Saturday 24 August 2013

حبة شخصية للمؤسسة الربحية أو عن الماركتنق

                                                                ت س و ي ق  / س و ق ي ة

نفس الأحرف تجمع بين  المفهومين المتباينين ، ذلك أن الفارق بينهما يكاد يكون خفيا، إلا أن أثره بالغ وعميق
ولعله لا فرق بينهما. فربما يقول أحد المثاليين أن تسويق فكرة أو مبدأ هو أمر في غاية السوقية.  وربما يقول ساخر أن التسويق أمر اصيل فينا منذ نشأة البشرية، وكلنا يسوق. قل إن التسويق هو محاولة جر الناس لتقبل سلعة أو فكرة أو احساس، فإن نجاح التسويق وانتشاره يعود سببه في الاول أن كل منا يسوّق لأمر ما في كل لحظة من حياته. الملابس التي ترتديها فتاة في طريقها إلى العمل صباحا هي تسويق لشخصيتها، إنها الشخصية التي تود أن يراها عليها سائق الأمجاد، أو صاحب كشك الجرائد. الطريقة التي يستوي بها رجل خلف سيارته، طريقة وضع يده الكسولة على المقود بينما ترتاح يد أخرى على حافة الشباك ، سواقته شبه المتهورة، تسويق لصورة ما يريدها أن تصل إلى ركاب السيارات الأخرى
أنا هنا أتحدث عن عالم الأعمال في السودان، لعله منذ مبتدأ الألفينيات برزت اهمية التسويق مع ظهور سوق منافس بين شركات الإتصالات، ولم تكن موبيتيل قبلها تحتاج إلى بذل أي مجهود في التسويق وهي الوحيدة بلا منافس. ثم ظهرت "أريبا" MTN- حاليا- ولا ينسى أحدنا تلك الصور الاعلانية الرائعة لطفلتين ضاحكتين. التقطت دال الكرة سريعا فظهر ذلك الولد الوسيم يجرع زجاجة الكوكاكولا. لم يكن عنصر التسويق في موضوع الصورة (لا أظن أن الموضوع كان موظفا بشكل مناسب) لكن في جودة الصورة في حد ذاتها، والتي كشفت شيئا عن المنتج، فالعناية التي أولتها شركة كي تعلن بصورة ذات جودة عالية وعلى درجة من الحرفية والإتقان، يقول أن هذه الشركة تولي نظرة للإتقان وللجودة تنعكس على سلعتها.
 منذ تحولنا إلى مجتمع استهلاكي تعززت التنافسية العالية بين الشركات للبقاء في السوق فأكدت على دور التسويق الذي لم يكن له تلك الاهمية من قبل في الشركات والمؤسسات الإستثمارية، أعني بروزه بشكل محترف.
ومن هوجة الصور عالية الريزولوشن ومتقنة الفوتوشوب بما فيها من الفتيات الجميلات والضحكات الناصعة والأطفال "الكيوت" إلى هوجة العبارات التسويقية "متعة الكلام" و"سمحة المهلة" تأتي هوجة الصاجات....
ولصديقي نظرية حول التغير المناخي والصاجات قائلا: صاجات الإعلانات تعكس درجات عالية من السخونة، يهرب الجميع منها بتعلية التكييف في سياراتهم ومنازلهم ومكاتبهم ، نافثة سخانة مكثفة عن مراوح المكيفات وعوادم السيارات لتنتج دورة السخانة من جديد...و السبب هذه الإعلانات اللعينة (!!) لا نستطيع ان ننكر ان هناك جهد مقدر في هذه النظرية J
اصبحت  الخرطوم عبارة عن واجهة اعلانية كبرى، فما من مساحة تطل على طريق إلا ونصبت عليها لافتة إعلان. والأعلان على الواجهات غرضه أمر واحد وهو ال Visibility إثبات الوجود. فاحدى الشركات التي تبتاع الأدوات الكهربية تحتل شارعا طويلا كاملا بما يزيد عن الخمسين اعلان، تبعد المسافة بين الإعلان واخر اقل من نصف متر. وفي شارع اخر وبنفس النظرية نصبت أحدى شركات الإتصال يافطات مضيئة ذاتيا (أي انها تضيء لروحها ولا تسهم في إنارة الشارع) ما يزيد عن العشرين اعلان متتالي.
شركة اتصال تحرص على دمغ يافطات المحلات بنفس الشارة والالوان، بحيث تنمحي شخصية المحل وتغدو مجرد ناقل اعلاني للشركة. فتمضي في شارع كامل لا تفرز بين صيدلية وبقالة ومحل حلاقة .
شكل اخر من اشكال التسويق :حيث أضحت في كل مؤسسة/ شركة استثمارية  قسما للمسئولية الإجتماعية والتي تعرّف انها احدى توجهات علم الإدارة الحديث والتي تعيد تعريف دور المؤسسة الربحية. فإنشاء قسم المسئولية الإجتماعية كان جزءا من عملية التحديث الإداري في هذه المؤسسات. وترعى هذه الأقسام عادة مشاريع خيرية أو ثقافية أو رياضية و تعمل هي الأخرى كناقل إعلاني للشركة/المؤسسة الربحية في احد اغراضها
وأخيرا الرعاية: تجد المؤسسة الإستثمارية ترعى كل شيء ونفسها سمحة، لاتمانع طالما هو أمر يجلب جمهورا ... بدءا من دوري كرة قدم إلى مهرجان سياحي إلى ديوان شعري إلى مشروع أكاديمي إلى معهد اطفال ذوي احتياجات خاصة إلى مشفى خيري. وهو أيضا امر يثير التعجب..وسنأتي إلى ذلك
