Thursday 30 April 2015

بشة! تو فيفتين (توغعات)


انتهت الإنتخابات؟؟

 الحمدلله

والآن لما سيأتي بعد الإنتخابات، لقد مرقن سبع أعوام عجاف سيتبعنها واحدات يقولن ليهن: كديه قومن لي ما بسووا كدي!

تماما كالسيدة التي كانت تغني في دار المؤتمر الوطني نتوقع أن تكون الفترة الرئاسية التالية :مكياج ثقيل وثوب لامع لا يخفيان النشاز (دخلوها و"سقيرا" حام!!)

التوقعات:
١-   سيشهد هذا العام حسم موضوع مشروع الجزيزة نهائيا (ما من شيء سيوقف ذلك)، وذلك عبر فتحه بلا هوادة للإستثمار الخاص. التعديل الدستوري الأخير نزع تحديد الأراضي الإستثمارية من يد الولايات إلى رئيس الجمهورية مباشرة، لو أنني كنت ساذجة لقلت أن الأمر تدارك لفوضى البيع من طرف التي عمت الولايات، لكن ما سمعته أن أهل المركز قد ضاقوا بثراء الولاة وتكدس الأموال لديهم (سمعت قبل عام، أن احد الولاة الذين ببالغوا عديل كدا، قد باع قضبان القطار في ولايته، وجرى الوشاة بهذا الخبر إلى المركز التي اكتشفت أن قضبان السكة حديد هي ملك للحكومة الإتحادية وليس الولاية- يبدو أن الأيلولة لم تطل السكة حديد) 

٢- التعديل الدستوري الذي سمى ضباط الأمن بأنهم قوات نظامية وأكد على الطبيعة العسكرية للجهاز كما "وسع" من صلاحيات جهاز الأمن هذا التعديل وضع تحديدا ليتيح المشاركة المباشرة في القتال المسلح دون "نقة" حول طبيعة الجهاز. كان القانون سابقا يتيح شيئا من هذا مع التحرج والآن لا حرج  فيما يتضح أنه تخلي كامل عن المؤسسة العسكرية (والتي بطبيعتها تسمح بتنامي نفوذ البعض) . سنشهد مشاركة مباشرة للمتقدمين الجدد بجهاز الأمن في دارفور وجنوب كردفان

٣- اضافة إلى ذلك فإن التعديلات الدستورية لجهاز الأمن قد تعني أنه سيتم الإستغناء عن الإعتقال  والتحقيق واحتجاز الطلبة  في الولايات الطرفية نحو الإغتيال المباشر. سنسمع بمقتل المزيد من الطلاب في نيالا ، الفاشر، كادوقلي، الدمازين ، سنار..الخ تحت دعاوي "تهديد الأمن القومي"

٣- التحية الثلاثية التي قدمها البشير في خطاب الفوز لقوات الدعم السريع، ولو أنها لا تخفي قلقا من الطبيعة المتمردة لحميدتي، ولا لتقلبات موسى هلال، إلا أنها تؤكد أن البشير سيحتفظ بمساحة من الود معهما مؤقتا

٤- من الملاحظ أن خطاب البشير عج بمسبة الأوروبيين، ولكن مافي "امريكان"، ذلك أنه كما شهدنا في الفترة السابقة تصعيد المحاولات لإرضاء الإدارة الأمريكية بشدة. طبعا المرء لا يتوقع أي طبيعة تخطيطية للنظام الذي يعمل بسياسة رزق اليوم باليوم، لكن لعل هناك ناصح نصحهم أن المقاربة مع إدارة أوباما والعمل على رفع المزيد من العقوبات خير من التعامل مع إدارة هيلاري كلينتون المستقبلية أو إدارة جمهورية.  غالبا الإدارة ستشترط "الحوار مع المعارضة"" و "تشكيل حكومة وطنية" تمهيدا لرفع بعض العقوبات دون أن يعني ذلك تحقيقه بالضرورة، لذا ستعود من جديد نغمة "الحوار الوطني"

٥- كما ذكر الدكتور نبيل أديب في حوار على قناة أمدرمان أن التعديلات الدستورية المستعجلة والإنتخابات المتصربعة ليس لها علاقة بالشعب ولا حاجة ولا نوهم روحنا. الهدف منها كان تثبيت ركائز سلطة البشير. وقد عملت التعديلات الدستورية على تحجيم النفوذ المتزايد للولاة. لن يكون الجديد تعيين الولاة في ولاياتهم، لكن اتوقع تصفيات حساب من النوع الثقيل( وربما الدموي لست أدري) مع بعض الولاة واتباعهم المتمردين السابقين




في الحلقة القادمة : توقعات المعارضة
(ولا أقول ليكم دي ما محتاجة حلقة، نديكم الموجز: كما ذكر اخونا محمد عثمان (أفة) سيتواصل المسلسل المدبلج الطوييل للقاءات المعارضة في العواصم الأجنبية)
إضافة إلى مواقف متذبذبة من مشروع الحوار مع الحكومة كلما قام بطرحه المؤتمر الوطني



Saturday 25 April 2015

تيامنوا ما استطعتم (ونسة)

قرأت في مكان ما أن "الشام" كان يرمز به للشمال الجغرافي، واليمن للجنوب
فكل يمين هو جنوب

قبل عشرة أعوام تقريبا (ويزيد) أتيحت لي فرصة الذهاب إلى امريكا ضمن برنامج "الزائر الدولي القيادي" الذي تنظمه الخارجية الأمريكية كل عام لدعوة "قياديين" محتملين في مجالاتهم من كافة ارجاء العالم. كان ذلك العام مخصصا للإعلاميين.

حزمت حقيبتي وهواجسي التي زرعتها ماما بنجاح وأيضا زميلتي في العمل الأمريكية وقد ظلا يسائلان سبب اختياري ضمن البرنامج. مع انو الإجابة بسيطة جدا: كنت أجيد اللغة الإنجليزية، بالإضافة لعملي مع اذاعة الأمم المتحدة و... كنت أجيد الانجليزية

وصلت إلى واشنطن في يوم مزهر ، مزهر بحق!!  اذ كان موسم إِزهار شجر الكرز cherry blossom
المهم ، تم ضمي إلى وفد "الافريقيون الأنقلو فون" ، ادركت ذلك حين ذهبت لحضور أول اجتماع لنا في بهو الفندق العريق الذي نزلنا فيه. دققت في أوجه الوفد الذي سأصبحه طوال فترة زيارتي 
أولا كان هناك :أنا(السودان)، فتاة مذعورة سريعة الحركات واللفتات والإرتياب
انجذبت تلقائيا إلى (نيجريا)، فتاة هادئة واثقة من نفسها، ذكية، تزن كلماتها بالميزان ترتدي حجابا وعباءة فضفاضة وملونة اثارت انتباه الكثيرين، لكنها ارتدتها وكأنها جزء من المشهد الواشنطوني اليومي
شاب مرح ضاحك، ذو نظرات قافزة وبشرة قمحية بهيجة هو (تنزانيا)، يقاسمه في القفشات شاب لذيذ من (غانا)
يافعين لطيفين سريعي الحركة هم اصغر من بالمجموعة، يثيران الشغب، (كينيا)
(بوتسوانا)، فتاة رشيقة بالغة الحسن، ومن نفس البلد فتى طويل وسيم glamorous وجدا أنيسا في سيدة متحفظة من (جنوب افريقيا)
سيدة متجهمة تطالع المشهد بامتعاض بائن ، امتعاض لازمها طوال فترة البرنامج (سيراليون)
شاب نحيل رقيق ودود ذو وقار مسيحي :(زامبيا)
تتكىء عليه شابة بضحكة صريحة مجلجلة (ملاوي)
فتى متحفظ، لم تفارق ربطة العنق عنقه! غامض كرجال الإستخبارات في الأفلام الهوليودية:(يوغندا)
ورجل بالغ الأناقة، نظرة ساخرة لا تفارق عينيه:(الكاميرون)

دعوني أقول لكم بصراحة، برغم "الجو" الذي عشناه في الجامعة و "حركات" ندوات المراكز الثقافية حول هويتنا الأفريقانية وجدل نحن عرب افارقة وافارقة عرب أو صرف افارقة ناطقين بالعربية أو بوتقة الإنصهار الفريدة أو جسر العبور المجيد. كل هذا كان -كلام ساي. هتاف لم يبارح الحناجر وطق حنك. فما الذي نعرفه حقا عن افريقيتنا (نحن الشماليون) كي نقرر من أجلها أو ضدها- ولا حاجة! فتافيت! لذا تساءلت (نعم اقر بذلك) تساءلت عن كون هناك مؤامرة خفية جعلت الإدارة توزعني ضمن وفد الانقلوفون الأفارقة لا مجموعة الشرق الأوسط.. ها قد قلتها- أها!

شهر قضيته مع هذه المجموعة، هي من أجمل الأيام التي عشتها حتى الآن،  لقد حيرنا حنان اللجنة المنظمة للبرنامج. شلة متناقضة الأمزجة لكنها تتقاسم السخرية اللاذعة، شيء من الغرور غير المبرر والذكاء الحاد


كان دليل مجموعتنا رجل كبير السن ومعاونته التي شككنا أنها على علاقة عاطفية معه. فلنقل أنه كان في البدء يحمل تجاهنا عاطفة تبشيرية سمحة : الرجل الأبيض يمد يده إلى افريقيا ليعبر بنا إلى الحضارة. 
صبيحة ذلك اليوم أخبرنا "عمك"الدليل بحماسة مفرطة لم يستطع كبتها أننا على وشك ان نشاهد شيئا فريدا، مشهد لن ننساه ا طوال حياتنا الإفريقية البائسة. ركبنا الباص والأفكار تتقافز في اذهاننا حتى وصلنا إلى جادة فسيحة تحفها على الجانبين اشجار الكرز المزهرة . نزلنا:، واشار "عمك المبشر" بيده: ها نحن!
اين؟ وين؟ وير؟ وينا الحاجة السمحة؟ - تلفتت افريقيا يمنة ويسرة
اشار بيده مرة أخرى بشكل دراماتيكي: ها هي!! ترااااا ما رأيكم؟
هل يرى الرجل الأبيض شيئا لا نراه، ضربتنا الحيرة، وين يا عمك؟
بدأ صبر "عمك المبشر" ينفذ: هنا يا وهم!! هنا!!الأشجار، هذه الأشجار كانت عربون صداقة من حكومة اليابان. وفي كل عام نحج لنرى اشجار الكرز في يوم إزهارها الميمون"
(.......)
صمت
ثم مال نحوه تنزانيا بضحكة تلمع في عينيه "يا عزيزي في افريقيا الأشجار تزهر كل يوم" 
تبعتها ضحكات مجلجلة وزي مهينة كدا استمرت حتى نهاية اليوم (لم اشارك فيه لحرصي على عدم احراج الرجل الأبيض لأنو بيناتنا ديون وكدا) ... تبادلت افريقيا القفشات وسط سخط عمك المبشر الصامت
قال ليك شوف الشجر المزهر ..قااااه قاه قاه قاه. اااا؟ قلت لي شنو؟ شوفو الشجر؟ قال شجر قال... نحن جايين من وين اصلو؟ واللاي عمك دا ظريف خلاس

