Thursday 18 August 2011

حكم ضميرك


ان أتحدث عن أبو داوود؟ذاك مقام أنا دونه، وتتكاثف علي فيه الحجب فيرتج علي.
إلا أنني ما زلت أقارب وأسدد،عسى أن يمدني الله بفتح . فأنا في حضرة صوته دون مقام الشهود والتحقيق، حالي كحال السالك ولم يصل...منجذب ومجذوب

لكني سأتحدث عن من سلك وشهد ورأى وحقق، رحمة الله عليه، (وعليّ فمن غفلتي...يا لطيف) عن الفنان عبدالله أميقو، وورده لأبي داوود (حكم ضميرك)!  أميقو لا مثيل له في التنقيب عن الموسيقى السودانية ومؤلف مقطوعات موسيقية بديعة(اسأل الله أن يسخر لها من هو أهل بها فيخرجها من بئر التناسي والجحود) وفي تنقيبه في أغاني داوود كانت عدته: كلارينيت بالطبع، فلوت، جيتار، ساكسفون والات ايقاع إن لم يخني سمعي فهي البنقز) و تخير من أغانيه (حكم ضميرك، سيبوني بس، لي زمن بنادي، البرهة القليلة،ام در، يا عيني،أوتذكرين صغيرتي) سبع أغاني..سبع

Portrait by : Emad Abdulla
.

أول ما لاحظه المنقب العبقري، هو أن صوت أبوداوود فيه لمسة جاز، وكان هذا أكثر ما جذبني إليه. ليس فقط صوته الذي يذكر بأساطين الجاز كلويس ارمسترونج أو دوك ايلينجتون أو نات كنج كول، وهم دون أبوداوود أقولها صدقا ومحبة لا تعصبا، ليس فقط في خامة الصوت، لكن ذلك المزاج المدهش الذي لا تجده إلا عند مطربي الجاز ،  مزاج يجمع بين المتعة والحسية واللهو والشجن والحزن وشيء من الثقة المفرطة، هكذا درجوا على وصفها في اللغة، الثقة المفرطة، وأظن أنها مجرد وصف لمن يقدر فعلم أنه يقدر

لذا استهل اغنية حكم ضميرك ب"فرشة" جاز. جيتار وايقاع يمسكان الزمن ويعدان المزاج، ثم سيل من الكمنجات المرحة، يتخللها فلوت لطيف. لذا كلما استمعت إلى الأغنية تمثل لي داوود بسترة داكنة وباهظة، يضع يده في جيبه ويطرقع اللحن بأصابع يده الاخرى.
وألطف ما في الأغنية هو أن اللحن يتوارى عندما يغني داوود، فإن صمت ردت عليه الأوركسترا قوله. خذ مثلا-يقول (بقيت أسيرك) فترد الكمنجات (حينا..أوشيء من هذا القبيل)  ويقول (ما عرفت غيرك) فترد (ها..وبعد؟) شيء عجيب





أما أغنية (سيبوني بس) فلم يوطنها على لحن جاز وحسب، إنما لحن جاز بدائي وسوقي جميل. ليس كذلك الذي يولد في قاعات الموسيقى أو استديوهات التسجيل، إنما ذلك الذي يولد سفاحا في خمارات متهالكة على بيانو متقطع الأوصال، غارق في الدخان والسعال. تنترررن تن ترن تن تن...لحن ينبع من فم المعدة
.
اوتذكرين حبيبتي؟ في هذه الأغنية توجد تنغيمة جيتار بديعة عبقرية أو هي ما درج الفرنجة على تسميته بال(رف) بكسر الراء، وهو
عندما يعمل الجيتار عمل الة الايقاع. وتجد التنغيمة متسارعة تحفز عند المستمع احساس اللهفة و(الصربعة) وخفقان القلب وكل ما يصاحب أول الحب من مشاعر هوجاء. ويصيح داوود (المنديل؟) وترد الالات (ياتو؟) فيقول (المنقوش جانبه أوتذكرين وتذكرين) وهذه الأغاني من أغاني شيل الحال (أجارنا الله منها)وهي ضريبة تدفعها المعشوقة من عاشقها المستهام.




أجمل تسجيل يمكن أن تستمعه لأغنيتي الأثيرة لي زمن بنادي هي من توزيع أميقو. فاللحن سريع وخفيف ولطيف. وممكن أن تتصور حقيقة كيف أن المحبوب 
نافر جعل من قلب المحب وادي، يبرطع فيه كيفما يشاء




أما "الشغل" ما هذا يا عمنا أميقو يا عبقري...رحمة الله عليك ...ففي أغنية البرهة القليلة.عندما استمع إلى جلسات "الجام" وهي جلسات تنساب فيها الالات على سجيتها، درجت عليها بعض فرقنا الموسيقية بالفلوت والجيتار والايقاع، أقول في سري عودوا إلى "فرشة" اللحن في اغنية البرهة القليلة، شيء بديع ما له مثيل. هنا يطلق أميقو الفلوت ليتخلل اللحن، مزاج رائق يدخلك إلى جو الاغنية حيث تلك الجلسة على "تلك النجيلة" في داخل الخميلة...والتي لم تكن سوى لبرهة قليلة.

أنا اكتب هذه الاغنية بذاكرة وجداني وأذني..إذ أنني لم أجد على الشبكة أي من أغاني داوود بتوزيع أميقو سوى حكم ضميرك الموجودة بالرابط أعلاه.للأسف. تجربة فريدة، لو كان بيدي لاستنطقت أهل الدراية بها. لكني قليلة الحيلة ليس لي سوى الرجاء أن يفتح الله على احدهم ببركة هذا الشهر الفضيل

هناك تجربة أخرى في التنقيب في صوت داوود، ليس فيها براعة وحصافة أميقو، وهي تركيب صوت الفنانة عابدة الشيخ على صوت أبوداوود، في رأيي الشخصي لم تكن محاولة موفقة رغم أن الفكرة جميلة. لكن ليس هناك توافق في الاصوات، فصوت أبوداوود يتميز بقدرة فائقة على التحكم في حسه، يضع فرامل هنا و"يهدن" هنا حرفنة جميلة،وصوت عابدة جميل وقوي لكن ينساب ويتدفق دونما ضابط ولا رقيب

أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم...رمضان كريم


 


1 comment:

  1. its the story of our artists..from abu dawood to ameego..an incredible wealth of a unique version subsaharan heritage thats rather buried .sometimes one can't help thinking that the timing of this sudanese government 1989-soon..!! was quite a blow to our development ...as it coincides with the huge leap of communication in the last 2 decades..
    thanks for the enlightening blog.Deya

    ReplyDelete