Monday 6 April 2015

جسور الإلياذة

هذا مقال مؤجل ليهو فترة.. لكن آن اوانه خلاس :)

لعلو دي فرصة أجيب في البدء عن سؤال متكرر من الصحاب : انتي جنك شكر ليه؟ (رغم انو انا شايفة انو جني شناف) ، لكن لأنو عملية الكتابة في حد ذاتها طور من أطوار التفكير تجدني أميل اكثر للشكر . الطيب صالح -رحمه الله- له مقال جميل كان يرد فيه على رأي طه حسين في المتنبئ علل فيه ميله لأن ينقد عن محبة لأنها تفتح ما قد يستغلق بالنقد الرافض.

لكن هناك فضيلة واحدة متبقية (اذ انو الحمدلله الزمن امتحني وفشلت في كل الامتحانات) هو أنني باستمرار البس حذاء الآخر وامشي في دربه (كما يقول الخواجات)- ربما من هنا ينمو تقديري الذي قد يطغى على مكامن الرفض


عندما تسلمت الياذا دقنة رئاسة تحرير مجلة جسور التابعة لمؤسسة دال الإستثمارية، مررت على هذا الأمر مرور الكرام بما نحمله عادة من تهاني وامنيات صادقة لحصول صديق على وظيفة مرضية.

ومع حضوري للسودان -وبلفتة بارعة منها- زارتني الياذا تحمل باقة من مجلات جسر بدءا من نشرها وصولا الى اخر عدد لها. 
سلمتني العدد الأخير والذي كان تحت اشرافها تماما (حيث أن العدد قبل الأخير -رغم انها اشرفت على غالبية جوانبه إلا أنها كانت اقرب إلى التنفيذ من الإخراج الصحفي)- قرأت الصفحة الأولى والتي تضمنت كلمة العدد. قبل قراءتها تخيلت نفسي في موضع الياذا وكلمتي الإفتتاحية الأولى التي لا شك أنها ستكون مليئة بالبرافادو وعهد جديد من التميز وما إلى ذلك. الا ان افتتاحيتها كانت مختلفة تماما!!!
بادي ذي بدء أنها استخدمت :ضمير المتكلم الشخصي: أنا. 
!!!!
زي ما بئولكم كدا
الخطاب كان مختصرا وحميما وقريبا وفي غاية الألفة، لم يحمل تلك الصورة المعتادة للإفتتاحيات التي كنت أقرأها، لم يكن يحمل لغة الثقة المفرطة. كان يتحدث عن "البدايات" وما تحمله من مخاوف وطموح وأحلام. الإفتتاحية لم تكن :دليل استخدام، كانت أشبه بيد تسالمك من بين طيات المجلة لتصحبك في جولة عبر صفحاتها كرفيقين.

سألتها عن هذه الإفتتاحية ولم تخرج اجابتها عن ذلك، أنها كانت تود أن تكون هناك ألفة بين القارئ والمجلة- شيء من الحميمية

ثم شرعت في توضيح التغييرات التي احدثتها ، أشارت إلى أنها اهتمت كثيرا بمسألة "القارئية"، كانت تود أن تنتقل عين القارىء براحة مطلقة في ثنايا الصفحة. لذا اكثرت من المساحات البيضاء وتصميم المقالة بشكل سلسل وانسيابي، مع الخطوط الناعمة... تجنبت الياذا فكرة "العمودية" والتربيع والاستطالة والخطوط المتعامدة. وأكثرت من الأقواس والمنحنيات. وتوزيع المعلومات والمقالات على محيط المجلة. في الحتة دي تحديدا اليازا ضد التكتل والتجمعات. وهذا هو الملمح الدكتاتوري الوحيد في المجلة :)






هنا أخذت وقفة. هنا لبست حذاؤها. سألتها: تعنين أنك انت من يتخذ تلك القرارات؟
أجابت أنها تعمل مع مصممين محترفين، هنا اشارت إلى الصفحة الأولى التي أضافت إليها اسم الفريق العامل ، قد يظن البعض أن هذه لفتة لطيفة منها في أن تشرك الآخرين في هذا المجهود. لكنها تضيف باحترافيتها المعهودة: أنا وهذه المجموعة نعمل بشكل مكثف لنصل لقرارات حول المجلة. 

مع من أيضا تعملين؟ مع المطبعة في مصر. وحكت بمتعة عن محاولتها شرح لون الغلاف الذي ارادته لعددها الأول- ليس ذهبيا بالمعنى المعهود-ليس الذهبي البراق- الذهبي المطفي- لا اعني الذهبي المكتوم- ثم اهتدت اخيرا إلى لو علبة سجائر البنسون.