وهكذا... كلما مرت لحظة صمت طوال الشهر الذي قضيناه في امريكا صاح أحدهم : شيري بلوسوم (ازهار الكرز) لتنفجر افريقيا في موجة من الضحك
---------------------
"ها!! اخبريني، كيف الأمور الآن بين الترابي والبشير؟" سألني تنزانيا بمرحه الملازم. وانضمت بقية المجموعة لتستمع إلى الحوار (كانت قد مرت ٦ أعوام على المفاصلة)  
أجبت بشيء من الدهشة " لا أحد يدري بالضبط، البعض يقول أنه انقلاب مفبرك اخرون يقولون أنه حقيقي. الأكيد أن النظام قد فارق مسحة العقائدية التي كانت تكبله، وهو ينطلق نحو انتهازيته الآن بلا قيود" 
تبادلت نيجيريا، غانا، اشبال كينيا، سيراليون وبوتسوانا التكهنات حول ما يعنيه هذا الأمر للسودان.
لقد خجلت جنس خجلة.. بالله عليكم ما خجلتم أنتم أيضا؟ ما الذي أعرفه حقا عن السياسة الداخلية لهذه البلدان التي لها اهتمام حقيقي بما يدور في بلادنا، اوكي..ربما لم أكن صحفية محنكة، لكن كديه تخيلوا صحافيا اخر أكثر حنكة مكاني :/ نفس الشي

في نهاية كل يوم كنا نجلس في غرفة أحدنا، نتبادل الحديث في كل شيء ، الفساد البيروقراطي الصغير المضحك (حدثني أحدهم عن والده المحافظ الذي يتسلم رشاوي من رعاياه هي  صناديق من البيرة)، تحدثنا عن شبه الدولة الإفريقية، عن النزاعات المسلحة (سيراليون) كانت "مقاتلة حرية- فريدوم فايتر" قبل أن تصبح صحافية وهو لقب تبادلت افريقيا السخرية حوله بما فيها سيراليون ذات نفسها التي لم يخفى عليها مدلولات التسمية)، انقسمنا في الآراء حول فصل "الصين" عن الدولة، تحدثنا عن النزاع الديني الدموي في المساجد والكنائس واللعبة السياسة القذرة التي تقف خلفها، تحدثنا عن أزمة الصحافة والتي لا تتلخص في الحرية والرقابة ولكن أيضا قلة التوزيع وضئالة التأثير (جنوب افريقيا كان لها رأي مختلف)، تحدثنا عن تحديات الإستثمار المستقل في ظل هيمنة الدولة والمحسوبية. وبين مرة وأخرى تعرج النساء للحديث عن مؤامرات النسابة، ومطاعنات الجارات والسحر والفقراء والحجبات والمحايات، وعن افضل المحال التي بوسعنا أن نشتري منها ملايات وهدايا للأهل حين عودتنا.  ثم وكلما واتتنا الفرصة: جَبْجَبْنا
ولم نبخل بالسخرية من برنامج الإدارة الذي كان يصر على "تلقيننا" اصول الصحافة

ثم أعود إلى غرفتي التي تقاسمتها مع نيجيريا، أفكر، كم تبدو مشاكل السودان ملحمية وتوراتية و وقدرية وغامضة حين تعكسها في مرآة الواقع العربي.  وكم تبدو عادية ومفهومة حين تضعها في مكانها في كانفا الواقع الإفريقي المتأزم.

(ملحوظة: لا بد أن أتعلم السواحيلية) بين فينة وأخرى كانت المجموعة تتبادل قطيعة سواحيلية محندكة (ليست كل المجموعة من الناطقين أصلا بالسواحيلية بالمناسبة، لكن في جنوب افريقيا وبوتسوانا ونيجيريا ومالاوي وزامبيا التي تفتح ابوابها بطبيعية لدول الجوار اصبحت السواحيلية هي لغة التجارة ولغة الثقافة ولغة الشباب ولغة الروشنة) . 
رباه! اذا الإنفتاح نحو افريقيا ليست قصائد العويل التي كان ينشدها شعراؤنا ابان ستينيات وسبعينيات الأفريقانية، ولا هي المؤتمرات التي يهرول إليها البشير وأعوانه لينالوا قسطا من النوم في قاعاتها المكندشة، ولا هي خطابات التأييد من الإتحاد الإفريقي لمباركة أي حزمة من السياسات، ولا هي جنود حفظ السلام. وبالتأكيد هي ليست سلاسل السكسك والحقائب الجلدية وقمصان الداشيكي (القمصان المزركشة)

ايييك... يا حليلنا

كيف يبدو الحزب الشيوعي السوداني بالمقارنة أخواتها كلما نظرنا للجنوب  بدلا عن الشمال؟ الفرصة مفتوحة للنقاش

 ركبت المصعد للحاق بمحاضرة الختام والتي كانت ستخاطبنا فيها كوندوليزا رايس.  ويا للصدفة كان في المصعد ممثلين من وفد الشرق الأوسط الذي ضل عني: فلسطين، سوريا، مصر، قطر، الأردن، الكويت، السعودية، الجزائر يعلوهم شي من التوتر. نظروا إلي: وير ار يو فروم؟
أنا من السودان
ها! تتحدثين العربية بطلاقة!!

كان لكل مجموعة أن تسأل وزيرة الخارجية سؤالا واحدا. اتفقت المجموعة أن نسأل عن التصعيد الإعلامي الأمريكي الملحوظ حول قضية دارفور؟ هل تهيئ السودان نفسها لحزمة جديدة من سياسات الحظر الإقتصادي؟ (كان هذا السؤال بصيغته هذه مزعجا للصحافيين والإعلاميين الأمريكان، هذا الربط بين التصعيد الإعلامي والسياسة الأمريكية- أمر اصروا على انكاره)
مجموعة الشرق الأوسط قدمت خطبة عصماء: فلسطين.!! إلى متى سيظل الشعب الفلسطيني تحت القمع الإسرائيلي المدعومة من امريكا، انكم ترسلون طائراتكم و اطفالنا يموتون و و زفرات حرى
تعاطفت افريقيا مع فلسطين ، الغريبة أنا برضو تعاطفت

ذكرني هذا الأمر بفلم مصري شاهدته اسمه "سلطة بلدي" فلم لطيف جدا، نبهني إليه مقال في مدونة نائل الطوخي (أحد كتابي المفضلين) . مقال نائل الطوخي هنا في الفلم تقرر الجدة الإيطالية اليهودية الأصل التي نشأت في مصر وتزوجت فيها من مصري وأصبحت جزءا من نسيجها، تقرر السفر لزيارة أختها في اسرائيل. من أجل هذا القرار جمعت الجدة افراد اسرتها وعائلة زوجها لتخبرهم ، وقد شابت هذه اللحظة الكثير من القلق والتبرير. وقد رأينا في الفلم ضِيقا من الأقارب واحباطا وحيرة . هو مفهوم بالنسبة لأي مثقف سوداني في سياق الصراع التاريخي السياسي، لكنه غائبا تماما عني ك"عاطفة"
تخيلت لو أن اخي سيسافر إلى اسرائيل لقضاء عطلة ما ، بالطبع قد يكون هناك نقاشا حول اخلاقية انتفاع اسرائيل من دخل السياحة، أو نقاش ديني "نظري"- لكن سيكون هناك غيابا تاما للجانب العاطفي. الفعل سيكون بتلك البراءة التي أنكرها نائل الطوخي على رواد الفلم والمشاركين فيه.
لا يساورنا أي احساس ب"الخيانة" تجاه اللاجئين السودانيين في اسرائيل. نعم بعض منا (تحديدا مغتربي "اثبات الذات العربية" في الخليج) قد أفرغ كثير من الإنشاء حول هذه الخطوة. لكن ليس هناك احساس بالغدر والخيانة كالتي تجدها عند المصري مثلا أو السوري. 

بالطبع لا أحتاج للتذكير أن قادة افريقيا في الستينيات والسبعينات كانوا قد ساندوا موقف الدول العربية ضد اسرائيل. ولكننا كمواطني الجنوب، ليست أزمة فلسطين جزء من أزمتنا النفسية لا كمسلمين ولا كناطقين بالعربية. ليست محكا قدريا (لذا تغيب تماما عن أشعارنا ورواياتنا) .  
لعل بعضكم سيشير إلى هستيريا التبرع النسوي بالذهب التي شاهدناها في التلفاز ابان احداث غزة الأخيرة ، وهي تشابه كثيرا هستيريا الواتساب لتبادل الرسائل اللاعنة للشيعة. لكن  اصدقوني القول هل يساوركم ذلك الإحساس العربي الفريد الذي رأيناه في الأفلام واستشعرناه في الأغاني أننا بلا نخوة لأن فلسطين محتلة (أم أنه شعور التعاطف الإفريقي داك) هل نرى أنفسنا جزء من الصراع الفارسي العربي القديييييييييم والذي في الأصل ما هو خلاف سنة وشيعة بل خلاف عرقي له ظلاله الملقاة على علاقات النسب والأسر كما في البحرين والعراق واليمن والسعودية. 

كان هناك حوار اجراه متوكل التوم إن لم تخني الذاكرة مع عاطف خيري (لم اجده على الانترنت، غطس) سأله عن الشعر السوداني في سياق الشعر العربي الحديث، واذكر (ان لم تخني الذاكرة) أن اجابته ذكرت أن الحركة الشعرية السودانية الحديثة وكأنها خارج السياق العربي، اذ ظلت حركة الحداثة العربية مثقلة ومكبلة بكثير من الأسئلة كان الشعر السوداني متحللا منها، ليس فقط في موضوع الشعر بل حتى في تراكيبه. أعتقد أننا هددنا العديد من الأصنام باكرا. 


ما أود أن اقوله أن هناك راحة وعلاج في التوجه جنوبا. اي والله، لدينا ما يكفينا من اليأس والتأزم دون حاجتنا لإثقال أنفسنا بيأس وتأزم ما حقننا. اقلع عن الجزيزة قليلا، واستهل صباحك بنشرة اخبار افريقيا من البي بي سي مثلا (تجدها على الإنترنت) 
اخبار افريقيا من البي بي سي
موقع قراءات يجمع اخبار افريقيا من عدة وكالات
الجزيرة العالمية اخبار افريقيا بالإنجليزي ما عندهم حاجة بالعربي
تابعوا من مرة لمرة مدونة طلال الناير
ومن مرة لمرة قوقل بلس لقصي همرور

ستجدون أن الحمدلله الفيكم مكفيكم، شاهدوا دراما كينيا، ونيجيريا، افلام المهرجانات الإفريقية - من مرة لمرة. 

