مامون التبيعة
"في سيرة الظل من العويش إلى اللبلاب"
"في سيرة الظل من العويش إلى اللبلاب"
1
عماد عبدالله
قال خاله عباس : ( دفنوا الولد و خلو التبيعة .. الله لا كسّبك يا
ود عطانة و لا غزّا فيك بركة (
حكى لي أيضا فقال : ( ناس حبوبتك " بت المرين " كانوا
لمن المره تولد , يقومن يشيلن التبيعة في طش كبير يا كمان قصرية , و يجيبن سعفات
نخل .. سمعت مني ؟!! .. و سبعة حبات عيش ، معاهن سبعة فحمايات و سبعة تمرات و سبعة
حلاوات .. سمعت ؟!! و ينادوا شفع الحلة يتلموا كلهم بي سلامتهم . تتحفر حفرة في
ركن البيت قريب الباب كدي , و يقومن يدفنن التبيعة و معاها العيش و الفحم و التمر
و الحلاوات السبعة ديلاكا .. سمعت مني ؟!! حتين بعد داك يغزوا فوقهم السعفات .
الشفع لازم يكونوا بيضحكوا في اسناء الحكاية دي , إشّالا بالغصِب , لغاية ما تنتهي
خالس .. سمعت ؟!! . أها يومو داك لمن ولدوا مامون , الشفع كانوا في الفسحة مغبرين
و عجاجتم رابطة . نادوهم عشان يجوا يضحكوا . الفاتح ود سعيد و نادر ود اليماني و
معاهم يونس طمبل , الشفع التلاتة ديل أبو يضحكو كلو كلو , سمعت .. ؟!! كانوا
متشاكلين اظنهم و يصرصروا لي بعض !! .. بت المرين و عمتي سعدية و خالك عبدالرحيم
دقوهم دق العيش عشان يضحكوا .. بقوا يضحكوا و يبكوا .. سمعت ؟! . الله يرحمو أبوي
صالح راقد في ضل الديوان يعاين سااااكت , ضحك رحمتو اللاهي عليهو و قال لينا :
غايتو الشافع ده يا مرق غنماية ساكت .. ولّلا كمان جاب لينا الكَفوَه) .
عرفت لاحقاً بأن " شريفة الداية " كانت قد سحبت رجل
مامون في يومٍ بدأ صباحه مترباً . إذ استيقظت الناس على إظلام تام للمدينة التي
قبعت فوقها سحابة سوداء من " الهبوب " سادةً للأفق داير ما يدور .
تشاءمت شريفة الداية و أسرّت للنساء حولها : (أريتا يا يمُه ما تمرق بنية .. عاد
كُررر كان مرقت بنيه !!! ). لكنها و الدنيا قريب المغارب كانت قد سحبت رجل مامون
على أية حال, ممنية النفس بغنيمة السماية و بقية العطايا . فيما بقيت المدينة
مكندكة بحالها المترب ذاك حتى دخلها الليل .
قالوا أن الهبوب تلك و في يومها ذاك
بقيت قياساً ,فلسنوات من بعدها تناقلت الحكايات ما مفاده أن " سقف الزنك حق
ناس ود العمدة " طار فسقط على فريق القنا فقطع رؤوساً كثيرة . ثم ما وجدوه من
بعد بحثٍ كبير إلا مغروزاً في الخلاْ خلف " الحزام اللخدر " . و أن
طيارة الصباح الفوكرز قد زحفت جراء الهبوب من المطار و إلى الغرب زحفاً كنست فيه
من بيوت كرتون حلة الفلاتة ما كنست , فما أوقفتها إلا شجيرات الدوم الثلاث "
لحجة خدوم " شمال مقابر فاروق . و أن الناس يومهم داك وجدوا " نعيمة أم
سوط " بت الحلب الضعيفونة معلقة فوق درابزين السكة حديد من بعد أن شالتا
الهبوب و طاردها أرضاً عمك " يوسف القبطي " و أولاده . و أن "
خجيجة خَشُم شكّو " أخرجت مئات صحون البليلة عملاً لي الله حين تهبرك سقف
الحصير و الطين لأدبخانتهم الجديدة , فأخذ معه المرحوم زوجها في طياته نزولاً لبير
الأدبخانة المحفور بطول خمسطاشر راجل , فأراحها الله و الهبوب من زوجها "
السماني ود بابكر " النقناق .. فعادت في مسماها : أمةُ لله تشد العرقي .
