Tuesday 18 October 2011

الحمدلله أنني لم أعطس


صبيحة اليوم التالي... اغتالوه

في اليوم الذي سبقه، في ممفيس، و هو يتلو موعظته الاخيرة تذكر ذلك الخطاب الذي جاءه قبل عشر سنوات من تلميذة في المدرسة.

كان في نيويورك، في حفل توقيع كتاب صدر له. تقدمت نحوه امرأة سوداء، تحمل في صدرها سؤالا وحيدا

"انت مارتن لوثر كنج؟"

 ثم اخترقت صدره مدية باردة.

اتكأت المدية على طرف الاورطة، قرب شريانه، "لو أنك عطست لأنتهى أمرك" قال طبيبه

انهالت عليه الخطابات من كافة ارجاء العالم. خطاب من رئيس الولايات المتحدة "ايزنهاور" لكنه لا يذكره. خطاب من نائب الرئيس "نيكسون" و لا يذكره. خطاب من حاكم ولاية نيويورك لم يذكره. يتذكر الان فقط خطاب من تلميذة في مدرسة كتبت اليه:

"عزيزي الدكتور كنج

أنا تلميذة في الصف التاسع  من مدرسة وايت بلاينز.

وبرغم أن هذا الامر لا يجب أن يعني شيئا:أود أن اذكر أنني بيضاء.

قرأت في الصحيفة الحادث المؤسف الذي جرى لك، وعن معاناتك.

وقرأت أيضا في الصحيفة أنك لو عطست ..لمت.

إنني أكتب إليك فقط لأقول شيء واحد...

انني سعيدة جدا أنك لم تعطس "

 

خطاب : لو أنني عطست 1968

Saturday 1 October 2011

استغفر الله العظيم!رقصت



هذه القصة ليس وراءها شيء ..هي حادثة تافهة أحببت أن أحكيها كما هي، ان احكيها لأثبتها في الذاكرة إذ أنها تتنصل منها وكانها حدثت لشخص اخرغيري. هي حادثة عابرة اضعها بين يديكم كما هي ، أجدها ألطف هكذا دون زيادة أو نقصان.

كانت سنتي الأولى في الجامعة...حرية!
 وأعني بذلك انني تخلصت أخيرا من الزي العسكري البغيض الذي كنا نرتديه في المدرسة.لم تشأ الحكومة أن تثبت وجهة نظرها إلا عبر فتيات كنا يتبرعمن للتو من طور الطفولة، ويقبلن على الحياة..كأنه لم تكفنا الهرمونات تنهش فينا يمنة ويسرة.
أي وجهة نظر؟
الجمع بين الشرعية المدنية والعسكرية في آن. كنا نسميه تأففا "المبرقع"! لطخ عسكرية موحلة على ارضية زرقاء حالمة حيكت من خيوط صارمة تخمر عصائر الجسد.

بس! هذه هي كانت الحرية..لا غير

اقف على شارع النيل أمام جامعة الخرطوم، انتظر "الترحيل". نعم كنت من "اولئك" الذين من الجامعة إلى البيت ومن البيت إلى الجامعة. المهم! كنت على الرصيف أنا وصديقي (ج) وصديقى (أ.ع) ننتظر.

ننتظر و نثرثر ...عن ماذا؟ لا شيء حقيقة وكل شيء...لا شيء فالخرطوم لم تكن تمنحك شيئا تثرثر حوله.. وكل شيء إذا كنا نردم هذه الهوة بالأحلام: عندما أتخرج سأفعل كذا وكذا..وسأسافر إلى هنا وهناك . كانت احلاما مرتبة وموثقة ..يقول انه سيدرس في جامعة بأمريكا، ويعرف بأي سكن سينزل، وبأي كلية وما الدراسات التي ستقدمها. أحلام أحلام.

الانترنت!كان صرعة (كما يقول الشوام)... لديك حساب بالياهو؟ إنه افضل من الهوتميل... اليوم جاءني ايميل من فلان قال فيه سلاما وكلاما... انظر بحثت عن اغنية لورين هيل وطبعتها..يلوح فخورا بورقة.

حفلة اليوم؟
 ستأتين؟ ديسكو نابغ يا مان؟هل نمر عليك؟يوجد مكان بالعربة أنا وخالد وسمولي ودينا وزينب واحمد وفهد وابراهيم..يوجد مكان!
! ومع من سأرجع؟ يومها لم تكن الطرقات تتكاثر بالمواصلات كما هي اليوم...كانت الناس لم تطمئن بعد إلى رفع حظر التجول، وتنتظر أول فدائي يتحقق من الامر بنفسه.
الديسكو..لا يستدرجنكم الاسم... هي حفلة تدار في منزل، بميكسر اسطوانات كبير كتب عليه بقلم الفلوماستر: ديييسكووو نااابغ وماكينة شاورمة تنحل عن جلدها شرائح لحم هزيلة و خالتو وعمو يجلسون في الحديقة يرشفون...الشاي!
 سأحضر معي كعكة وأنت؟ أمي ستعد لي بعض الفطائر؟ هل تعرفين تلك الحركة في أغنية "جست كروزن" ؟ أية حركة؟ هذه!


