة.استعدي

وشرعت دون خجل ألفق لها التهم، تارة شروع في قتل بابا سنفور الوديع من أعلى تلة الفراش، تارة سرقة الواجب من المصارع الروماني، الذي كان يكدح ليله مصارعا الاسود والوحوش ليلتحق بفصلي الدراسي دون كلل أو ملل. تحرش بديريك الذي صد كل تلك المحاولات بنبل إذ أنه كان أسيرا لحبه الأول. ولكن كانت القشة التي قسمت ظهر البعير هو تامرها على باربي. لا أدري ما الذي فعلته بالضبط، ولم يكن ذلك مهما، كل ما كان يعنيني هو قلب باربي الكسير، ودمعها الذي حاولت أن تخفيه خلف ابتسامتها المصقولة. أوصلت بك الجرأة يا ساندي؟ باربي الطيبة، ألم يكفك أنها معاقة؟.نعم باربي يا سادتي كانت كسيحة، كانت ضحية توتري الذي أفرغه بقضم قدميها المطاطيتين الرقيقتين.  كل هذا ارتكبته بدم بارد، وبجلد مطاطي...كل ذلك ارتكبته ماندي..بموضوعية

كانت تلك جريمة لا تغتفر. لا لن يفيد أن احبسها في صندوق الألعاب، لن يجدي معها ضربها بالحائط، لن يفيد لطمها أو كسرها أو أيا من ذلك. كان لا بد أن ادبر لها العقوبة المناسبة

جلست وتأملت، حتى اتصلت بذاك النبع الصافي لقسوتي..القسوة النقية الصريحة..فكان ما كان.

محاكمة علنية!!!.إذ لم يكن كافيا أن تعاقب، بل كان علي أن اجمع مع ذلك ذل أن تدرك أن عقابها هو للصالح العام. و"هوان" تقبلها لذلك الحكم. جمعت أطراف النزاع، ضحاياها السابقون (وإن كان علي أن اشير إلى أن حماستهم وسعادتهم بالمحاكمة أزعجتني قليلا). بالطبع دفاعها الوحيد المسموح به هو اقرارها بالذنب، واعترافها أن الخسة والخبث هو من معدنها أو مطاطها.ولأول مرة كانت ابتسامتها غير موضوعية، كان بها مسحة حزن لم تجد منفذا إلى قلبي

ناديت على روبو-كوب، تابعي الأمين، ساعدي الأيمن. وأعلنت: "حكمت المحكمة حضوريا على ماندي -ساندي أو أيا كان اسمها بالاعدام فعصا بالدبابة

وقفت ماندي بثبات تتقبل مصيرها، تقدمت إليها الدبابة ببطء، لم يهتز لها جفن. وابتسامتها كانت شجاعة. متحدية، ابية. واكتسى وجهها بمسحة جمال حقيقي، برغم شعرها القصير وخصرها المتسع وعينيها السوداوين.اقترب منها روبو -كوب يجر نصفه الثقيل. هتفت (بالطبع-فكلنا نعرف أن قرب النهاية يستبين الحق) هتفت ماندي بالشهادة قالتها بتضرع حقيقي (اشهد أن لا اله الا الله وأن محمد رسول الله) وارتجف قلبي لخطفة، ولكن..سبق السيف العذل..أو الدبابة للدقة. ماتت ماندي أو ساندي أو أيا كان اسمها
وتوارت للحظة باربي وانطفأ شعرها الذهبي، توارى الجميع، ولم يكن هناك سوى الساحة وجسد طاهر ملقى اسفل دبابة

وانهرت باكية


وجد الباحثون في جامعة باث البريطانية أن غالبية الفتيات بين سن السابعة والحادية عشر قد عرضن دماهن إلى التعذيب أو الحرق أو الكسر أو التشويه

في ذكرى ساندي/ماندي 1987-1987
 

4 comments:

  1. موضوع فى غاية الروعه ميسون لله درك وفقك الله وسدد خطاك

    ReplyDelete
  2. شكرا يا حافظ..اسعدتني والله

    ReplyDelete
  3. بطرح سبعة و ثلاثة أشهر من 1987 نصبح أمام حاصل طرح فاجع :-)

    ReplyDelete
  4. عييييك
    عوافى
    الق
    مشيوف
    ميسونوف

    ReplyDelete