جربوها، سواء كنت ربة منزل، أو "رجل الشارع العادي" أو ناشط سياسي او من المهتمين بالعمل الطوعي أو صحافي أو فنان أو مكتئب أو متفائل بصعوبة أو كبير أو صغير
مع النصح بالإقلاع أو التخفيف الشديد من (البرامج الحوارية على الجزيزة العربية والسي بي سي واسلام البحيري و برامج المسابقات الغنائية و الحاجات دي)

تيامنوا ما استطتم.. جربوا واحكوا لي حصل شنو بعد داك؟
في زيارة لإحدى ممثلي الكونغرس (افتكر عن جورجيا) هنا تم ضم افريقيا الانجلوفون والفرانكوفون(تشاد -سيشيلز، كنغو برازيفيلو، مالي، موريتانيا، سنغال وتاني ما متذكرة؟ تفتكرو أين أنا؟ :)

Thursday 23 April 2015

طوعنة النسوية- تصبيرة

 هذا المقتطف  من خطاب ارونداتي روي- والذي هو أقل من دقيقتين-  يتحدث عن  "طوعنة النسوية" ولعل بعضكم قرأ ترجمتي لخطابها "طوعنة النضال"
بالطبع إنني أرى أن المنظمات والجمعيات النسوية السودانية تحديدا قد نجت إلى حد ما من عملية الطوعنة التي تتحدث عنها ارونداتي. فليس من الغريب أن جامعة الأحفاد في فعالياتها حول الختان والعنف ضد المرأة و الأمية أنها تستصحب أيضا قضايا النزوح والتحول الدستوري ونزع السلاح..الخ. ليس غريبا أن تلتفت احدى القياديات النسوية في تجمع ملاك مشروع الجزيرة السيدة زينب بت الشيخ الأمين وعضو الحزب الشيوعي إلى الصوت المفقود في النقاش الدائر حول المشروع (عمال المشروع الذين لا اراضي لهم -أي عمال الكمبو)- ليس غريبا أن تكون على رأس المتصدين لقضية سد المناصير هي الراحلة سعاد ابراهيم أحمد احدى قياديات الحزب الشيوعي. ليس غريبا أن المصادمين الأساسيين لقانون الأمن الوطني وقوانين الصحافة هن من النساء ،ليس غريبا أن القيادات النسوية في المنظمات النسوية يأتين من خلفيات سياسية واقتصادية واثنية متنوعة وحيوية أكثر من الأحزاب السياسية.
لذا فلنقل أن هذا المقتطف مجرد "لفت نظر"

تنويه ١: ورد في عنوان هذه التدوينة كلمة "تصبيرة" إذ أنني اترجم مقتطف من مقال ارونداتي حول هذه الظاهرة بتوسع (بضع اسطر ليس أكثر- لا داعي للقلق)
تنويه ٢: للناطقين بها اضغطوا الرابط ادناه، ولمن تطربهم ترجمتي تجدونها في الفقرة القصيرة أدناه واوصيكم من بعد أن تضغطوا الرابط فالمتحدثة بهجة للنظر ولذة للمستمع 


ارونداتي روي:

إن الفشل في ادراك أن المساواة بين الجنسين هي جزء لا يتجزأ ولا يتجاوز من عملية التغيير الثورية، وأنها ليست مجرد وعدا ينجز في مرحلة ما بعد الثورة، قد ساهم في تغريب العديد من النساء التقدميات ، وأقصت أعدادا كبيرة عن النضال التحرري.

الحركة النسوية التحررية في الهند وكذلك حركة "المنبوذين" قد اضحت مطوعنة بشدة . الكثير من هذه المنظمات قد أنجزت عملا مقدرا في الجندر، الجنس وعاملات الجنس،  الهوية الجنسية والمثلية، في الصحة ، الإيدز وكل هذه الأشياء. و طالما أن عملهم هذا لا يسائل الأسس الإقتصادية للإمبراطورية النيوليبرالية الجديدة، سيستمر الدعم المالي لهذه المنظمات.
لذا ترون؟ الناس الذين يصنفون بأنهم "نسويون" رسميون ، والمجموعات النسوية الرسمية ستظل بعيدة كل البعد عن قضايا نسوية راديكالية كالنزوح، حيث المرأة هي الأكثر تضررا ومعاناة.  لماذا لا نجد هذه المنظمات  عند اعتصام النارمادا (اعتصام ضد بناء سد يغرق اراضي المزارعين)  أو في تشاتيسورث (حيث تشن الحكومة حربا على السكان الأصليين لإخلائهم عن اراضيهم لصالح شركات التعدين ) ؟ لأن تمويل المنظمات الطوعية لا يسمح لمثل هذه الأشياء أن تكون ضمن أجندة عملها.
والان في هذه المرحلة التي تمر فيها الرأسمالية بأزمة حقيقية ، هذا الوقت يتطلب من اليسار أن يصنع خيالا جديدا ومرنا وأكثر شمولا 

Sunday 19 April 2015

طوعنة النضال

هناك ادعاء أحرص على توكيده، أنني في العمل العام أفكر ك "العوام"، برغم ما قد يعتبره البعض أنه من نقاط ضعفي (خاصة في الاجتماعات التنظيمية)و لكنني أراها كميزة، أذ أنني أعتبر نفسي ك "عينة فحص" testing sample لما يفكر فيه العامة

تقلقني في الآونة الأخيرة الجمعيات والروابط والقروبات والإيفنتات الداعية للتبرع بالوقت أو المجهود أو أقل القليل لصالح قضية عادلة : كإطعام المرضى، أو دفع فاتورة علاج مستحقة، أو ايواء العجزة، أو دعم الأطفال مجهولين الأبويين، أو لتحية عمال النظافة... وكل هذه الأشياء الملحة التي لا تنتهي ودعمنا لها واجب ومستحق وضروري...و.. ممل
لا أعني ممل بمعنى نقيض الترفيه
أعني ممل بمعنى أنه يخلف لديك احساس واحد مؤكد حتى عندما تقدم القليل.. العجز... العجز المطبق والمحيط... غدا قروب جديد، قضية ملحة جديدة، تبرع ضروري.

قبل فترة تحدث الشاعر محمد بادي في خطاب عودته للبلاد فقال: الصدقة تميت القلب. وقد احتج كثيرون من اصدقائي على هذه الجملة... ولكنها دخلت قلبي وهبشت وترا "عواميا" حساسا. نعم الصدقة تميت القلب.

صحيح الصدقة تطفئ غضب الرب، ولكن إن ظننت أن الرب غضبان لأنك لم تطعم جائع في الطريق، فأنت لم تفهم الأمر الإلهي الأشبه بالنزع حين يقول: "وآتوهم من مال الله الذي اتاكم. " أو حين يقول للنبي "خذ من أموالهم!! صدقة تزكيهم"
فالأرجح الرب غضبان لأننا سمحنا بوجود جائع يتخبط وسط شبعنا.

اليكم المقتطف التالي للكاتبة ارونداتي روي والتي ترجمت لها مقتطف "على خطى الرفاق " من قبل. أنوه مرة اخرى : اذا كنت تجيد اللغة الإنجليزية بطلاقة فدس على رابط اليوتيوب ادناه طوالي.. اذا لا! فابقوا معي قليلا ثم بعد أن تكملوا قراءة الترجمة احضكم على الفرجة على الفيديو، لأن الكاتبة بهجة للنظر فهي ترتدي ساري اصفر بهيج وتضع زهرة بهية خلف اذنها

المقال باللغة الإنجليزية هنا http://massalijn.nl/new/the-ngo-ization-of-resistance/

أرونداتي :
هناك خطر يواجه الحركات الجماعية ، هذا الخطر هو طوعنة النضال . سيكون من السهل تحريف ما أود أن اقوله ليصبح وكأنه إدانة لكل العمل الطوعي.  هذا سيكون بهتانا. ففي وسط المياه الموحلة التي تطفح فيها المنظمات الطوعية الزائفة التي أنشئت للتخلص من المنح المالية، أو للتهرب الضريبي (في بعض الولايات كبيهار يتم استخدامها لدفع مهر الزواج)، ففي وسط كل هذا توجد منظمات طوعية تنجز أعمالا قيمة لا ريب. لكنه من المهم أن ننظر إلى ظاهرة العمل الطوعي في اطار سياسي أوسع.

ففي الهند على سبيل المثال،ازدهرت المنظمات الطوعية الممولة  في اواخر الثمانينيات وبدايات التسعينيات. وقد تصادف ذلك مع فتح الهند لأبواب أسواقها للسياسات النيوليبرالية.   في تلك الفترة كانت الدولة في الهند - بحسب شروط "جدولة الدين"-  تسحب دعمها وصرفها على التنمية الريفية، الزراعة، الطاقة، المواصلات والصحة العامة. وفي ذات الوقت الذي تخلت فيه الدولة عن دورها المنوط بها، دخلت المنظمات الطوعية لملء ذلك الفراغ . الفارق بالطبع أن الأموال المتوفرة للمنظمات الطوعية تساوي كسرا ضئيلا من الأموال الفعلية التي اقتطعت من الصرف العام.
معظم المنظمات الطوعية الكبيرة المدعومة يتم تمويلها و تسييرها بواسطة وكالات إغاثة وتنمية، والتي هي بدورها يتم تمويلها بواسطة الحكومات غربية، البنك الدولي والأمم المتحدة، وبعض المؤسسات الإستثمارية متعددة الجنسية. 
رغم أن هذه المنظمات الطوعية ليست شبيهة بوكالات الإغاثة هذه ولكنها بالفعل جزء من التشكيلة السياسية الفضفاضة التي تشرف على اتمام مشروع النيوليبرالية والتي تطالب بسحب الدعم الحكومي في المقام الأول.

ولماذا تقوم هذه الوكالات بدعم المنظمات؟ هل يكون ذلك مجرد حماسة تبشيرية قديمة؟ الإحساس بالذنب؟ الأمر أكثر من مجرد ذلك.  فالمنظمات الطوعية تعطي ذلك الإحساس أنها تملأ الفراغ الذي خلّفه انسحاب الدولة. وهم يقومون بذلك فعلا ولكن بشكل ضئيل لا يلقى له بالا. فإن اسهامهم الحقيقي يتلخص في أنهم يخمدون نيران الغضب السياسي، ويوزعون عبر الإغاثة أو الصدقة  ما يتوجب أن يحصل الناس عليه ك"حق". إنهم يحرّفون الوعي الجمعي. فهم يحولون الناس إلى ضحايا عالة ، أنهم يميتون شفرة المقاومة السياسية. فالمنظمات الطوعية أشبه بال"حجّاز" بين السلطة والشعب.  بين الإمبراطورية ورعاياها. لقد اصبحوا الوسطاء، مترجمو السلطة، الأجاويد.

وعلى المدى الطويل، هذه المنظمات يتم مساءلتها من قبل مموليها لا من قبل الناس الذين يعملون من أجلهم وبينهم.  هم يصبحون ما قد يسميه عالم نباتي : مؤشرات فصيلية (أي الفصائل التي تنشأ نتيجة لتغير بيئي، عبر نشأتها يمكن أن نعرف أن هناك تغير يحدث في البئية). فكلما اتسع رتق الكارثة التي تسببها سياسات النيوليبرالية كلما ازداد تفشي المنظمات الطوعية. ما من مثال أبلغ على ذلك من ظاهرة استعداد أمريكا لإحتلال دولة ما بالعدة والعتاد وفي ذات الوقت اعدادها للمنظمات الطوعية كي تتدخل لتنظيف الفوضى التي ستخلفها. 
وكي ما تضمن المنظمات الطوعية أن تمويلها لن يذهب سدى وأن حكومات الدول التي تعمل بها ستسمح لها بالعمل،فعلى هذه المنظمات أن تعمل ضمن اطار ضيق، يغيب فيه اي سياق سياسي أو تاريخي.  و تحديدا  أي سياق سياسي أو تاريخي مثير للجدل.

التقارير المحايدة سياسيا (وبالتالي فهي مسيسة للنخاع)  عن مناطق الكوارث في البلدان الفقيرة ومناطق الحروب تجعل "السواد" الأعظم في تلك البلاد "الداكنة" اشبه بضحايا مزمنين.  هندي آخر يعاني من سوء التغذية،  افغاني اخر لاجىء بمخيم ، اثيوبي اخر جائع، سوداني اخر مقطع الأوصال... كلهم بحاجة لمساعدة الرجل الأبيض.  هذه المنظمات تقوم  دون قصد على توكيد الصورة النمطية التي في المقابل تعزز انجازات و مزايا و تعاطف (التعاطف العنيف)الحضارة الغربية. انهم التبشيريون العلمانيون في العالم الحديث.

