Thursday 28 April 2016

حَيطَوِّل؟ ما حيطوِّل



"أعرف أنكم تتساءلون اليوم، حتى متى سيطول هذا الأمر؟ حتى متى ستغمض الكراهية أعين الرجال؟ 
لقد جئت لأخبركم في هذا المساء، انه برغم صعوبة اللحظة، رغم يأس الساعة، فإن الأمر لن يطول
لأن الحق المصروع على الأرض سينهض من جديد
هل سيطول؟ لن يطول
لأنه ما من كذبة مكتوب لها الخلود
هل سيطول؟ لن يطول
لأننا نحصد ما نزرع
هل سيطول؟ لن يطول
قد يكون الحق على المقصلة
والباطل على العرش
ولكن المقصلة مثقلة بالحقيقة تتأرجح بالغد القادم
وفي ضباب المجهول ، الله خلف ظل الغيب شاهد علينا
 هل سيطول؟ لن يطول
لأن قوس الفضيلة الكوني قد يطول وتره لكنه ينحني في الآخر نحو العدالة
هل سيطول؟ لن يطول
لأن عيناي قد أبصرت مجد الإله القادم
لقد هدم صوامع الحنق المٌخَمَّر
وقد شع بريق سيفه المهيب
وحقيقته تتقدم
لقد نفث في بوق نصره الذي لا يعرف الخذلان
ها هو يغربل قلوب الرجال أمام عرشه 
اه ، كن صافيا يا قلبي، امرحي يا قدماي 
فإلهنا يتقدم، إلهنا يتقدم
(قلوري هللويا، قلوري هللويا) المجد للأعالي، المجد للأعالي
فحقيقته تتقدم"
من خطاب مارتن لوثر كنق


Monday 11 April 2016

بعد الجامعة "آشك"

"آشْكْ" هو الصوت الذي يصدره بعضنا في التعبير عن اختفاء الشيء دفعة واحدة. وكأنه بفعل السحر

بإختصار ولن آخذ من زمنكم كثيرا

في الحقيقة منذ خبر نقل جامعة الخرطوم الى منطقة في سوبا وكنت اتوقع وأرى رأي العيان القروبات التي سأضاف إليها والمشحونة بالعاطفة الحارة والصادقة تجاه الجامعة. عاطفة الحنين للأمكنة والأحداث واسترجاع لتاريخ المقاومة الطلابية القديم، عاطفية التعلق بالرمز الوطني الذي يعرفه القاصي والداني في السودان 

وأنا أيضا عاطفية في كل ما أكتب عنه واذهب إليه، لذا كتبت وقتها في استيتس شخصي أنني أفتقر لتلك الحميمية التي تجعلني أكترث عاطفيا بالحملة. لكن حقيقة لقد غيرت رأيي

في البدء اعترضت على جملة " الجامعة خط أحمر" قبالة كل الخطوط الحمراء التي دهسها النظام الإنقاذي الحالي. لكن مع تدقيق النظر. فإن في نقل الجامعة أمر خطير وخط أحمر يداس فعلا 

فللنظام يدان تطوقان بها على عنق المواطن: اليد اليمنى يد الحرب والسلطة الأمنية ، واليد الثانية: هي يد سياسة التخلي والنفض الإقتصادي- بمعنى سعي النظام منذ بداية وجوده في يونيو ٨٩ من التحلل من أي نفقات ينفقها على الدولة وعلى المواطن- البايخ دا.

هناك شوكات حوت تقف في حنك هذا النظام وقد نجح في التحلل منها ، مشروع الجزيرة، المستشفيات الحكومية (والتي هي مرادف للصرف على الصحة العامة لأنو ما عندنا صحة عامة غيرها نصرف عليها-اللهم الا حملات التطعيم القومية)، وأخيرا التعليم


حسب ظني الفكرة عبقرية وشريرة. 

اذا رفعت الحكومة يدها عن جامعة الخرطوم. ف ياتو مؤسسة تعليمية من بعدها تستطيع أن تقول بغم؟ لو حقق النظام هذا، فلن ترى اي مؤسسة تعليمية منذ اليوم لا قرشا أحمر ولا أبيض. لا مدرسة ولا جامعة ولا دكاترة ولا معلمين ولا عمال. لا جامعة الجزيرة ولا أمدرمان ولا السودان ولا بحري (جوبا سابقا) ولا الجامعات الولائية. هذه الجامعة التي يتزايد طلابها بمتوالية عددية كل عام.

