Wednesday 29 May 2013

أنحنا -بالصلاتو على النبي – ما بنتخوف

أنحنا -بالصلاتو على النبي – ما بنتخوف

مع أنباء دخول مليشيات إلى أم روابة، وقوات الجبهة الثورية من بعد في اب كرشولا، طرأ على المجتمع شيء من "الهيبرة"،نشاط مفرط في تناقل الأحاديث عن تحركات الجيش والمليشيات، وتفاصيل هروب الوالي ونائب الوالي، والتحليلات العسكرية و سيناريوهات توغل قوات الجبهة الثورية في البلاد وصولا إلى الخرطوم.
وقد اخطأ بعض أصحابي هذه الحماسة بأنها نوع من "الهلع"  وتناقلوا أحاديثا على شاكلة "تلك الأيام نداولها بين الناس" و "كما تدين تدان" و "حبة فوووء وحبة تحت"..بأختصار تستاهلون يا أهل المركز هذا الهلع بعد سكوتكم على ما كان ولا يزال يجري لأهل الهامش..خموا..وصروا.
إلا إنني أرى انه ما من هلع..بل شيء من الحماسة. روى أحدهم في قديم الزمان، أن أثينا في زمانها بلغت من الكمال مكانة حتى أصاب أهلها الغثيان، حتى أن الجنود الرومان عند اجتياحهم لإحدى القرى الحدودية وجدوا قصيدة طويلة ملقاة على قارعة الطريق، بث فيها الشاعر أمانيه في أن يغزوهم الرومان وينقذونهم من هذا الملل. نحنا حاجة زي كدا... لقد بلغنا من البؤس مكانة حتى ما عاد يثقل علينا بؤس. نحن- وأعوذ بالله من كلمة نحن- متنا
فنحن وأعوذ بالله من كلمة نحن- صرنا نبصر رجالا يلقطون طعامهم من الكوشة ويلتهمونها طوالي دون صرها في أكياس كما في سابق العهد
نحن وأعوذ بالله من كلمة نحن- ابصرنا طفل المدرسة بزي المدرسة داخل قمامة بقالة التسامح يتشمم  خبزا ثم يأكله متسترا بالتجاهل المصطنع بيننا وبينه
نحن وأعوذ بالله من نحن زاااتنا- أبصرنا المستورة تبلمت كي لا يرصدها احد فجرا وهي تقلب أحشاء الوساخات تسد به جوعها
نحن وأعوذ بالله من نحن – ابصرنا الشيخ متعمعما ، يجوب شوارع الخرطوم يضب تحت ابطه باكو بسكويت بركة..قادرين تتخيلوا شيخا ثمانينيا من البلد يعافر في باكو بسكويت؟
نحن وأعوذ بالله من نحن- نمر في أزقة شارع الحوادث بين العيادات والمستشفيات دون أن يحدثنا أحد "بالأرض الخراب" نرى موتى يعودون موتى.
أخبرتني صديقتي بحماسة لم تحسن دسها في نبرة الهلع المصطنع ، أن المصيبة تكمن في السلاح المنفلت في الخرطوم، وأنها لا تعني فقط البنادق والمسدسات، بل الأسلحة البيضاء أيضا..ثم أضافت بشيء من الإعتيادية أنها تفضل الموت بعيار ناري على سلاح أبيض.
لم ينفذ الوقود في طلمبات الوقود، لم يكدس أحدنا سكرا أو عدسا أو شموعا (وقد كنا نفعل ذلك ابان الإجتياحات القديمة- إذ ان هذه ليست أول مرة تساسق فيها قوات غير نظامية داخل المدن والقرى- كان ذلك حينما كان في جسمنا مضغة حية)
"يا عمو؟ سمعت بناس الجبهة الثورية دخلوا ام روابة، ويمكن كمان يحصلوا الأبيض ويجونا هنا في الخرطوم"
"أحسن- والله والله يجوا علي بالحرّم أسوط ليهم كركاديه"
تبادلت أنا وسائق الأمجاد حديث الحماسة حول مآلات دخول القوات الثورية الخرطوم ، ورأى أن الحل هو لجوءنا إلى الجزيرة العربية...ثم نظر إلى دهشتي في المرآة وانفجرنا ضاحكين.
أطلقت الحكومة شائعة عن عودة كشات تعبئة الشباب يحملونهم إلى مناطق القتال، تثاءب الشباب وخرجوا زرافات ووحدانا إلى شوارع الخرطوم يقطعون الطريق أمام أي دفار يقلهم إلى جحيم مختلف
أرسل أحدهم اليوم في شريط التلفاز "أنا بحب القوات المسلحة" م.ع 
نحن- باختصار- نعاني من حالة كآبة وطنية... ناشونال ديبريشون. تتجلى في انفجارات غضب غير مبرر (من منا لم يتحسس لأمر تافه) و الكل يردد الحديث ذاته أننا نعاني من فقدان شهية مزمن نعالجه بشيء من النهم للتنفيس، تناتبنا فجأة حالات انتشاء غير مبرر فيسكسك كبيرنا قبل صغيرنا، أغاني وأغاني (!!).. كل فينا أصبح داخل غرفة مهجورة في قلعة معزولة  من منا لا يمشي ساهما يحدث نفسه كلنا طششنا شبكة ونظن الحل في اخر موديلات التواصل (لنقول ماذا؟ الجيش دخل مرق أب كرشولة الجبهة الثورية)
فلا يتوعدنا أحد بالموت... سننتظر الموت كي يطرق أبوابنا..ولن نندهش
ويشهر في وجوهنا سيفه...ولن نندهش
وسيغرس في أحشائنا رمحه...ولن نندهش
ثم سيستل أرواحنا على غفلة منا ونحن ننظر في ووجهه ببله..ومع تلك الشهقة الأخيرة.....سننتبه!