لكن أليست هذه خطوة جريئة؟ أعني الأعداد الأولى كانت زاخرة بالصور.. أعني غلاف سادة؟؟؟ لمجلة استثمارية؟؟؟ غالب ظني أن اهتمامها بشكل أساسي أن تظهر "البراند" في كل فسفوسة في المجلة. 
أجابت أنها ارادت أن تكون أكثر من مجرد مجلة دعائية عابرة - هذا هو! نعم هذا هو الأثر المحسوس عندما تمسك المجلة في يدك... وأنها هدية ثمينة مغلفة مهداة إليك. او ربما اكسسوار وقد رأيت الكثير من الصحاب يزينون بها طابلونات سياراتهم، أو طاولات القهوة في منازلهم أو بارزا من حقيبة سيدة أنيقة. 
رأيتها على حاملة الصحف بأوزون. تخيل المنظر لسيدة اوزونية نمطية. بكامل أناقتها وطلاء اظافرها مع فنجان قهوة تتصفح (أ) مجلة بها صور سيارات أو أبقار أو قمح ومزارع او (ب) مجلة ذهبية؟

الغلاف مطوي.. ما ان تفتحه حتى ترى "بونفيت" من الصور الإحتفائية بمنجزات المؤسسة



الحقيقة أن هذا الملمح تحديدا هو جزء من شخصية الياذا الأصيلة، فكل من يدور في فلكها يعرف أن الياذا لها تأثير مباشر في تحسين تذوقك البصري. بدءا من ازيائها اليومية، إلى مكتبها، والطريقة التي تنظر بها الى الأشياء حولها، المعارض الأنيقة التي تقيمها في مركزها - والآن المجلة







وقد نقلنا هذا الحديث إلى النقاشات المطولة التي تقاوم بها الياذا تحول المجلة إلى مجرد لوحة إعلانات أخرى كتلك التي تنتشر في الطرقات. 

أها! لم اضع كل هذا في الحسبان! كنت اظن أنها تتلخص في جلوسي خلف مكتب ، أقرأ المواضيع التي تروقني فأضعها في المجلة.. والتي لا تروقني - أجليها. لم اضع في حسباني : الإجتماعات، واخراج المجلة، والرؤية العامة، والتصميم، والمفاوضات مع اطراف عدة.

لست أدري وقد كنا نتحاوم ٢٤ ساعة مع بعض من أين تعلمت كل هذه الأشياء (كانت بتذاكر من ورايا)

"it's common sense ya Maysoon"

كومون سينس؟ طيب، أنا برضو قلت كدا. 
قبل عدة أسابيع تسلفت سي دي من المكتبة، هو جزء من سلسلة أفلام تلفزيونية تتحدث عن نشأة وولادة أهم المجلات في استراليا. الفلم كان اسمه : ولادة كليو The birth of Cleo 

لمن التقى الياذا شخصيا، فإن ايتا بتروز رئيسة تحرير هذه المجلة والتي ستصبح لاحقا أحد أهم أعمدة الصحافة في استراليا - تشبهها كثيرا، حتى في التفاصيل الصغيرة. للأسف فتشت سماء واراضي الانترنت لأجد مقتطف من الفلم ولم أجده. لكني وجدت هذا المقطع على اليوتيوب فيه مقطع حي للسيدة ايتا بتروز في شبابها اثناء عملها



المؤكد أن هذه التجربة العملية ستصقل موهبتها الفطرية هذه إلى مدى بعيد. وما أرجوه حقيقة، أن يكون حلم مجلتها الخاصة هو من ضمن طموحاتها المستقبلية





3 comments:

  1. طوبى لك بصديقتك وبدايات انجازها بالتوفيق ، تعجبي البدايات المبشرة

    ReplyDelete
  2. العبقرية ياها مقالك ده.. حوار و ما حوار، و لا هو قصة و لا هو ما قصة، و لا هو سيرة مجلة و لا ما سيرة مجلة.. لغتو ما عضُم و موضوعو ما هيّن..

    ReplyDelete
  3. رغم ما تبدو عليه في ظاهرها انها كتابة احتفائية
    لكنها عميقه في تحليلها وذكيه في إيماءاتها
    وتستحق المجلة التي طوفتنا بين طيّات اعدادها وإعدادها قراءتك
    تستحق قراءة مثل ما انجزت من محابرة
    شكراً لك ولها و لهم

    ReplyDelete