سيكون من الصعب على الحكومة خصخصة الجامعة في مبانيها التاريخية. هذه المباني التي تسرد تاريخا قديما كانت فيه الجامعة تحت جناح ورعاية الجهاز التنفيذي المباشر ويفرد لها حصة من ميزانية الدولة. كييييف ياخ، مدير جامعة الخرطوم بيعين بواسطة الرئيس شخصيا!! 

لكن اقوم انقل الجامعة إلى سوبا في مباني جديدة من الطوب الأبيض والزجاج الأزرق.  ثم ستدع الحكومة الامر يخمر لمدة سنة، سنة ونص ثم ستقول مثلا: أيلولة الجامعة لولاية الخرطوم (أي ان على الولاية تدبر امر مصاريف الجامعة لا الحكومة)، سنة اخرى و ستبتدع ولاية الخرطوم شي تسميه : إدارة الشراكة الذكية. بين الجامعة وبين مستثمر ما. بعدها لن تضطر الحكومة لإدعاء اي أمر اخر. 

بعدها سنرى شراكات ذكية في كل مرفق تعليمي عام

والحقيقة أن الحكومة شرعت في سياسة تقليل الصرف والتخلي مع جامعة الخرطوم "بالتدريج الميت" منذ زمن، بدءا من "القبول الخاص" و"الدبلومات"، تهالك الداخليات واخلائها ، مرورا بالإستغناء عن خدمات (كبار الاساتذة) والاكتفاء معهم بعقود المشاهرة ، اضافة الى كورسات معاهد الدراسات العليا الخاصة، وبيع بعض مرافق الجامعة. وتأخرها في دفع مرتبات العمال (تذكرون اضراب نقابة جامعة الخرطوم -وهي نقابة حكومية ضمن قانون نقابة المنشأة وهي ذات النقابة التي ضربت بها الحكومة نقابة اساتذة جامعة الخرطوم- بسبب عدم دفع المرتبات).

 كل ذلك كان اجراءا ميتا.

ليس ضروري ان تبيع الحكومة مباني جامعة الخرطوم الحالية ولا اراضيها. ممكن تخليها كدا. سنة ، سنتين، تلاتة، اربعة ، خمسة، عشرة، عشرين. لكنها سترتاح من مصاريف جامعة الخرطوم (وبالتالي اي مؤسسة تعليمية اخرى) في التو والحال.  

ال ١٨٪ التي تدفعها الحكومة المركزية تجاه المؤسسات التعليمية الولائية (مدارس، جامعات، مرتبات) سترتاح منها وستكون في ذمة الولاة الذين إن لم يوفوا بمستحقات التعليم فمسئؤلون -أمام الله- كما قال سيادة الريس عمر البشير.


ال ١٦٪من الصرف الحكومي على التعليم و ٣ ٪ من قيمة الناتج القومي. "آشك" -ناس الحكومة ارتاحوا

طلاب الخرطوم الآن خرجوا ضد نقل مبانيهم اليوم وخصختها في الغد، لكن الحق اقول على طلاب واساتذة جامعة الجزيرة والسودان والاسلامية وبحري وسنار والفاشر والدويم وغيرهم أن يتحسسوا مقاعدهم 

طلاب المدارس الحكومية في الخرطوم والولايات أيضا، قدر الفي دا تاني مافي

العمال ، بعد الخصخصة سيكون هناك تقليص للعمالة، وتعاقد بشروط أكثر اجحافا، وربما عمالة مؤقتة. فتحسسوا

بعدها ستتفرغ الحكومة للصرف على نفسها وعلى "صيفها الساخن" في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق التي اصطلينا منها منذ ثلاثة عشر سنة

ولن تبخل بعد اليوم على جهازها الأمني. الذي لن تطلقه على النشطاء، بل على المعترضين على نزع الأراضي، والزعلانين من انقطاع المياة، والبرمجة غير المبرمجة للكهرباء، والجوعى، والمرضى.  


جامعة الخرطوم هي  ثور الأبيض في مراح ثيران الحكومة البيض. إن أُكِل....كملن لحيماتنا الفضلن.