"الناس أموات حتى إذا جاءهم الموت...انتبهوا!"
صدق الحبيب عليه السلام









Wednesday 8 May 2013

في أمل؟ إيه في أمل (حول سودان فيلم فاكتوري)

هناك اسم يصيب قلبي بخطفة كلما تذكرته .. "وحدة الأفلام السودانية- وزارة الثقافة والفنون" . وسبب الخطفة ليس هوى خاص للسينما، بل تلك الروح المفقودة للدولة ... روح الإستثمار فيما لا يعود بربح مادي مباشر . كان مشروعا منحازا بقوة للسودان، لدولة السودان، وللسوداني.

يتابع قلة مننا هذه الأيام جلسات تداولية هي في غاية الدقة والأهمية. عملية ولادة محاطة بكثير من الترقب والحذر حرصا على سلامة وعافية المولود. ألا وهو فك الإرتباط بين المعهد الثقافي الألماني و ورشة صناعة الأفلام السودانية. او هي ما تعرف بسودان فيلم فاكتوري  هو "انفصال" إذا شئت، بلغة نتقنها هنا في السودان، لكنه انفصال مدار بدرجة من النضج المفقودة في عالم السياسة، إذ ان عملية الإنفصال مسبوقة بثلاث سنوات تراكمت فيها درجة من الخبرة اللازمة لإدارة مشروع شديد الخصوصية لكونه تجربة أولى غير مسبوقة في السودان من ناحية نوع المنتج :(أفلام) ومن ناحية التوجه، فهو مشروع (تدريبي) و(فني) و(إنتاجي) في آن واحد، وأظن التحدي سيكون في المحافظة على هذه المكونات الثلاث دون التضحية بأحدهم. وهي ثلاث سنوات استطاعت الورشة أن تحدد الوجهة التي ستتحرك تجاهها معضدة بما يلزمها من شبكة علاقات وقنوات تعينها على المسيرة.