وبالتالي- ولو على مقياس أصغر إنما بذات المكر- يلعب التمويل المتوفر للمنظمات الطوعية في ساحة السياسة البديلة، نفس الدور الذي يلعبه استثمار "المضاربة"   أو ما يعرف ب"المال الساخن"   في اقتصاد الدول الفقيرة. قليلا فقليلا هذه المنظمات هي التي تحدد أجندة النضال. فهي تحول المواجهة إلى مساومة. وتحييدها للنضال عن السياسة. هي تتدخل في الحركات العفوية الشعبية والتي ظلت منذ أمد طويل مستقلة عن اي تدخل. فالمنظمات الطوعية لديها تمويل يسمح لها بتوظيف ابناء المنطقة الحادبون والذين كان من الإمكان أن يكونوا ناشطون في حركات المقاومة في مناطقهم، ها هم الآن يشعرون وكأنهم بوسعهم أن يقدموا صدقة سريعة وخفيفة بين أيديهم  (وأن يستلموا مرتبا على ذلك في الوقت نفسه)

المقاومة السياسية الحقيقية لا تقدم أي طرق مختصرة من هذا النوع. إن طوعنة السياسة يهدد بتحويل النضال إلى وظيفة مؤدبة ومحدودة تبدأ من ٩ صباحا إلى ٥ مساءا. مع بعض الحوافز. النضال الحقيقي له توابع حقيقية.  ودون ماهية.

Wednesday 15 April 2015

ابني المواطن... لا تبقى امنجي

يذكر بعضنا بدهشة بالغة  حوالي عام ٢٠٠٦ أو ٢٠٠٧ لا أذكر التاريخ بالتحديد، الاعلان الذي تم نشره في الصحف معلنا عن وظائف شاغرة في جهاز "الأمن" "الوطني" . كان هناك امتحان مكتوب للتقديم للوظيفة. ودهشتنا تمثلت في الألوف التي حضرت إلى جامعة الخرطوم للامتحان كي ما يلتحقوا بالجهاز.
ألوف!
كثير منهم ليسوا من ترب الكيزان أو منتفعي المؤتمر الوطني أو الإسلاميين أو أي شيء ، اعرف بعضهم في غاية الوداعة، بعضهم يدعي انتماءا لتنظيمات معارضة ويجاهر بذلك، كثير منهم صحبته دعوات الأمهات والآباء بالتوفيق صبيحة الإمتحان.

في الحقيقة أن أغلبهم كانوا يحسبها كالاتي: تذكرة سريعة ومختصرة نحو محطة الإستقرار. والتي تشمل راتبا مجزيا وسلطة تقيك جور الزمان وتؤمن مستقبلك وحوافز أخرى

في سبيل ذلك يستعبط المتدربون الجدد المنضمون للجهاز وهم يتلقون دروس : التجسس في الإسلام و التعذيب في الإسلام معضدة بقصص من السيرة (الكلام دا جد جد) 
يستعبط الموظفون الجدد لجهاز الأمن وهو يرسم لهم صورة العدو : العدو هو كل من يخالفنا. فكل من يخالفنا يخالف الوطن. وكل من يخالفنا عميل بشكل أو بآخر لقوى تآمرية. وإناء العمالة يتسع ليشمل اي انسان.

رغم القلق الذي اصابهم ازاء التدريبات الأولية التي كانت في مناطق "الشدة" إلا أنهم يصبرون، بعضهم يبحث عن واسطة، بعضهم يستعطف رابطة العرق والقبيلة لنقله لأماكن أكثر أمنا. كثيرون صبروا كلها شهرين وينتقلون إلى الترويع المريح للمواطنين العزل. تضحية بسيطة

حتى بدايات ٢٠١٣ سارت الأمور بهدوء، تمتع الموظفون الجدد بإمتيازات السلطة الجديدة، صاروا "عُمدا" من نوع غريب وسط أهلهم وجيرانهم والحلة. يتوسطون لحل أي مشكلة مع أي أحد، بسلطة "البطاقة". 

ولكن مع بدايات ٢٠١٣ تصاعدت الحرب في جنوب كردفان ودارفور، وذلك لأن سياسات الحكومة "الرشيدة" في ادارة الحرب قد انقلبت عليها، بدءا من دأبها على تحجيم دور الجيش و توكيل الحرب للمليشيات القبلية وشبه القبلية، والتسليح المتنامي للشرطة لدعم حربها على سكان المدن. كل هذه العوامل انقلبت عليها فأصبحت تحارب حركات التمرد من جانب، ووكلائها من المليشيات الحكومية التي اصبحت تساوم السلطة بنفس لعبتها فتتفق مع أكثر من طرف، كل ذلك في ظل سياسات اقليمية متقلبة تنقلب كثيرا في غير صالح الحكومة.

في العديد من الأحداث الطارئة تم حشد قوات من جهاز الأمن إلى "مناطق الشدة" لتحقق  ما أخفق في تحقيقه الجيش، وقليلا فقليلا ، اصبح الإعتماد على ضباط الأمن يزيد. ومع تزايد هذه الثقة.. تزايد قلق هؤلاء الضباط. والذين كانوا يرون أنفسهم في الحقيقة كموظفين بصلاحيات واسعة، وتتلخص مهامهم الوظيفية في التصنت على المكالمات أو نشر الغباء الإسفيري أو مطاردة عصابات النيقرز كل اسبوع أو الإعتداء على الطلاب والطالبات العزل، أو اختطاف الناشطين.. لم يكن بحسبانهم ابدا أن الكاكي الذي ارتدوه أيام التدريب الوظيفي الأول قد عاد كالكابوس ليطاردهم. 
الذي حدث في العامين الماضيين، هو تقدم العديد من ضباط الأمن بإنهاء خدمتهم مع الجهاز، وصرف مستحقاتهم إلى غير عودة. 

لذا توقفت كثيرا عند التعديل الدستوري الذي بادر به "السيد" رئيس الجمهورية وأقره المجلس الوطني، والذي وسع من صلاحيات الجهاز ثم تأكيده على محاكم جهاز الأمن التي هي تطابق نظيراتها في القوات النظامية الأخرى في ما هو عسكرة كاملة للجهاز.

إذا ، شروط تعاقد جديدة للقادمين إلى جهاز الأمن- وقد اعلن جهاز الأمن قبل فترة طالت عبر الشريط الإعلاني التلفزيوني عن أماكن شاغرة بشروط أقل من السابقة كشهادة ثانوية واكمال الثامنة عشرة - شروط التعاقد الجديدة ستختلف تماما عن الشروط القديمة.
ستذهبون دوغري إلى مناطق الشدة، وهذه المرة لن يحلكم "انهاء الخدمة" وصرف المستحقات وهذه المدنية المائعة. لن يحلكم إلا الذي حل بلة... والويل للمتملمين أو المتقاعسين، فمحاكم الجهاز -ذات الصلاحيات التأديبية والجزائية الواسعة التي تصل إلى حد الإعدام- كفيلة بهذا التململ.

مرة أخرى لكي أكون واضحة. شروط التعاقد هذه المرة تشمل الذهاب إلى الجحيم.


Monday 13 April 2015

على خطى الرفاق في الغابة

ملحوظة هامة إذا كنت تتحدث الإنجليزية بطلاقة اقفز إلى الفقرة الأخيرة المكتوبة بالأزرق في هذا البوست اقرأ الإرشادات واضغط على رابط اليوتيوب من الدقيقة المعينة كما أن مقتطفت المقال موجود في هذا الرابط http://www.outlookindia.com/article/Walking-With-The-Comrades/264738) 

لست أدري لم انقل لكم هذا المقتطف من محاضرة وجدتها في اليوتيوب?، هذا المقتطف الذي استمعت إليه عدة مرات وكأنه مقطع موسيقي. ربما لصوت المتحدثة الشجي الجميل. وربما لأنني في العادة أفعل أشياء دون تفكير.

أرونداتي روي. لاشك أن هذه المخلوقة وضعت على ارضنا لسبب ما . فقد تكونت عناصرها بتجانس تام. جمال فائق يلفت النظر يتعتق مع الزمن (اوعدنا يا رب) وصِدق فتي لا يشيخ، ذكاء يتقد من عينيها، وحرفة بارعة تحترفها هي الكتابة: فالكلمات تخرج من بين نول يديها كخيوط من حرير ساحر. 
يعرفها الكثيرون من كتابها الحائز على جائزة البوكر "اله الأشياء الصغيرة" ، لكنها ايضا كاتبة مقال من الطراز الأول. الطراز الذي أحب والذي أضع فيه قلة قليلة من الكتاب كجيمس بولدوين و طارق علي و الطيب صالح (ايوة بحب مقالاتو عديل كدا) ،مأمون التلب ونائل الطوخي ومحفوظ بشرى ومعتصم أقرع (لما يسخى) وطلال عفيفي (رغم انكاره علي) واخرون لم يبدلوا لكن لما اتذكرهم حضيفهم

 في حوار بديع لها مع هوارد زن (رحمه الله الرحمة الواسعة) - بديع لانو كانت لابسة فيهو ساري زعفراني عجيب وقاصة شعرها محمد ولد تخليهو ليها (تجدونه في رابط على اليوتيوب اكتبو Arundhati roy howard zinn) ، تَعَجّب فيه الناشط الوسيم الراحل هوارد زن من قدرتها على صياغة ما ظل هو وصاحبه نعوم تشومسكي يحرثونه في ارض الصحافة بمحاريث اللغة ، لكي تفتله هي في خيوط حريرية تجذب القارئ. أنظر إليها تقول: -الأعلام هي خرق ملونة تستخدم أولا للف وغمط أدمغة البشر ثم كأكفان مراسيمية لدفن الموتى 


لغة عجيبة  سواء كانت تكتب عن اعلان انجاز القنبلة النووية في الهند أو أحداث ١١ سبتمبر أو عن مشاريع السدود الضخمة التي تجرف أودية الهند أو عن انتحار ملايين المزارعين الهنود بجرعة من المبيدات الفاسدة بعد أن كبلتهم الديون


هنا تقرأ ارونداتي من كتابها "المشي مع الرفاق" المسمى على مقالة لها كتبتها بعد أن قضت أياما في صحبة المقاتلين الماويين في غابات الهند، وكانت قد سربت نيتها في ملاقاتهم فوصلتها رسالة من المتمردين يدعونها لزيارتهم.....

ارونداتي في صحبة المقاتلين الماويين

الورقة المطبوعة بعناية والمصقولة في ظرف مغلق القيت أسفل باب غرفتي ، أكدت على الموعد المضروب بيني وبين "المهدد الأكبر والأوحد لأمن الهند". انتظرت لأشهر كي أحصل على ردهم. 
كان علي أن أذهب إلى معبد "ما دانتيشوري" بمدينة تسهاتشقرث. حددوا لي أربعة  مواقيت مختلفة ويومين للموعد المضروب. كان ذلك تحسبا لتقلبات الطقس أو حواجز الطرق أو لأي عطل قد يطرأ في العربة أو لإضراب عمال النقل...او لمجرد سوء الحظ. 
الورقة ذكرت الاتي: على "القادم" أن يحمل كاميرا، يضع "تيكا" على جبينه (النقطة الحمراء) وأن يحمل ثمرة جوز الهند، أما "المستقبل" فسيلبس قبعة، ويحمل مجلة "اوت لوك" الهندية و ثمار موز.
كلمة السر : سلام يا معلم
سلام يا معلم؟ لعلهم يتوقعون أن يكون القادم رجلا؟ فكرت أن اجلب شاربا مستعارا

هناك طرق كثيرة لوصف بلدة دانتيوارا، إنها ملتقى النقائض، بلدة حدودية مرزوعة في قلب الهند، بؤرة حرب، مدينة مقلوبه الأحشاء ، داخلها في خارجها وخارجها في داخلها. ففي دانتيوارا ترتدي الشرطة ملابس عادية بينما يرتدي الثوار زيا رسميا. حارس السجن يقبع في السجن بينما السجناء أحرار (لقد فر ثلاثمائتهم من سجن البلدة القديم قبل عامين). النساء اللائي تم اغتصابهن محتجزات لدى الشرطة، بينما مغتصبيهم يلقون الخطب في الأسواق. 
هناك عبر نهر الإندريفاتي، في المنطقة التي يسيطر عليها "الماويون" -المكان الذي تطلق عليه الشرطة إسم "باكستان"- القرى خاوية من أهلها، والغابات مأهولة بالسكان. الأطفال يركضون في الأرجاء دون رقيب، ففي قرى الغابة الجميلة يتم تفجير المدرسة الإسمنتيه لتهوي كومةً من تراب، أو يتم احتلالها من قبل الشرطة.