Saturday 2 April 2016

توسيع خيال المواطن

انحسار الخيال. أستلف العبارة من أرونداتي روي، الكاتبة والروائية الهندية الفظيعة والتي أٌجْمٍل بها كل تعديات وتجنيات الأنظمة المتسلطة والمدافعين عن بعض أفعالها من المواطنين "الموضوعيين" ، وهو العجز عن رؤية الصورة كاملة، العجز عن تخيل احتمالات أخرى.


وهو ما خطر في ذهني عند انتشار خبر اعتقال الناشطة في مجال حقوق الطفل الأستاذة نسرين علي مصطفى قبل عام ، وفي يوم يصادف تراكم ٤٦ عاما من تعاقب نظامين مهيمنين علينا. ٢٥ مايو ٢٠١٥. ولليوم دلالته! تم اعتقال الأستاذة نسرين علي مصطفى لقرابة العشرين يوما(حيث تم اطلاق سراحها في ١١ يونيو)  بواسطة جهاز الأمن لأنها تحدثت في ندوة أقامتها جمعية حماية المستهلك عن ما يحدث للأطفال في حافلات ترحيل المدارس من تحرش جنسي. بعد حبس عشرين يوما خرجت الأستاذة نسرين معتذرة للرأي عن كلامها الذي قالت أنه افتقر للشواهد والأدلة.
وبعكس ما جرى إليه من مناصري نسرين أو من الشامتين الحانقين على النشطاء. كان سؤال واحد يلح على ذهني. جهاز الأمن الوطني؟ حقا؟ يحتاج الأمر إلى حبس عشرين يوم، ومصادرة للصحف (بعد النشر) بسبب خبر (كاذب) حسب ما اتهمه بها جهاز الأمن؟؟ ألم يكن يكفي مثلا الزام الصحف  بنشر نفي واعتذار، ورفع قضية على المتحدثة وتغريمها؟ لماذا جهاز الأمن؟ ولماذا الاعتقال؟ (جهاز الأمن أسماه استدعاء- لكن اعتقد ان الإحتجاز لأكثر من يوم يمكن أن يسمى اعتقال ولا شنو؟)





لاحقا في حوار أجرته الصحفية لينا يعقوب مع مدير جهاز الأمن " محمد عطا" علل فيه  أنه تم حبسها لأن القضية تمس الأمن القومي!! وعضد ذلك بشرح حالة الهلع التي اصابتها المتحدثة وسط الآباء الذين لديهم اطفال في الترحيلات


كلو ولا الترحيل (!!)


كلام مدير الأمن محمد عطا يقودنا إلى الخلل الأساسي في قانون جهاز الأمن المغلق ، وهو غياب جسم رقابي عليه. مما يجعل البراح واسعا لجهاز الأمن أن يحدد على كيفه ما هو ومن هو المهدد للأمن. ثم له ان يتصرف بعد ذلك على كيفه: حبس عشرين يوم، حبس خمسة ايام، حبس 11 شهر . وهذا الغياب يدفعني لأن أردد كثيرا أن جهاز الأمن وفق توصيف قانونه لعام 2010 يجعله أشبه بمليشيا خاصة للسلطة الحاكمة، اداة تأديبية للتنكيل بخصومها ،تستخدم سلطة وصلاحية الضبط  والاعتقال كوسيلة تأديب (لا وسيلة تحري وتقصي).