إذا المؤسسات الربحية والإستثمارية تحرص على أمر واحد وتركز عليه وهو اثبات الوجود visibility  . يعني- برغم من استخدام احدث الوسائط في الإعلان وبرغم التحديثات الإدارية لم نخرج عن الغرض القديم والبالي للتسويق وهو أن تكون الشركة مرئية بمعنى منتشرة. في حين يتجه عالم التسويق  الان إلى بناء بروفايل الشركة  وبناء شخصيتها. أنا لا أقول هذا الإطلاق، هناك بعض التوجهات المختلفة من بعض المؤسسات كالتوجه البيئي لمؤسسة دال ومن دعم المشاريع الشبابية من قبل MTN  في هذا الخصوص، سوى أنها توجهات تحتاج إلى القوة والتركيز.
تكثيف الوجود عبر ازدحام اليافطات الإعلانية في مكان واحد امر في غاية السوقية والإبتذال ويخرج عن التسويق، إذا أردت أن تعلن عن خدمة صيانة مجانية هناك طريقة أخرى لذلك ، إما بالرقم السهل – اضرب لكم مثالا سمعت هذا الإعلان  قبل 10 اعوام عن رقم هاتف ومازلت أحفظه 246-50-50 أنها خدمة طلب بيتزا في الكويت، لكنها كانت عبر أغنية طريفة وتجد طريقها إلى نخاشيش الذاكرة، أنا أمر بشارع المطار كل يوم وأشقر على الخمسين يافطة منصوبة، ولم أحفظ بعد رقم خدمة الصيانة، التكرار لن يفيد - المستهلك، إنه سيزيد من تجاهله.
المسئولية الإجتماعية، إنها ليست كذلك حقا، إنها إدارات لتوزيع الزكاة والصدقات عن الشركة الربحية الثرية، تجد الشركة الربحية تصرف الصدقة في كل شيء في الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وابن السبيل، وتشخلل جيبها في كل مبادرة. يذكرني ذلك بمصطلح بالنوفو ريش- وهو لقب أطلقته الأرستوقراطية الفرنسية على طبقة الأثرياء الجدد، وكانت تصفهم بالسوقية والإدعاء.  أقسام المسئولية الاجتماعية في الشركات أصبحت هي المبادر والمنفذ للمبادرة أو في افضل الأحوال الشريك الأساسي لها. أن لست أدري أي نوع من المسئولية تقيمه هذه الأقسام  بتغولها على عمل مؤسسات أخرى، كل ما تفعله أن تقوم بإضعاف عمل تلك المؤسسات بتمددها في حقل لن تستطيع هذه الشركات تغطيته (في نهاية الأمر المؤسسة الربحية هي مؤسسة ربحية لن تتحول إلى مؤسسة خيرية). اتجاه المؤسسات الحديثة يعمل على انشاء صندوق خيري به مبلغ محترم ومقدر. وفي كل عام، يفتح الباب للمؤسسات الخيرية لتقوم بالتقديم للصندوق عبر بروبوزال محترم، هذا البروبوزال مدعوم بعملية مسح دقيقة للجهة المستهدفة من العمل الخيري ، والأثر الذي سيحققه هذا الدعم، أضافة إلى ذلك وصف للعاملين في المشروع ومدى تأهيلهم في تنفيذه ثم رصد الميزانية ثم التقرير النهائي. يعمل هذا التوجه على أمرين، تقوية ظهر الجمعيات والمؤسسات الخيرية بتدريبها على قواعد العمل العام واظهار المسئولية في دعم عملها، وفي نفس الوقت دعم الشرائح المستضعفة
كذا الحال في الرعاية ، لا تقوم المؤسسة بطباعة ديوان، هل تتخيلون شركة مشروب غازي أو اتصالات أو مكرونة تطبع ديوانا لشاعر؟ أو معرض فني لفنان حداثي؟ أو مسابقة روائية تلقط الناس تلقيطا كي يقوموا بالتحكيم ؟ (يبدو الأمر فولقيغ- أي مبتذل) لكن الامر كما تفعل مؤسسة فورد، تفتح منحة للفنون والاداب في كل عام، وتتقدم المؤسسات الثقافية بمقترحاتها وبروبوزلاتها لدعم أنشطتها السنوية. وبذا دعم المؤسسات الثقافية وارساء عمدها في المجتمع، ودعم الإبداع.
الرعاية من طرف، ترعى المؤسسات التي تفصح شيئا عن المؤسسة... لا ترعى من طرف! سأربط هذا بالخاتمة
التسويق الان يتحرك من الظهور (ظهور المؤسسة الربحية) إلى بناء الشخصية والبروفايل للمؤسسة الربحية. إذا رأى احد منكم فيلم مايكل مور (المؤسسة) كان هناك سؤال ذكي يقوم المخرج بذكر اسم مؤسسة ربحية ويسأل الناس ان يتخيلو شكلها البشري؟ نايكي؟ شاب رياضي وسبم. ولكن إذا ذكرت اسم أي مؤسسة سودانية ما هي شخصيتها؟ ما هي هويتها ؟ لا هوية ...تلاقيط كدا.. هناك شركة ذات اسم تكنولوجي حديث وقبل أن تكون عنها صورة شاب مواكب يرتدي تي شيرت مرح ونظارات "Funky" ويجلس أمام لابتوب ، تفاجئك هذه الشركة أنها ايضا تبيع الحلل.
هناك شركة جرارات زراعية لا تعطي ايحاء التكنلوجيا ولا صورة المزارع المثابر، تبدو أكثر كمغلق لقطع الغيار
ما تحتاجه الشركات حقا هو أن تبدأ في بناء شخصية، حبذا من القليل من المسئولية تجاه واجهات المدينة، تجاه تنمية المؤسسات غير الربحية لا مصادرة دورها، حبة شخصية يا مؤسسة يا ربحية J