الحرب المميتة التى تتكشف فصولها في الغابة، هي الحرب التي تفخر بها الحكومة وتخجل منها في آن، (عملية الصيد الأخضر) حرب تم اعلانها وانكارها في ذات الوقت. بي. جي باندام وزير الداخلية (والمدير التنفيذي للحرب) يقول أن لا وجود لها، أنها بدعة من خيال الإعلام ومع ذلك فقد خصصت مبالغ معتبرة لتمويلها، وتم حشد عشرة الاف جندي من أجلها.

ورغم أن مسرح الحرب أعد في غابات الهند، إلا أن عواقبها ستطالنا جميعا في المدن.

إذا كانت  الأشباح هي عبارة عن الأرواح المعلقة لأشياء فنت عن الوجود، فلعل الطريق السريع ذو المسارات الأربع الذي شيده تجمع شركات التعدين الإستثمارية  هي نقيض لفكرة الشبح، لعلها نذير لما هو قادم.

الخصم في الغابة، يختلف تماما عن نظيره، وليس هو على كل حال بنظير له في أي شيء! فعلى جانب واحد يوجد حشد عظيم من قوات شبه نظامية مسلحة بالمال والعيار الناري وأجهزة الإعلام وغطرسة قوة عظمى وليدة.
أما على الجانب الآخر، قرويون بسيطون مسلحون بأسلحة تقليدية، يدعمهم مقاتلون منظمون تنظيما بارعا، وعازمون عزيمة لا تلين: هي مليشيات الماويين ذات التاريخ المدهش في المقاومة والتمرد المسلح. 

مقاتلات قرويات ماويات


الماويون والقوات الحكومية شبه النظامية خصمان قديمان، وقد تحارب أسلافهم مع بعضهم البعض عدة مرات : في تيليقانا وغرب البنقال وبيهار  في مطلع الخمسينيات، في سريكاكولم بأندرا براديش في أواخر الستينيات والسبعينيات، ثم مرة أخرى في أندرا براديش وبيهار و مهاراشترا منذ الثمانينات إلى وقتنا الحاضر. لقد ألِفوا تكتيكات بعضهم البعض، ودرسوا كتيب ارشادات قتال بعضهم البعض عن كثب. وفي كل مرة يبدو وكأن الماويون أو اسلافهم قد تم هزيمتهم، بل وفي كثير من الأحيان وكأنهم تم إفناؤهم عن الوجود. لكنهم في كل مرة يبعثون من جديد. أكثر تنظيما وأكثر عزيمة، وأكثر تأثيرا من ذي قبل.
اليوم التمرد قد انتشر عبر الغابات الزاخرة بالمعادن في تشاتيشقارث وأوريسا وغرب البنقال- موطن الملايين من السكان الأصليين القبليين الهنود (الأديفاسي) و أرض الأحلام للمستثمرين وأصحاب المال.


وصلت إلى (معبد ما دانتيشوري) في تمام الموعد (اردت أن اعطي انطباعا حسنا). حملت معي كاميرا، وعلى جبيني بدرة حمرا في شكل نقطة، وثمرة جوز هند صغيرة، تساءلت إن كان أحدهم يراقب منظري المضحك. بعد دقائق قليلة تقدم نحوي فتى صغير. كان يرتدي قبعة ويحمل حقيبة ظهر مدرسية، على أظافره بقايا طلاء احمر متكسر. لا مجلة أوت لوك هندية في يده، ولا ثمار موز!

"هل أنت التي ستدخل هناك؟" - لم يتفوه بكلمة السر "سلام يا معلم"

لم أعرف ما الذي علي قوله. أخرج الفتى ورقة معفصة ورطبة من حقيبته وسلمها إلي، كان مكتوبا عليها :( لم أعثر على مجلة أوت لوك)

سألته : والموز؟

"اكلتها، فلقد جعت" 

يا له من مهدد للأمن بالفعل! كان مكتوبا على حقيبه : (تشارلي براون- ليس مغفلك المعهود)!
ذكر لي أن اسمه منقتو، علمت لاحقا أن الغابة التي كنت على وشك دخولها مليئة بأناس يحملون أسماء عدة وهويات متنقلة، كانت الفكرة كالبلسم لروحي ، كم جميل أن لا تَعْلَق مع ذاتك، أن تصبح شخصا اخر لوهلة ما.

ذهبنا إلى موقف الباص على بعد دقائق قليلة من المعبد. كان محتشدا بالناس. حدثت الأشياء بسرعة البرق: كان هناك رجلان على متن دراجتين بخاريتين، لم نتبادل أي حديث، فقط نظرة تعارف، حركة من اجسادهم لإفساح المكان، وحمحمة دواسة الدراجة. 
لم يكن لدي أدنى فكرة إلى أين نحن ذاهبون. مررنا بمنزل رئيس الشرطة والذي تعرفت عليه إثر زيارتي الأخيرة للمنطقة. كان رجلا بالغ الصراحة هذا الشرطي (في الحقيقة هذا الرجل قد أقدم على الانتحار قبل عامين) قال لي :

" تعرفين يا سيدتي؟ بصراحة هذه المشكلة لا يمكن حلها بواسطتنا نحن الشرطة ولا بالجيش، المشكلة مع هؤلاء القبليين أنهم لا يفهمون معنى الطمع، ما لم يصبحوا طماعين ليس هناك من أمل لنا. لقد أخبرت مرؤوسي، أخلي القوات وضع تلفازا في كل منزل، وكل شيء سيحل نفسه من تلقائه.  "       

لم يمض وقت وكنا خارج البلدة، ثم ثلاث ساعات أخرى أمضيناها في الطريق- بحسب ساعة يدي- انتهت في منتصف اللامكان، في شارع خاو تحفه الغابات من الجانبين. ترجل منقتو من الدراجة ففعلت مثله. رحلت الدراجتان.  حملت حقيبتي وتتبعت المهدد الأمني الصغير إلى داخل الغابة. كان يوما جميلا. أرض الغابة كانت مفروشة بسجادة من ذهب، بعد قليل دلفنا إلى اراضي رملية بيضاء على ضفة نهر أفطح، واضح أن النهر قد جرفته الرياح الموسمية فقد كان المكان أشبه بخور في عمق كعب الأرجل. يمكن عبوره بسهولة.

العبور نحو باكستان. "هناك!!" كما أخبرني رئيس الشرطة "رجالي يصوبون ليقتلوا فقط". تذكرت   ذلك عندما بدأت في العبور. تخيلتنا أنا ورفيقي الصغير في منظار قناص، مجسمان صغيران وسط منظر طبيعي، يمكن التقاطهما بكل سهولة.
ولكن منقتو بدى وكأنه غير ابه للأمر على الإطلاق- لذا فإنني قد حذوت حذوه.


هنا أنهت أروندتي القراءة فسألها المضيف إن كانت قد تلقت أي ردا من الماويين بعد نشرها لمقالتها وكتابها عنهم، قالت:

الغابة كانت تحت الحصار- أنه أمر في غاية السوء الناس لا يستطيعون الخروج ولا الدخول إلى الغابة، لا يستطيعون إدخال الأدوية أو الأغذية . مرت ٦ أشهر كاملة بعد نشر مقالتي، كانت هناك فقرة في المقال اذكر فيها أنني مستلقية على الصخور وسط المقاتلين الفتيين، وكأني في جناحي الخاص في فندق الف نجوم.
بعد ستة أشهر من المقال وصلني خطاب تم تمريره عبر عدة أيادي، يسمونه البسكوتة، إذ أن الخطاب يكون مطويا إلى ٩٠ طوية. كان خطاب من الغابة و كان فيه:
"بعد أن كتبت ما كتبت غمرت الغابة موجه من الفرح" ثم تم توقيعه بالأسفل : من مكتب العلاقات العامة بفندق الألف نجم

هنا تخنقني العبرة لأنو بحب الأفلام الهندية، الحوار أجمل بصوتها  عرجوا عليه حتى وإن كنتم من غير الناطقين بها ، اعتبروه ضربا من المزيكا ،تجدونه هنا القراءة تبدأ من الدقيقة 18:35- 26:47
والمقطع الذي تورد فيه رد الماويين عليها يبدأ في الدقيقة 1:04

Thursday 9 April 2015

حوار مع عصمت الدسيس


 هذا الحوار أداره الأستاذ أشرف السماني على صفحته المميزة على الفيسبوك حوارات.. والتي أدعو الجميع لزيارتها. الصفحة تقوم بمحاورة رموز الحركة الطلابية في التسعينات منذ بداية هذا النظام بإنقلاب يونيو .وبالنسبة لي فهو يمثل ذلك الصوت الغائب عن الحركة السياسية (خارج إطار فعل التضامن والمناصرة السياسية) فهنا تسمع رؤى وصوت "الشباب" كما يحلو لعصمت الدسيس تنصيص الكلمة.إذ أنه كما يعلق ليس سوى في - السودان يعد الأربعينيون شبابا- في هذه الصفحة يتم دعوة رمز شبابي ويفتح المجال لرواد الصفحة ليطرحوا عليهم الأسئلة، وقد استضافوا من قبل على سبيل المثال  الأستاذ محمد فاروق،  الأستاذة رشا عوض والأستاذ محمد الفكي و الأستاذ محمد 
حسن التعايشي،
https://www.facebook.com/groups/331221600400645/

