Tuesday 13 December 2016

المانجلك اا المانجلك

كان المانجلك قد فقد شهيته لكل شيء ، يستلقي على البينش يقرأ مجلات قديمة او كتبا بعناوين مريبة مثل تاريخ المبيدات في مشروع الجزيرة وأثرها  ، يقضي نهاره كله هكذا زاهدا في الأحاديث والنقاشات و الندوات والأركان والتجمعات السياسية والثقافية.  كان خموله هذا يفسد شهيتي التي كانت تبرعمت لكل ما يخص الشأن العام. كان حاجزا بيننا يقوم .
وفِي صباح باكر وأنا في طريقي إلى الكلية فاجأني المانجلك بتأهب وتأنق (قدر المستطاع) وحماسته القديمة تشع من عينيه. 
"وين انتي؟ اتأخرتي! منتظرك من قبيل عندنا مشوار" ، أجلت سؤالي عن المشوار لخاطر تلك الحيوية التي افتقدتها فيه ، وفِي موقف المواصلات سألت عن المشوار.
"خالد ديمقراطية جابوا ليه بنية" 
خالد هذا زامل المانجلك قبل أعوام بعيدة ، ايام صباه ،في احد التنظيمات الطليعية  ، ورغم اختلافهم السياسي فيما بعد ظلت بينهم مودة وعشرة. خالد منذ عام قرر أن يقامر ويجرب حظه في الهجرة بعد أن يئس من فرصة عيش كريم في بلاده ، تاركا خلفه حنان حب حياته ، سليللة أسرة طليعية تحرجت من رفض خالد ابن حزبهم الطليعي رغم رقة حاله. 
مر المانجلك على دكان واشترى نصف دستة مشروبات غازية وعلبة حلوى  سلمني إياها ، اشتراها بأموال اعرف انها تحويشة عمله الشاق في مصنع الأكياس البلاستيكية ، قبالة باب المنزل اعاد تلميع حذائه وشد ياقة القميص ، وطرق الباب، أشار علي ان أقف قبالة باب صغير هو باب النساء المفضي الى النفساء لا ريب ، ثم وكأنما تذكر شيئا  " معاك قروش ولا أديك؟"  دهشت من السؤال " معاي يا المانجلك" ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه " ما تكون المدينة والسياسة نستك عوائد البلد، تعرفي تعصري حق اللبن؟ " ضحكت " بعرف يا المانجلك " .فتح الباب رجل سبعيني ضئيل الحجم ، هو والد حنان ، عرف المانجلك ورحب به وأشار علي ان ادخل على البيت . 
بعد فترة من جلوسي اشارت علي والدة حنان ان اذهب على حوش الرجال  كانت قد أعدت صينية افطار مدنكلة هي بقايا كرامة الولادة ، جلست بعيدا فأشار المانجلك ان اجلس الى الصينية بنظرة ملحة " معليش يخوانا بت الريف دي دايرنها تتمدن ، اقعدي افطري معانا " ونادى والد حنان ابنته الصغرى لتؤازرني في الصينية (سيخبرني فيما بعد بأن اقبل ضيافة الناس كما يختارون فلا ندري لعل ما لديهم لا يكفي للقسمة على صينيتين )طرق الباب رجل وصاح "الظاهر حصاني جواي " "اتفضل بأخينا" ، التقت عينا الرجل الداخل والمانجلك واشتبكتا لوهلة، رأيت فيها بريق معرفة قديمة، شعرت بتغير شيء في المانجلك ، تغير في طاقته او الأورا كما يسميها الخواجات .
بعد تبادل سلام وبعض اللقيمات ، قال الرجل : أظنك ما إتذكرتني يا المانجلك؟
أبطأ المانجلك في تناول لقمته ونظر اليه جوة إنسان عينه
"بعرفك. كويس، ما بنساك"
ابتسم الرجل لعله بشيء من الحرج الذي أراد ان يداريه ببعض الجرأة" اتلاقينا في المعتقل زمان، ديك ايام صعبة محتكما صعبين وانتو كنتو صعبين" ، تمددت ابتسامة جانبية على وجه المانجلك ورفع حاجبا ساخرا اغاظ الرجل  " ايام كانت ، وين أصحابك  ديل ، كانوا صعبين لكن نحن زاتنا كنا صعبين ، كسرناهم ليك كسرة" ، والد حنان امتقع وجهه وقد تبدت اخيراً له حقيقة جاره . اظلم وجه المانجلك " ودا عمل تفاخر بيه؟ انك كسرت رجال؟ لا في عركة لا في نزال ، رجال عزاز في القيد. وانت مدسوس ورا السلطة؟"  رجع الرجل الى الوراء دهشا وتلفت حوله ليرانا نمضغ في صمت واعيننا معلقة عليه".

كان التوتر باديا على وجهه، سكت بينما تبادل المانجلك حديثا وديا مع والد حنان ، ثم بعد تدبر وجد الرجل سانحة يدخل منها بين ثنايا الحديث المدار".. لكن هسي البلد اتغيرت والحاجات ماشة في تحسن ما زي اول"  بادره على الفور المانجلك " اتزوجت يا سعيد؟". ابتسم بحماسة وأجاب " وعندي أربعة اولاد صغار"
بسرعة ناوله المانجلك سؤالا اخر " هسي ناس الأمن بيدوك كم؟" اجاب بشيء من الزهو " مليون"  وبالسرعة ذاتها بادره المانجلك " قول يعني عشان تكفي الوليدات انك بتشتري وطلبن لين، الرطل هسي ٢ونص ومحصل تلاتة يعني انت بتصرف في الشهر ستمية الف دا للبن بس، ، لا قفة الملاح لا مصاريف المدرسة  لا غيره "    سكت الرجل وكأنه يتأمل حاله لأول مرة ، لأول مرة  " وانا لسة ما اتكلمت في حق العلاج البقا مافي، زمان لما تعيد كنت بتمشي وين ؟ المركز الصحي ولا المستشفى ، هسي الا الخاص ؟ دايرك تتذكر لي اسم مستشفى خاص واحد على ايامنا" صمت الرجل محاولا تذكر شيئا " ما حتبقى لأنه ماف، ربونا أبواتنا بالقليل لكن قرينا واتعلمنا واتعالجنا لانه كان في دولة " خرجت تنهيدة عفوية من الرجل وقال "والل" والله ياخ الحالة صعبة"" ولم يعقب وظل مطرقا بينما عادت الحيوية المانجلك وداعب والد حنان بونسته المحببة. جاء وقت الرحيل وتأذن في الخروج، خرج والد حنان مقدما لنا في الطريق   ، أغلق باب داره على الضيف السمج ، ثم التفت الى المانجلك وحضنه وسلم عليه في رأسه متمتما 
"يا المانجلك ااا المانجلك"