إذكر لي اسم اي شركة اتصال ، سأتخيل شكل اخطبوط أصفر، أو بنفسجي أو أزرق...بحسب اسم الشركة J


Wednesday 21 August 2013

تخشى أن يسلبها التهكم زهرة الحياة

تخشى أن يسلبها التهكم زهرة الحياة
 أنها افرطت في تدليل قطط الذات حتى أضحى الدخول إليها مستحيلا
أن عضت نواجذ الغير دعابتها، و أطبقت المواساة على الجزع
تخشى اطراء الصّحاب اليقطع الطريق على السّمر
وطائر ينشب في قلبها مخالبه فلا نظرة إلى غوث ولا هاوية الخلاص*
تخشى- يا لطيف- مكننة الضحك ووردية اللغة
نوافذها المرخيّة لكل متطاول يحرك أثاث الغرفة
خلوتها المفتوحه بجنيه للعامة حتى أعيتها الحمحمة 
لا يفهم هذا أنه تسول لغموض.. لا  ..ولا عصمة

تريد أن تحلل كبش التسمية
أن توقظ خلايا ابطيها
تفك خدر اللسان
تريد حين يناديها مناد يا فلانة!  تلتفت، ولا يلتفت طود من التوقع

 كلما خلعت نعليها وقارا تعطّن المحلّ زلفى
فهي تخشى ما تخشى – أنها تبشر بإله تنكره
و انها استلذت التوبة فحطت من حكمة الخطأ
تخشى أن خلف  الستار كاهن طرب، و يا للوجع! انها الكاهن! أو يا للفزع! أن يكون سواها
تخشى أن أماتت بالتفسير كل نبض يؤول
أن لا تزورها طفلة في منام، وأن يٌصفّ كتابها تحت بند الموعظة**
تخشى أن يستحسن الناس هذا
تخشى أن لا نهاية
.......................................
* طائر  اللعنة الذي تقلده البحار العتيق في قصيدة كولريدج، ظل معلقا في البحر، ربان سفينته ماتوا ، وقد تحجر لسانه عن طلب الخلاص أو الموت
** للقصيدة أيضا منام....حتى  ينهيها عاطف خيري بقوله : طفلة  في المنام، رأتني، رأيتها ، رأت: أنه الفطام