عصمت الدسيس شخصية أثارت -وأحسبها لا تزال تثير الجدل في أوساط الحركة السياسية الطلابية، لجرأته في الخروج عن تقاليد الممارسة السياسية، اثار جدلا عند خروجه من الحزب الشيوعي والتحاقه بحركة حق، ثم بخروجه عن حق والتحاقه بحزب الأمة. رغم صيامه عن الحديث في الشأن العام الأ أنه اتيح لي "كزوجته ورفيقة" أن أتابع عن كثب حضور هذا السؤال بشكل دائم في حياته اليومية.وعلي أن اقول بنفس القدر المثيل الجدل منذ أيام نشاطه الطلابي
شهادتي فيه مجروحة لكنها لن تثنيني أن أقول أنه لم يلتقيني له نظير (اثناء حركتي في العمل العام- لو ممكن أسميها كدا) في تناوله للقضايا التي تشغله بتعمق واجتهاد مستمرين إذ أن الإجابة على أي سؤال بالنسبة له هي عملية مستمرة لا تنتهي. لذا تمتعت كثيرا (واستلفت كثيرا) رؤيته المغايرة للتيار العام لكل ما يحدث حولنا.وقدرته على تجاوز العاطفة العامة (بدايات ثورات الربيع العربي) بثقب نظر يحسب . له
ورغم ما يوصف به "من تأرجح" في مواقفه السياسية، فلم اجد نظيرا لعصمت في اتساقه الفكري والسياسي والتزامه التنظيمي للمؤسسة التي كان ينتمي إليها في كل وقت.
لقد أعدت تنسيق هذا الحوار بما يروق لي.. وقد افترعت عناوين جانبية له سريعة.. ايضا بما يروق لي.. فقد نقلته عن صفحة حوارات ولم اشاور في ذلك عصمت أو الأستاذ أشرف كي أخلي طرفهما من أي اخلال في السياق
وهي مقسمة كالاتي 
١- التدين وأسئلة الحاضر
٢-أدوات التغيير
٣-الفرق بين الإنتماء لحزب والولاء له
٤- نداء باريس...نداء السودان؟
٥-الإحباط؟
٦-برنامج موحد للقوى السياسية؟
٧-جيل التسعينات
٨-تخوين المعارضة؟
٩-المثقفون داخل الأحزاب السياسية
١٠-الحركات الشبابية؟
١١- التكتيك وتعميق الأزمة السودانية
١٢-ميزة حزب الأمة الإيجابية
١٣- العداء مع القوى القديمة
١٤- المعارضة المسلحة
١٥- الصراع بين القوى الجديدة والقديمة
١٦-المهدية الجديدة؟
١٧-تجربتي في الحزب الشيوعي وحق
١٨- هدنة بين الحركات الشبابية والقوى القديمة
١٩-التوابون- السائحون- الإسلاميون خارج السلطة
٢٠-الإقتصاد الطفيلي في ظل الإنقاذ
٢١- مالات العمل المسلح
٢٢- الأغتيالات كحل؟
٢٣- والمفاوضات؟
٢٤- المخرج من الأزمة

التدين واسئلة الحاضر
التدين هو الممارسة المادية للدين،و لا أقصد ب"ممارسة مادية" 
عزل الاحتياج الإنساني للانتماء
فلاهوتية الحاجة لإله هي إنزال لفكرة الاله، لذا فإن توصيف
الاله هو مُعضلة لاهوتية من جانب مادي مُرتبطة بمستوى الوعي و القُدرة على التخيل
من أجل ذلك نجد أن مفهوم "الاتفاق الديني" حتى داخل الدين الواحد صعب الحدوث على المستوى المادي ( التدين) و لكن الصراع ( التدافع) او دفع الناس بعضهم ببعض و تدافع و صراع السؤال و الحاجة البشرية هي سِلم الترقي نحو الله و بها تُحفظ الصوامع و البيع والمساجد ليُذكر فيها إسم الله


أدوات التغيير
 أدوات التغيير مهمة بأهمية التغيير نفسه
فإذا تم بأدوات القوى القديمة فسيكون لصالح القوى القديمة
و يعيدنا الى نفس دوامة الأزمة السودانية لذا ضروري
و لصالح الثورة ان تفرض القوى الجديدة في الأحزاب السودانية
أدواتها و شروطها للتغيير و هذا أمر صعب لان القوى القديمة
تتمسك بالحياة و تحتال للاستمرار قد تقدم بعض التنازلات التكتيكية، لو رصدت الخطاب السياسي للأفراد و المؤسسات السياسية تجده أقرب لل( التنقل) منه الى المواقف السياسية

 الفرق بين الإنتماء لحزب والولاء له

المنظومة السياسية هي جسم مدني و يحب ان ننتمي لها وفق شرط مدني و مفهوم الانتماء و الولاء البدوي ( قبيلة و دين و .. الخ) يلغي ال"انا" لصالح المؤسسة لان ال"انا" جزء من القطيع لذا يكون الخروج على القطيع جريمة و عار ، اضافة الى ذلك ايفاء احتياجات الأنا في الانتماء البدوي للقطيع لغياب مؤسسات المجتمع المدني التي توفر إحتياجات الانا دون الارتهان لسلطة القطيع الانتماء المدني تكون داخله و به حر و قائم على شرط مثل شرط الاتفاق وبالتالي غياب الشرط او الاختلاف حوله يلغي التعاقد  :الانتماء
قد تستغرب قولي لان هنالك خلط بين الانتماء و الولاء و مازال

الولاء يلغي الانا بمفهوم أقرب للعبودية



نداء باريس... نداء السودان؟ 

في تقديري ان تعفن الأزمة السودانيةو تكرار تشخيصها جعلا مؤشرات علاجهاواضحة و ما يحدث هو مراوغات و تكتيكات قوى تحاول ان تحدد صيغة تغيير لا تلغي وجودها، أي: تغيير تكون هي البديل فيه، فمثلا عندنا في حزب الأمة فإن منطقية و ميكانيكية التغيير الوطني ستطال القوى القديمة في الحزب و هي تحاول ان تحتفظ بالسلطة بعد التغيير احيانا بإنحياز تكتيكي و احيانا بمواقف سياسية تعيق التغيير نفسه. إختصارا اعلان باريس و نداء السودان فعل إيجابي و لكنه لم يتجاوز محطة ميثاق اسمرا و لم يأتي بجديد .. الأزمة ليس في المواثيق الأزمة في التأمر عليها و إستخدامها التكتيكي فالمدهشة انه بعد التوقيع على ميثاق اسمرا وقعت كل قوى ميثاق اسمرا أوراق مع السلطة تلغي أتفه حرف في ميثاق اسمرا

الإحباط؟

 الذين فقدوا الثقة في القيادة السياسية فهذا موقف مقبول نتاج تجريب اكثر من ربع قرن و لكن الاحباط هزيمة لان القوة القديمة إستنذفت طاقتها و قذفت في وجهنا السؤال و الاحباط هو هروب من وأحب السؤال فالتمرد مسؤلية و ليس فوضى و صراخ... يجب ان لا نعادي القوة القديمة في أحزابنا و إعطائها ( براح)  للهبوط الآمن إنها ليست عدو بقدر ما هي مرحلة

برنامج موحد للقوى السياسية؟ 

برنامج موحد يمكن ان يكون مشروع إستراتجي... ؟؟؟ هذا هو السؤال المأزق، لأنك لو راجعت كل الاتفاقيات بين القوى السياسية لا تجد لها صدي في بنيتها الفكرية الحزبية لذا تنهار هذه الاتفاقيات و مكتسباتها مع اول خلاف مرحلي نموزج اتفاقية مشاكوس بين قوى اسلام راديكالي و الحركة الشعبية بشعاراتها العلمانية خلقت كذبة دستور وطني و صراع يومي الى درجة ان وزراء الحركةالشعبية كانوا رموز معارضة في ذاك الزمن الى ان انتهى الامر بالانفصال ليس انفصال الحلفاء و لكن انفصال الوطن.... و تنظيمات ذات هوية دينية توقع على فصل الدين عن الدولة دون اي فعل فكري في احزابهم يشير لصدق التوقيع لذا الإصلاح الحزبي هو احد أدوات تغيير النظام السياسي ... لإيجاد هذا الاتفاق الاستراتيجي لابد للقوى السياسية ان ترتقي بخطابها الفكري لمستوى الأزمة الوطني
 .
التغيير هو بداً كسر التابو و مناقشة المُحَرَّم مثلا عندنا في حزب الأمة طبيعة علاقةأمة طبيعة علاقة الانتماء الحزبي غير عادلة و لا تمثل مصالح الفرد و هي أكثر تخلُّفا من علاقة أنصار الامام المهدي به فتلك علاقة منطقية و مفهومة قائمة أساسا على خطاب تحرير وطني و مصالح متضررة بمعنى ان الثوار( الانصار) كانوا يعبروا عن مصالحهم بالانتماء للثورة في المقام الاول و ايدلوجية الثورة المهدية قامت على هذه المصالح لذا تجد ان صراع المصالح و الحقوق كان مُحرك لكثير من الخلافات و سط الثوار و قادة الثورة خصوصا بعد انتقال الامام للرفيق الأعلى ثم صعدت الثورة الى أسفل بتحولها الى طائفة تعبر عن مصالح قلة و توجد صيغة عقد جديد هو ديني قلما يحتمل السؤال السياسي المطلبي و التغيير هنا هو إعادة بناء العلاقة بين الحزب و أعضاؤه لصالح السؤال السياسي المطلبي و الحقوقي و من ناحية أخرى فإن نهج الثورة المهدية الفكري قام على إصلاح ديني تحرري ( لاهوت تحرير ) فيه تصدى و رفض سلطة الاحتلال المصري التركي بإسم الدين و رفض مُجمل المشروع الديني لسلطة الاحتلال كمدخل لتدين يوافق و يتقبل الشرط الإنساني الوطني و عليه و تأسيسا على الثورة المهدية فإن التغيير شرط هي قامت عليه على مستويين فكري ( إصلاح ديني وطني ) و سياسي و هو العلاقة العادلة داخل المنظومة السياسية و هي علاقة مكنت خليفة المهدي من السلطة في حياة الامام و بعدها دون اي ضغوط طائفية او أسرية فالثورة كانت تصنع رجالها بعدالة ثورية.

جيل التسعينات 

جيل التسعينات عموما في مأزق مع أحزابه لان هذا الجيل نما و تتطور بمعزل عن اي تأثير لقيادته السياسية كما انه كون تجربته السياسية في وقت ما زالت القيادة السياسة محصورة في اكليشيهات ما قبل ابريل هذا الحيل احتكاكه اليومي و صراعه مع السلطة إكتسب وعي و أدوات عمل ثوري مرفوضة من المؤسسة السياسية التقليدية ( عموم الأحزاب ) هذا خلق تنافر بينه كجيل و منظومته السياسية و أصبح هذا الجيل امام خيارات اعادة تشكيل الحركة السياسية او المغادرة إحباطا او التواطأ مع القوة القديمة ضد ما يعتقد .
لا توجد بدائل و العملي هو العمل بهذه المؤسسات ندفعها باليمنى في خط إسقاط النظام و نعمل باليسرى لإنجاز التغيير داخلها.

تخوين المعارضة؟

المعارضة على المستوى السياسي تبذل جهد لا نستطيع تخوينه و لكن على المستوى الفكري لم ترتقي لمستوى الأزمة بعد فخطابها السياسي قديم و معزول عن أسئلة الواقع و ما تراه من هدوء للشارع الوطني سببه غياب الخطاب المُعبر عن الشارع ، مثلا لو إشترطت المعارضة على السلطة ضرورة تسليم الملف الصحي للجنة وطنية و وقف تصفية المستشفيات الحكومية كبادرة حسن نية ، اشترطت هذا لدخول اي مفاوضات ستجد الشارع ينتبه و ينتمي لان همه هو شرط الفعل السياسي.

المثقفون داخل الأحزاب السياسية

مؤتمر الخريجين و إستسهال السياسة في ذاك الزمن هو قول أتمنى له مقام ... و لكن حصيلة هذه التجربة كانت و ما زالت تتمثل في لعب المثقفين دور الرجل الثاني في هذه الأحزاب و أضعفت وجودهم فيها لدرجة سهولة الاستغناء عنهم كتكنوقراط دون ان يرف لجماهير هذه الأحزاب جفن لان الأصل في وجودهم ( وجودنا) في هذه الكيانات طفيلي لأنها موجودة قبلهم بمواثيقها و تعاقداتها ، هذا الاستسهال أجهض التطور السياسي و عزل المؤسسة السياسية من جماهيرها المطلبية و أجهض وعي و ثقافة الحق . مشروع التغيير الآن هو خروجنا من مقام الوجود الطفيلي في هذه المؤسسات الى مقام الانتماء لجماهير و خلق و بناء وعي و ثقافة المطالبة بالحق ... الانتماء المدني للحزب و إعادة تصعيد المشروع السياسي من الجماهير و إليها.