لكن...لكن...التحدي الحقيقي سيكون في تحسس الورشة أول خطوات الدرب الخشن للعمل المستقل في السودان ..من ناحية قوانين العمل والإستثمار، ومن ناحية التعامل مع الجهات الرسمية والاهم من ذا وذاك ، عامل "الجودة" الذي كثيرا ما يتم التضحية به لصالح "الإستمرارية" في سوق العمل، وهي أمور كان تقيهم منها مظلة المعهد الألماني.

الجلسات يحضرها العديد من شركاء الهم من المهتمين بالشأن الثقافي وممن يحلمون بـ"السينما" في السودان. ورغم القلق المشوب الذي يحيط بالورشة، إلا أنني أرى أنه قلق غير مبرر. فإلي أي منتهى ستنتهي إليه الجلسات سواء كانت بالإيجاب أو السلب (بحسب قياسك لما هو سلبي وما هو إيجابي) فإن الحوار المدار في هذه الجلسات هو من أهم الحوارات التي ستدار في تاريخ السودان الحديث، أقولها صدقا لا مبالغة. أملي أن يتم التوثيق لها كاملا. هي جلسات ستجيب على أسئلة وستتولد عنها أسئلة تتنظر الإجابة المستقبلية. وهي المجهر الذي سيعكس كل ما يجري حولنا اقتصاديا وسياسيا وثقافيا (كمجتمع) لمن يجيد منا التحليل الحصيف.

إذ أنها ملخص الحديث حول الإستثمار فيما لا يعود بربح مادي مباشر مكافئ ومماثل لما سيبذل فيه، هو الإستثمار في مشروع ينحاز بقوة للسودان ولدولة السودان التي تريد أن تكون، وللسوداني. 
سيكون من المثير جدا متابعة ما ستئوول إليه الجلسات. وستجيب على سؤال مهم جدا يخصني: هل نضجنا بعد؟
ماذا إن خرجت الورشة بصفقة رعاية طفولية (وقد سقط في هذا الفخ العديد من المؤسسات الثقافية) ، أعني بذلك صفقة يخرج منها الطرف الأضعف خاسرا (المؤسسة الثقافية بالطبع)، هل تستطيع أن تفرد عضلاتها لمحاورة مؤسسات الإستثمار؟ مستخدمة مفردات السوق دون أن تنخر عضم المؤسسة الإبداعية؟ ما مدى قدرتها إدارة الحوار مع معطيات الوضع الحالي..قدرتها على الحوار ..لا الصدام  هو مقياس النضج فعلا..قدرتها على تخطي المعوقات والخروج من التحديات دون خسائر تخدش عظم المشروع

التحدي مرفوع في أوجهنا نحن جميعا..وكل من يجلس خلف مقعد من مقاعد المسئولية. وليس في وجه أصحاب المشروع وحدهم. أنا أكتب من خلف مقعدي كأم، ولا يختلف الإستثمار في هذا المشروع عن أي مشروع توفير بنكي لدراسة مستقبلية لولدي..ولا دفوعات مؤجلة لمنزل أود ان اخلفه لهما. هو الإستثمار في السودان الذي أود يمدوا نسبهم إليه وأن يحلموا بلسانه.

ليست ورشة صناعة الأفلام السودانية، هي البديل لوحدة أفلام السودان التابعة لوزارة الثقافة (وهو حلم مفترض)، لكنها الفرشة التي ستضع هذا الحلم المفترض نصب الأعين. وسيكون مدى تفاعل المواطن مع ما يحدث في جلسات الفصل هذه الأيام هو الإجابة على سؤال : هل نضجنا بعد...هل انتهيتا نحن كسودانيين؟ "نحن" ..نحن الذين أصبحنا لا نستثمر إلا فيما هو ملموس ومحسوس وما نرى عائده ماثلا ومباشرا أمامنا ..هل ما زال هناك سوداني...مواطن "الدولة" ام هل أصبحنا مجرد سماسرة للمستهلك والفاني؟ هل لدينا الإستعداد للاستثمار في المستقبل..هل نضجنا؟... إذا لم ننضج بعد...فلا سبيل للنظر صوب الغد.