فمن ناحية-كما نبهني الأستاذ نبيل أديب المحامي وقد نوه إلى ذات الأمر في عمل الشرطة السودانية- أنه لا بد من علة للضبط. أي لازم يكون في سبب للحجز والإعتقال. ففي حالة الأستاذة نسرين ما هي حلة الإعتقال لدى جهاز الأمن لمدة عشرين يوم ؟ هل هناك خوف من تدمير أدلة ما إذا لم يتم احتجازها؟ هل هناك خوف من هرب المتهم وعدم مثوله أمام جهة قضائية (اذا ما وجهت في الأصل تهمة). يبدو أن الغاية فعلا هو استخدام الحجز والاعتقال كأداة تأديب وتنكيل. وهذه ليست من صلاحيات جهاز الأمن.
لذا كان ما نادى به العديد من المناهضين لقانون الأمن الوطني 2010 أنه لا بد أن تضبط أهلية وصلاحية التحقيق والضبط والإعتقال بواسطة طرف ثاني (غير تنفيذي) هو السلطة القضائية (كقاضي مستقل) أو سلطة عدلية (كمكتب النائب العام). ليكون العبء على جهاز الأمن أن يثبت للطرف الثاني أن المستهدف هو مهدد امني ولماذا هو مهدد أمني، فإما أن يؤيد الطرف الثاني هذا الطلب وبذا يتحرك جهاز الأمن أو أن يرفضه فلا يكون لجهاز الأمن من سبيل على المستهدف.
وأعود مرة أخرى لقضية الأستاذة نسرين وقولها المهدد للأمن الإجتماعي بحسب وصف مدير الأمن محمد عطا، والذي سبب بلبلة لدى اولياء الأمور. حقا! أكثر من البلبلة التي كان يمكن ان تثيرها وزارة التربية والتعليم ولاية الخرطوم حين كان من ضمن مقترحاتها (بعد الكشف عن اعتداء معلم على ٢٦ طالب عام ٢٠١٢ّ) من أن يخضع المعلمون والتربويون في المدارس "لقسم وميثاق شرف".
ثم وتنبيه اخر من الاستاذ نبيل أديب المحامي: ما هو عنصر "التهديد الأمني" هل هو "القول"بأن هنالك تحرش جنسي في الحافلات؟ اذا كان ذاك؟ فما فائدة الإعتقال؟ كلام نشر وانتشر، وهو مثبت عليها. فأذهب به إلى المحكمة. أو أن "وجود" التحرش الجنسي هو المهدد الأمني؟ الأجدى اذا ان تستعين بمن نبهك بوجوده.


لكن في الحقيقة ستسوقك كل الإجابات إلى أن الإعتقال كان لمعاقبة الأستاذة نسرين على قولها (صادقا كان الحديث ام ملفقا لا يهم)- وتجد أنك مواجه بحقيقة : أن المعاقبة ليست من صلاحيات جهاز الأمن.


إنتهى الإعتقال بالإفراج عن الأستاذة نسرين علي مصطفى واعتذارها للرأي العام على ازعاجه. وتلقف هذا الإعتذار الكثير من "الموضوعيين" والذين يمكن أن تطلق عليهم "اصحاب التفكير البسيط" شامتين على النشطاء الملفقين ، مربتين على كتف جهاز الأمن : أن لا غبار ولا تثريب. خاصة وأنها : تستاهل. هؤلاء البسطاء الذين أزعجهم "تلفيق الناشطة" انحسر خيالهم لدرجة أنهم رأووا تنكيل جهاز الأمن بها أمر عادي، فهو كل يوم ينكل بالنشطاء، هذا ما عرفناه عن جهاز الأمن منذ بزوغ نجمه مع "نظام مايو" حتى يومنا هذا .
اذ ان الفوضى التي نعيش في أطنابها منذ أكثر من عشرين سنة، أفقدت المواطن القدرة على تخيل الدور المناط لمؤسسات الدولة ومعنى القانون واهمية "تحديد السلطات" و "محدوديتها"- محدوديتها- محدوديتها.
لا بد من خطاب التغيير الذي يعمل على شحذ خيال المواطن البسيط المنحسر الخيال، حتى لا نرى الدعوات ل"اعدام المغتصبين في الميادين العامة" او تهليلنا لسحل المتهمين في الشوارع أو الشماتة المجانية على النشطاء متغاضين عن أبو كبيرة.

-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

ملحق:

قضية التحرش الجنسي والاعتداء على الأطفال (سواء بدنيا او معنويا او بالإهمال) هي مسألة في غاية الحساسية  ولا بد من التنويه للمناطق التي يمكن أن يجري فيها التحرش والتي فيها مساحة انفراد بالأطفال و التي يجب أن تكون محل سهر ومحل نظر السلطات ك"حافلات الترحيل، كمركبات الأطفال في الحدائق العامة والملاهي، كالحمامات العامة في مناطق تجمعات الأسر، كأندية الأطفال.. الخ ". و تشترط أن يكون هناك اشراف للترحيل المدرسي ، تشترط أن تكون هناك رخصة خاصة تسمى (رخصة العمل مع الأطفال) لكل من يعمل في مجال له اتصال بالأطفال. من شأن هذه الرخصة أن تصنع سجلا للعاملين مع الأطفال ، بحيث ما إن تثبت حادثة اعتداء او تحرش أو اهمال من قبل عامل في حق طفل ، يمنع من العمل مع الأطفال .