الحركات الشبابية 

الحركات الشبابية في الحركة السياسية هي قوة رفض و سهل جدا ان ترفض و لكن الأشكال في تحديد ما تريد و الخروج من وعي و خيال و أدوات القديم لتبتدع أدواتك و حلمك لأنك طرحت برفضك سؤل جديد يلزم بالضرورة اجابة جديدة . 
كل هذا يلزمه التنظير فهذه الحركات بلا جهد فكري ستظل حركة رفض هشة مثل تجربة المحايدين في الجامعات السودانية بداية و أواسط التسعينات سيطرت على جامعة الخرطوم و كادت تلغي كل القوة السياسية و بسطت أجنحتها في بعض الجامعات و لكنها إكتفت بأنها حركة رفض مطلبية بلا اي مشروع جديد ثم أخذت في التلاشي لهشاشة جسمها ، الآن هذه الحركات الشبابية مواجهة بنفس المصير ما لم تقدم مشروعها النظري ... الشي الثاني في حالة الفراغ النظري ستجد هذه الحركات نفسها تستعير ( و بخجل) في أدوات القوة القديمة في العمل 
اليومي الى ان تصل درجة مشابهتها موضوعا و اختلافها شكلا.... تعلم يا صديقي ان وجودها خصما على الاخر السياسي و هنا اتذكر توحش الاخر السياسي في صراعه مع حركة حق.

التكتيكي وتعميق الأزمة السودانية 

هذا ما جعل الأزمة السودانية تتعفن و يسكنها الصديد ان الفعل السياسي السوداني ظل طوال تاريخه يهرول خلف التكتيكي و رزق اليوم باليوم الا من قليل من الجهد الفكري( محمود محمد طه إستثناء) غياب التنظير او حركة التفكير ( التشخيص ) للازمة الوطنية ترك الفعل السياسي للتقديرات الفرديةو ردود الفعل الغريزية.
حالة الثبات التنظيمي و عدم تداول السلطة داخل أحزابنا أحدثت إحتباس على كافة المستويات التنظيمي و الفكري حتى المزاجي فمزاج المنظومة السياسية غير متناغم مع خطو الشارع وبالضرورة غير منسجم مع الساحة السياسية العالمية و غير قادر على مخاطبته و التغيير داخل هذه المنظومات ضرورة وطنية اكثر منها دولية ، و لكن للمجتمع الدولي حسابات اكثر تعقيدا من هذا ،منها حجم السودان في السياسة الدولية و صراع المصالح و تقاطعاتها ... أعتقديا حبيب ان الاعتماد على التغيير بقوة دولية كشي أساسي هو إشارة لفشل المشروع السياسي الوطني.

ميزة حزب الأمة الإيجابية

الميزة الإيجابية في حزب الأمة ان لا رقابة على الضمير فيه و لم يفصل كادر لصراع فكري و هو حزب مفتوح أقول فيه قولي هذا منذ ايام الجامعة و انا ضمن آخرون نبشر بهذا القول تحت سمع و بصر السيد الصادق و سبق ان إفتتحنا مركز دراسات بأمدرمان للتبشير بالحداثة و بناء حزب مدني ( لا أسري و لا طائفي) كان أغلب تمويله من السيد الصادق نفسه .. لدينا ما يكفي من مواضيع الصراع مع قيادة حزب الأمة و لكن ليس ضمنها تكميم الأفواه او عزل الكادر عن جماهير الحزب هو صراع مفتوح نلتزم بشرطه الاخلاقي و الديمقراطي.

العداء مع القوى القديمة 

القوة القديمة ليس شخص هي نظام يستفيد من وجودهم أفراد أصطلحنا على الإشارة لهم كقوة قديمة و لكن شخصنة الصراع مع أحدهم ترهل الصراع ، بالإضافة إلى انهم كأفراد قد تتفق مع مواقف متفرقة معهم و الخلاف يتلخص في عملهم على الحفاظ على سيستم القوة القديمة و أدواتها ، خذ عندك نموذج سيد الصادق فهو يدير الحزب بعلاقات قوة قديمة في اطار هيكل تنظيمي مدني و لكن التوازنات الاثنية و الدينية و حتى الأسرية حاضرة بقوة في طيات هذا الهيكل، هنا العداء للسيد الصادق لا يغير شي لان هذا السيستم متماسك بعلاقات معقدة في بنية الحزب، تفكيكها يبدأ بإعادة تعريف الانتماء للحزب وسط العضوية و تصعيد حقها في الانتماء لحزب مدني، اما تجسيد الشر في شخص فهو قصر نفس فكري و هروب من صعوبة معركة التنوير و ساحتها هي الجماهير ،انا لا أدعو لشيطنة احد لان هذا يحول مشروع التغيير الى صراخ و شد شعر و من ناحية ثانية يورط التغيير في صراع أقطاب القوة القديمة.


المعارضة المسلحة
بعد عودة المعارضة للداخل مهزومة بقصر نظرها و تصلب القوة القديمة فيها إتلهت و تلهت بأجند صراع او تقاسم او شراكة السلطة و لم يقدم خطابها السياسي اي رؤية لحل أزمة السودان بدليل مفاجأتها الكاملة بإنطلاق الثورة المسلحة في دارفور و سلبيتها تجاه انفصال الجنوب و وقفها موقف المتفرج من صراع السلطة بين الحركة الشعبية قطاع الشمال و النظام الى ان تفجر الصراع بحمل السلاح ، كل هذا و القوى السياسية لم تغادر أُمدرمان حتى عندما وصلتها شظايا الصراع في امدرمان بهجوم العدل و المساواة على امدرمان ارتبكت فصائل المعارضة اكثر من النظام و أصدرت تصريحات مُخجلة.
في ظل هذا الفراغ السياسي و مركزية الخطاب السياسي نشأت الحركات المسلحة و حالها يقول نحن أولى بأنفسنا و عقيدتها القتالية ( ولو كانت إثنية ) لم تكن خيارها و لكنها نتاج تخازل و خذلان الأحزاب السياسية و تغييب حقوق و مظالم شعبنا من خطابها السياسي و الفكري لو تطرفت لقلت حد الخيانة الوطنية. 
كل هذا التراكم موجود بوعي او بدون وعي في بنية هذه الحركات و أفرادها و لتغيير هذه البنية نحتاج لجهد فكري و عملي اساسه نقد الذات و إصلاح العمل السياسي و سط الجماهير. 
مصداقية حزبنا في نداء السودان تبدأ بإصلاح حزبي يشابه فيه الحزب روح نداء السودان بإخراج خطابه السياسي من مركزية الوسط الى مركزية الأزمة في الأطراف و التوافق على رؤية السودان الجديد كخط سياسي، دون هذا سنعيد تجربة التوظيف التكتيكي للمواثيق و تضخيم ملف عدم الثقة و النقض المفاهيمي للعهود و المواثيق ، أزمتنا الآن هي عدم الثقة و حزبنا يحتاج للعمل لإعادة الثقة في خطه و فعله السياسي. 
ما يحدد مستقبل المناطق الثلاثة هو موقفنا منها فتعاملنا التكتيكي يدفع الوضع للتأزم و يهدد الوحدة الوطنية ، المصداقية تجاه هذه المناطق ان يكون خطنا السياسي تجاه الثورة و إعادة بناء دولة المساواة و الحقوق و ليس فقط تغيير النظام و هذا سيساعد في تغيير عقيدة المواطنة و ليس فقط عقيدة المقاتل.


:صراع القوى الجديدة والقديمة

مآلات الصراع بين القوة القديمة و قوى التغيير تحكمه شروط كثيرة منها مدى نضج القوى الحديدة في الأحزاب يقابله تفهم القوة القديمة لحقيقة الوضع و تقديم مصلحة الوطن في الخلاف لأحداث تسوية تعفي القوة القديم من عئب المسؤلية و المساءلة التاريخية ، و من هذه الشروط المرحلي الوطني و ضرورة تقديم القوى الجديدة بعض التنازلات للقوة القديمة لصالح التغيير السياسي و تغيير مناخ الصراع معها من خلاف تحت مظلة حكم شمولي الى صراع في مناخ ديمقراطي.تجربة بريطانيا 


المهدية الجديدة؟

 اما عن العودة للمهدية فليس بشروط السلفية ( السلف الصالح) لان المهدية كان لها شرطها السياسي و الديني الذي يجيب على أسئلة الأزمة في ذاك الزمان و لكن ان نكون إمتداد لها فهذا ما نحاوله الآن ولكن ليحدث هذا لابد من تأطير المهدية اولا لنستطيع ان نشير بأصبعنا و نقول هذه هي المهدية . 
و إشكال هذا ان المهدية لم تحظى بتأريخ فكري يوازي حجمهاو ذلك للأتي
١/ مقاطعة حجم مُقدَّر من النخبة للثورة ( طرق صوفية- تجار - رجال الدين الرسميين.. الخ) 
٢/ هذه المقاطعة ضيقت مساحة الحوار و الكتابة 
٣/تقديم الثورة و العمل المسلح على غيره و إنهاك الامام باليومي الاداري
٤/ بساطة الخطاب الفكري لاهتمامه باليومي في مجتمع بدوي لا يحتاج الا الخطاب المباشر .
٥/ قصر حياة الامام و عدم وجود خلافة فكرية و عدم الاهتمام بالمشروع الفكري بعد انتقاله للرفيق الأعلى . 
في خلافة خليفة المهدي بدأت بوادر ردة أثنية و ثقافية نخرت لُب المشروع المهدوي ممثلة في عدم التراضي حول خلافة خليفة المهدي هذا الصراع و رغم قدمه أسس للمصادرة الاسرية للمهدية ( خلاف ما أراد الامام ) هذا غير علو الاثن في بسبب هذا الصراع. 
لاحقا ( المهدية الثانية) قامت على شروط الطرق الصوفية مع اختلاف المسميات الهيكلية لتتحول المهدية لطائفة. 
ثم الثالثة بكتابة السيد الصادق المهدي لكتاب (يسألونك عن المهدية) و الذي اجابة فيه عن أصل المهديةو عرفها بشكل سلفي مُغاير لأصل المهدية المرتبط بتاريخ التدين السوداني
هذه المراحل جعلت من مدلول المهدية باهت و يمكن ان يفهم أحدهم المهدية و التدين الأنصاري بأنه إمتداد للإسلام السياسي او مشابه للجماعات السلفية و يمكن ان نراها ذات مزاج صوفي ثوري... الخ
هذا إستعراض مُختصر و قد يكون مُخل أضف لذلك ان نتحدث عن المهدية ببعدين سياسي و ديني قصدت بهذا الركض السريع ان أقول ان ليس هنالك حل جاهز او سهل للخروج من الأزمة.