ليوم بطوله , و من لحظة ولادته و مامون لم يصرخ و لم يبك كحال
المواليد !!!, لكنه ظل مبحلقاً إلى سقف الغرفة ذو الحصير و المروق القنا , حتى
أخاف النسوة جزعاً على جزعهن من الهبوب الرازحة البلدة تحت عصفها , فقرأن حرزاً
سوراً من القرآن حافظات و تحوطن و انسحبن خفية إلى بيوتهن . قال جده لأبيه , الحاج
حامد ود الكرسني : ( بت أبوهاشم فوق ود الكرسني .. الله يحضرنا زمنو الشافع ده .
ياهو الجايبا لينا ضقلا يكركب).
في أربعينها أتوا لأمه بمغنية تقدمت السيرة حتى البحر . حملته أمه
ملفوفاً على ملاءة حريرية حمراء , و علقت حجابين على صدره , فيما جدلت جدته "
فاطنة المرين " أنشوطة حول رسغه محلاة بسوميتة . ما كف مامون عن البكاء
عالياً حتى طغى " حِسه " و حلقومه الكبير فوق فرقعات ( الشّتّم ) و
الدلوكة التي جهدت المغنية " الرضية " في ضربها محمولة على كتف النسوة
من الحلة و حتى ( الشريف يوسف الهندي ) في بري بحر أزرق . هناك غسلوا وجهه بماء
النهر سبعاً , حملته أمه إلى داخل الماء خوضاً حتى إلى ما تحت ركبتيها .. فغسلت
وجهها كذلك , ثم أخرجت ثدييها فغسلتهما لها خالتها " مكة " و دلكت على
حلمتي صدرها و هي تبرطم بطلاسم و أدعية و أهازيج غير مفهوماتٍ " نادِهة
" بها على شيوخها و جدودها " رجال القُبب " .
حكوا فقالوا أنه و في ذات المساء و مباشرة من بعد عودة السيرة ,
حُملت المغنية الرضية للبصيرة " آمنة بت الرجال " و هي تولول من لواية
أصابت بطنها فما أفلحت في مداوتها بالحرجل و السنمكة و الجردقة السفوفة . قالوا
فما أن انتصف النهار إلا قليلا في يومها التالي إلا وكانوا قد دفنوها !! .
" مامون
التبيعة " كان معتوهاً كبيراً و جميلا . قيل أنه قفز في مرةٍ إلى ظهر حصان
عربة الكارو و هي محملة بجوالات الفحم .. فلما أعيته محاولة تقمص دور الكابوي
روبرت ميتشوم , أفلت فانزلق فتشبث بعنق الحصان و خنقه " كربون " خشية
السقوط تحت حوافر البهيمة الضحية . حكى مامون الواقعة لمحاسن ابنة عمته في معرض
دفوعاته في شأن حبه لها , و الذي بقي يقطعه في حشاه : ( شفتي يا بت .. قلت الليلة
بس يا أنا ياهو . قمت قمطتو ليك بالجنبة كده قمطة عجيبة خلاص , عشان يبرك قبلو ..
عشان لو جرى بيعوقني , صاح ؟ كنكشت ليك فيهو لمن هو زاتو آآآمن . ياخ حصان قوي قوة
!! ) . المهم أن مامون و في عتهه ذاك كان قد قبقب الحصان بلا فكاك . ما راعت مامون
" البسطونة " في يد صاحب الكارو المهجوم و التي أكلت من لحم ساقه و فخذه
, و لا استمرار غضبة الرجل حين أفاق من فداحة المفاجأة الفريدة التي أرادها الله له فما سكت
يرغي و يكورك و يسب مامون و ينهال ضرباً عليه .
حكى العارفون فقالوا أنْ كان قد فزع الحصان المسكين فجفل من هول
" القهمة " التي رماه الله بها حتى قلب حاله فرساً ستاليون وارد سهول
الروكي و جبال الإنديز , يقفز إليه عوير الفيلم الويسترن الهوليوودي بطلاً . و هو
ما هو إلا حصان كارو أجرب شغال طالع نازل بين مغالق و جخانين سوق السجانة و أزقة
البلدة المتمدينة .
قيل فكانت كارثة يومذاك تطلبت جمهرة رجال الحي كلهم للجم الحصان
" المخلوع " و صاحبه المرعوب , ثم جمعاً لجوالات الفحم التي تناثرت مبعثراتٍ
من أول حلة الشوايقة و حتى فريق السوق
إمتاع بلا حدود
ReplyDeleteيذكرني الطيب صالح
لماذا لا أدري
و لكنه سودان صار كخيال في قصة ماركيزية الطابع
عجيب يا عمدة
ReplyDeleteعجيب يا عمدة
ReplyDelete