آآآآا هذه.

مرت ثواني..صوت احتكاك اطارات سيارة، دارت عربة "بوكس" دورة بهلوانية كما في افلام المطاردات وعكست سيرها في اتجاهنا. توقفت العربة أمامنا. قرأت على الباب: شرطة النظام العام. كان يجلس قرب السائق رتبة...لا أدري ما الرتبة لكن يبدو من الاسبلايتات أنها رتبة لا بأس بها. وتكدس على ظهر البوكس بعض العساكر كانوا يشعون بمتعة خفية..اعني أنها كانت خفية علي.
مد الرتبة رأسه من النافذة
"انتي! كنت ترقصين!"
"انا؟ ..ابدا"
"بلى...كنت ترقصين"

حاول "ج" التدخل..

"يا جنابـ..."
"قلت لك لم أكن ارقص"
"تغالطيني...كنت ترقصين"
"لم أكن ارقص"
"رقصتي...الم ترقص يا شباب؟ "
"بلى رقصت"
"لم أرقص"
"كلهم قالوا رقصتي"

هززت كتفي وقلت بصدق عميق
"لم ارقص"
كان الرتبة بدأ يمل هذه اللعبة، استعدل في جلسته في اشارة على اثرها انتظم العساكر على ظهر العربة بما يسمح بركوب شخص واحد. (علي أن أشير هنا ان سبعين في المائة من ميزانية الدولة تصرف لمثل هذا)
ثم للحظة انتبه الرتبة لأمر ما، نظرمليا في عيني... رأى شيئا لم يكن فيهما، لو كان يعرف القراءة لقرأ عليهما الحيرة...حيرة صافية، كمن يتأمل مسألة حسابية معقدة.
استدرك الرتبة وسألني
"إنتي بت ناس منو؟"
رأيتم؟ ....رأيت أيها القارئ العزيز

قمت بحساب الوضع في ثوان، وقررت الامساك بخيوط اللعبة
قلت بثقة وشيء من الاستعلاء
"بت ناس النجومي!"
قلب الامر في رأسه...النجومي ..النجومي....الاسم ساطع ولامع...لعله..فهذه الحكومة لم تترك بابا لم تطرقه..هل أعرف نجومي من العليين؟...هل..هل؟ أم هل؟

لو عرف الرجل..لو عرف حقا... فالحكومة لم تطرق باب النجومي.. ولم يطرق بابهم احد من قبل..فهم كما تركهم جدهم وهو يشق طريقه شمالا بجبتة متروزة وحربتة المركوزة. لم يخلف لهم لاسلطة ولا نفوذ ولا جاه. بل وليته ظل الامر كذلك فقد اشفعها بدعوة تمتد إلى اخر نسله أن لا "يغنوا يفوتوا ..ولا يفقروا يموتوا"
وكانت هذه تثير حنق اخوتي وابناء عمومتي من ارادوا المكابسة في السوق
 "وهو مالو ومالنا؟"  "أما سمع :اللهم اتنا في الدنيا حسنة وفي الاخرة حسنة؟" أو "غايتو..!"
لم يخلف لنا سوى اسمه...وهو اسم.... موحي

جرب حظه من جديد
"أبوك شغال شنو؟"
رميت بااااخر كرت لدي في هذه المقامرة
"في وزارة الخارجية"
 فخمت الخاء أكثر مما يجب..وأبي أيضا ، كثر الله خيره التحق بوظيفة موحية. يعمل بالخارجية نعم..لكنه التحق بالعمل في منظمة نفطية بالخليج منذ اكثر من ثلاثين عاما، مخلفا وراءة حياة الدبلوماسية ومكاتفة الوزراء والرؤساء ليحصرها في احاديث السمر مع من طاب له من اصدقائه. لم يكن من تلك القطط البدينة التي خلطت قدر الدبلوماسية بالسمسرة والتجارة.  لكن من سيعرف بذلك؟ الرتبة؟!! يكفيه مني هاتين الكلمتين ولن أزيد :النجومي والخخخخارجية

قلب الامر في رأسه من جديد...كان عنيدا هذا الرتبة...الأمر لا يستحق المجازفة...فعلا لا يستحق
أحكم اغلاق باب العربة وهمهم دون ان ينظر إلى
"تاني ما تعملي كدا"
غيمت سحابة من خيبة الأمل على وجوه العساكر وتبعثروا من جديد على ظهر العربة
هززت كتفي مصرة أني لم افعل شيئا.
وانطلقت العربة...وانا انظر إليها في حيرة ...في حيرة حقيقية

وبعد دقائق تذكرت
آآآآآ...الحركة!...هي!! صحي والله ..رقصت!


في الديسكو..وهذه الحركة على الأرجح