تجربتي في الحزب الشيوعي و حق

يحضرني هنا ان أقول ان في مساء يوم الانقلاب إجتمعنا نحن سكرتارية ج د الثانويات و قمنا بتحليل الانقلاب و وصلنا أنه انقلاب جبهة إسلامية و وضعنا خطة تأمين ج د و أجزنا خطة عمل لمكافحة الانقلاب و بدأ تنفيذ الخطة صباح اليوم الثاني بإصدار بيان يشرح طبيعة الانقلاب و يحذر من الدولة الدينية و ضياع مكتسبات الدولة الحديثة
قصدت بهذا التداعي ان أنعش روحي و أوضح حجم تلك المؤسسة..
كثيرا ما تكلمت في هذا الامر و قد شغل الرد على سؤالك أركان طويلة ايام ( حق) ثم تكرر الامر في أركان حزب الأمة حتى انني أصبحت أمتلك اجابات جاهزة دون تفكير فيها حيال نقدي للفكر الماركسي و نقد تجربة الحزب الشيوعي .
أختصر لك الامر إبتداءًا بصراع انت كنت جزء منه و هو خلافي مع الحزب حول علاقته ب (ج د )تكثف الصراع عندما قرر الحزب فرض خطة عمل على (ج د) مما أدى لتفعيل اللائحة ضد الشيوعيين في السكرتارية و توقيفهم من العمل في ابلغ تحدي لسطوة الحزب الشيوعي تلاحقت الأحداث كما تعرفين الى ان كون الحزب الشيوعي سكرتارية موازية لسكرتارية (ج د) في انقسام 
قام به الحزب ثم فصلي من الحزب
المرحلة الثانية في جامعة الجزيرة حيث رجعت ل ج د ( دون نقد ذاتي) و لكن سرعان ما نهض الخلاف بورقة حول الديمقراطية المركزية و أسس التحالف بين الشيوعيين و الديمقراطيين معها ورق حول تطوير التعليم الماركسي تأزم الموقف الى درجة انقسام آخر تحت مسمى ج د الجناح الثوري ثم كانت احداث ١٩٩٤ جامعة الجزيرة لمأتي للأهلية و هذه مرحلة انت عايشتها فيها تبنيت خطابي الفكري في منابر ج د و هي عزلتني حيث كنت عضو مغضوب عليه و حاولت نشر خطاب تغيير بشراكة آخرين الى بديات ظهور ( حق) حيث إستقلت ( تُرجمت إستقالتي لفصل) من ج د لنبدأ بناء مشروع القوة الحديدة وسط اليسار 
في هذه المرحلة و بحصار التجمع لنا- إنعكاسا لموقف الحزب الشيوعي كان حزب الأمة حليفنا الاخلاقي وسط الحركة الطلابية دون اي اتفاقات او اجتماعات ثنائية و أظنك تذكرين مدى العداوة في تلك الأيام .هذا التقارب المادي كشف لي لأول مرة حزب الأمة و قد كنت قبلا مُهتم بالثورة المهدية و الامام المهدي لدرجة ان اول جملة قيلت في اعلان ( حق) جماهيريا كانت مقولة الامام (... هم رجال و نحن رجال....)و بإختلافنا مع قيادة ( حق) كانت تجربتي النخبوية قد إكتملت حيث أني دخلت صراعات مُنهكة صداها العملي لا يتجاوز دائرة قطرها " جدعة حجر" كنت معزول من الجماهير و فعلي معزول و صراعي نخبوي و تحصيله لا يتجاوز النخبة ، انا لستُ سياسي بقدر ما انا مطلبي. حزب الأمة لم يستفز عزلتي بكثرة جماهيره و لكن بحقيقتها هؤلاء هم شعبي ، طبقتي ، الانصار البسطاء ملح الارض مظالم و انتهاكات تمشي على قدمين فقر يتوارى خلف صدق الانتماء و أناقة الجُبة الأنصارية قرأت عن البروليتاريا ( و انا منهم) و لكن الآن لمستهم بيدي في زحمة الانصار تشتم عرقا ينز ثورة لن تتأففي منه لو كنت بنت الطبقة انا لا ادعي أنني انصاري و لكن الانصار طبقتي و مصالحي الطبقية هي مصالحهم و نضالهم نضالي انا في مكاني الصحيح.

هدنة بين الحركات الشبابية والقوى القديمة 

الحركات الشبابية ( القوى الحديدة) تحتاج لتكتيك يقلل صدامها مع القوة القديمة في منظوماتها و تفكيكها عبر التسويات ان أمكن كما تحتاج ان توازن بين مصالحها في إسقاط النظام و مصالح القوة القديمة في إسقاط النظام لان الاحتكاك التكتيكي في هذه النقطة يكون لصالح النظام و يمدد عُمر القوة القديمة لان النظام حريص على بقاءها بإرتباط بقائه به كقوة معارضة هشة علينا حماية القوة القديمة من النظام و ذلك بالتواجد المستمر في فضاءها السياسي و عدم ارهاقها ( و إرهاق أنفسنا) بمعارك يمكن تجاوزها او تأجيلها


التوابون- سائحون- الإسلاميون خارج السلطة

الإسلاميين خارج السلطة الآن او التوابين هم تيارات مهزوزة عقائديا التحالف معها يستنزف قوة المعارضة كتجربة المؤتمر الشعبي الاخيرة و انا لا أشجعه من منطلق موضوعي و ليس ذاتي و على المستوى الفكري لم يقدموا حتى الآن مراجعات فكرية لمواقفهم مما يعاني ان موقفهم من النظام ناتج لصدمة فشل مشروع الدولة الدينية او نتاج صراع سلطة بينهم اما نشاطهم المعارض للسلطة فإن لم يخدم خطة الثورة فلن يضره. 
مجموعة التوابين ستكون سؤال مُنهك للقوة السياسية و العدلية بعد إسقاط النظام.

منذ يوم الانقلاب تأريخ للانحطاط في المجتمع فمنذ أيامهم الأولى عملوا على إلغاء الموروث الوطني بحلم ان يبدأ التاريخ الوطني ، جهدهم في تدمير الحالة السودانية و تحديدا إنسان الوطن أسس لانخطاط في مل شي بداً بتدميرهم لمؤسس الخلاوي بكل أعرافها و تراكمها المعرفي و العُرفي مرورا بتدمير مؤسسات التدين السودانية و تشويهها لدرجة ظهور ظاهرة شيخ الأمين ببيت المال .
. كل هذا خصما على التدين الاسلامي سوداني، هذا العداء لمؤسسة الاسلاموسوداني أحدث فراغ بإضعافها و تجهيل خطابها هذا الفراغ كان بوابة دخول الجماعات الاصولية لتجد الواقع مهيأ لها برعاية الجهل من السلطة في كافة مستويات التعليم إن الخراب الذي طال الشخصية السودانية هو الخسارة الأكبر لنا و الإنجاز الأهم لهم لان سلطة الجهل لا تحكم الا أرض الجهل و الظلام . طوال معارضتنا للسلطة لم نقاتل للحفاظ على مكتسباتنا الجمالية و الانسانية بل العكس تماهى الكثير من شعبنا في ثقافة القُبح من طريقة اللباس و الزِّي انتهاءا بالاخلاق لذا انا ميال لمفردة ثورة اكثر من تغيير النظام يجب ان نصيغ خطابنا المعارض لثقافة القُبح التي ترعاها السلطة بكل مؤسساتها. 
خراب بهذا الحجم ضروري ان يعزل المؤسسات السياسية و الحقوقية عن الناس لانها لم تستوعب حجم التغيير في الشارع ولم تقدم بديل جمالي يحارب هذا القُبح والانحطاط . 
واﻻشارة لتفاعل هذا الجيل مع الانحطاط الموسيقي و تشويه تراث المدائح يحب ان يقابله طرح معُارض في الموسيقى و عموم الفن معركتنا مع السلطة ليس بخطاب سياسي قديم إنما بالتصدي لها أينما وُجِدت في مسرح او مرسم او نص شعري علينا ان نقدم خطابنا الجمالي
أدهشتني ملاحظتك حول الاختفاء بالمناسبات الاجتماعية فرغم إيجابيتها الظاهرية فهي إشارة لحصار الشباب و غلق كل منافذ التنفس 



الاقتصاد الطفيلي في ظل الإنقاذ

النشاط التجاري او حركة المال أغلبها تتم في الإطار الطفيلي الذي ترعاه السلطة و ليس له اي عوائد تنمويةو ابلغ نموذج لذلك هي تجارة الدواء بكل خطورتها، تجارة قد تحقق مكاسب و لكن المواطن هو الذي يدفع الكلفة بإستهلاكه لأدوية فاسدة بضائع غير خاضعة للمواصفات او استيراد زبالة الاستخدام الثاني للسيارات و قطع الغيار و هذا تدفع البيئة و صحة المجتمع كلفته هي تجارة ليست ضمن اي رؤية تنموية آثارها على الاقتصاد و الصحة و البيئة ستكون كارثية مثلها التنقيب عن الذهب دون إشراف الخبرة التعدينية عليه هو تدمير لموضوع التعدين و هذا مشابه للدمار الذي اصاب آبار النفط جراء إنهاكها دون مراعاة لعمر الانتاج و قدرة البئر على الانتاج اليومي هذا إضافة لخطورة المواد الكيميائي المستخدمة دون إشراف اومعرفة خطورتها على التربة و المستخدم نفسه ، مثل هذه الفوضى يندفع ثمنها نحن و 
الأجيال القادمة.


مآلات العمل المسلح 

العمل المسلح الان هو الأنشط و الأكثر فعالية في المعارضة الوطنية و ظل السلطة الاداري يغطي فقط المدن و بعض أطرافها .
لو أعدت النظر لإنتشار المليشيات في السودان ستدرك حجم الكارثة بغياب و تغييب الجيش الرسمي للدولة فأغلب المناطق العسكرية تحت سيطرة المعارضة و مليشيات تابعة للسلطة و غير منضبطة و حالة موسى هلال أوضح نموزج و لكن يبقى شيء من الأمل في ضبط إيقاع هذه الفوضى بجهد القوى المدنية لخطوة نداء السودان و فبله إعلان باريس و ذلك بدفع المعارضة المسلحة نحو الشراكة السياسية السلمية .
في ظل عدم مسؤلية النظام و هيستيرية محاولاته للحفاظ على السلطة تبقى كل الاحتمالات واردة
العمل المسلح نتاج تراكم أحدث تغيير نوعي في موقف الأطراف تجاه السلطة المركزية و خلق قاعدة وعي جديدة. هذا الواقع لا ينفي ذاته لصالح العدم إنما لواقع هو امتداد له و هذا الامتداد .يمكن ان يكون بنية مختلفة للدولة، او تصعيد حرب المليشيات عموما نفي النفي مستمر بتصاعد الوعي في بنية الحركات المسلحة و نضجها و سبق ان ضربت مثلا لذلك بنداء السودان على المستوى النظري تبقى اسقاطه على الواقع لأحداث تغير نوعي في الخطاب السياسي


الإغتيالات كحل؟

الاغتيالات الفردية عمل فوضوي و يائس لانها تصفي أفراد النظام قادر على تعويضهم و الثورة هي تصفية النظام على المستوى المادي و المفاهيمي

والمفاوضات؟
اتفق معك ان المفاوضات تطيل عمر النظام بطابعه الشمولي لا يمكن الوصول معه لتسوية لصالح الديمقراطي و السلام لان قبوله بذلك يعني الانتحار له.

المخرج من الأزمة

انا على يقين ان المخرج المتاح اليوم هو عبر قوى التغيير ، لقد أُنهكت القوة القديمة بتراكم فشلها و أصبح هذا الثقل يعيق حركتها و يحبسها في أدواتها القديمة ، دوما ما أكرر ان الاسئلة الجديدة تلزمها اجابات جديدة ، شكرًا لكل المتداخلين و ما سهل الحوار اننا كلنا ننطلق من هم و وجع واحد ... و دام نضال جماهير شعبنا .. المجد لشهداءنا منذ معركة الامام في الجزيرة أباً الى الى آخر شهيد سفكت دمه سلطة الخراب...