Saturday 30 April 2011

(هدهدة رقيقة قبل النوم)

وأنا رأيتهم
ملعونة أنت
...لا تخطرين على بابل
!
وأنا رأيت خيرة عقول زماني
تهـــــــــيـــــــــــم بطرقاتك
لأنه العشق الوحيد المباح



"السخط أم الشهوة؟
"
أما غيرهما للصباح؟ لكل صباح؟


رأيتهم
..
كيف؟ بعد الذي بدل

أعضاءكم بألسنتكم

ألسنتكم بأعضائكم

فتقولون ما لا تفعلون

وتبصقون منيكم على ورق


إننا نشتهي ونخجل

فنخجل ثانية


رأيتهم

يعلقون امانيهم على رقبة محمود

فينكرهم
..
ثلاث نقرات قبل بداية الحفل


رأيتهم

يتدافعون نحو إله لا يشير بأصبعه إلى أعلى
شماعة

يلتصقون بفتيات عابرات


لأنه حقيقة مخجل
...كله مخجل

رأيتهم
..يبطنون
أو

يبطنون

أو يبطنون

كل هذا الخواء


رأيت

أعينهم تشيح أبدا



رأيتهم يقضمون أظافرهم

لا غضب، لا ندم، لا أسى

لا شيء



رأيتهم

حيرى امام أجسادهم محرمة عليهم


رأيتهم

يستجيرون بالأنثى

لأن حيضها

لا ينازعها عليه أحد


رأيتهم

يسجدون جماعة

يتلون سرا

"أن تنتهي هذه المزحة سريعا
"

.........................................

ماذا يسمونك؟

يا أنت؟

مبتذلة

رأيتهم





Saturday 23 April 2011

حوار مع سلمان رشدي على أريكة وردية


أنا: انتظرتك كثيرا أيها "الفارس"!!
سلمان (بابتسامة ساخرة): اظنها محاولة منك في السخرية؟
أنا: هاه!! ولا تظن أن في الأمر سخرية! ظننتك يساريا راديكاليا... Down with the toriesفليسقط الملكيون! وها أنت تنحني أمام جلالتها تنال وساما من أجل جهودك "الادبية" !!! لا تكابر يا سيدي
سلمان: (يتنهد بأسى): عزيزتي أنا أبعد ما يكون عن اليسار المتطرف ... ثم أني مواطن بريطاني أحترم رموز وطني، والتقاليد الملكية جزء منها وليس لموقفي الفكري اعتراض عليها طالما أنها تلزم مكانها كرمز... (مدققا في) ألم تقرأي شيئا قبل الحضور إلى هذه المقابلة؟!
(صمت محرج)
سلمان: (متذكرا شيئا ..يضحك)كنت تريدينني أن أثور في وجه الملكة وأرمي بفروسيتها إلى وجهها كجون لينون مثلا
أنا: مثلا!
سلمان: (ساهما) مثل تلك الأيام خلت
أنا: لكن أهو مرضي لك أن تنال تقديرا تعلم أنه رمزي الدلالة ؟
سلمان: تعنين القصد الحقيقي من منحي الفروسية في هذا الوقت تحديدا... نعم أنا أدرك النوايا الحقيقية من هذا التقدير "المفاجئ" و أعرف أني لست الفتى المدلل لا في أوساط الملكية و المحافظين ولا حتى في الأوساط الادبية البريطانية التقليدية. أعي ذلك تماما! وأشك في أن من أشاروا على الملكة بمنحي وساما أن يكونوا قد قرأوا لي
أنا: ومع ذلك..
سلمان: ومع ذلك تسلمت الجائزة، نعم. لعدة أسباب.. أولا..أرى أنه رغم الإشارة الركيكة المباشرة في تنصيبي، لكنها ترسل رسالة واضحة إلى الأصوليين عن حرية التعبير، احدى القيم الهامة التي بنيت عليها حضارة أوروبا، والتي أخفقت في التمسك بها يوم أزمة كتابي.. والان وقد أدركت الخطأ الذي أوحلت فيه لا بأس من محاولتها اصلاح ذلك الخطأ
أنا: وثانيا؟
سلمان: ؟
أنا: لقد قلت أولا فما هو السبب الثاني؟
سلمان: (مطرقا يفكر) عقدان من الزمان وأنا أسير لكتابي ... صدقيني ما أعيشه هو أبعد مما قد يحلم به أي فنان. عندما تتحول قراءة أعمالي إلى موقف سياسي أو فكري، افقد المغزى الذي عشت لأجله..الكتابة! (بابتسامة مريرة) فقدت قرائي واكتسبت مؤيدين و معارضين سياسيين..ولست مرشحا في برلمان ..أنا مجرد كاتب! سيان أن أقبل تنصيب جلالتها أو أن أرفضه وطالما الامر كذلك..فلم لا؟ لو مررت بما مررت به، لو عشتي تحت الظروف الضاغطة التي عشت فيها وفوق كل ذلك عندما تسيرين نحو نهاية عمرك..لأدركت ما قد يعنيه هذا التنصيب لرجل مثلي...إنه كطوق نجاة ولتذهب كل دلالات التنصيب إلى الجحيم!
أنا: (ساهمة) تماما كاعتذار القمني!
سلمان: who؟
أنا: القمني كاتب مصري ، الهذا قدمت اعتذارك عام 1990 و أعلنت توبتك؟
سلمان: (محرجا) يا لها من ذاكرة تحضرينني بها إلى هذا الحوار! كانت محاولة .. ولكنها فشلت ، لم أنل من ورائها سوى مزيدا من السخط والإحراج
أنا: لو لم تكن قد كتبت ايات شيطانية، هل كن تستقبل بالتنصيب؟
سلمان: تعنين...
أنا: أعني لو كنت متخففا من حرجك في أن حكومة المحافظين التي ناهضتها هي التي دفعت التكاليف الباهظة في توفير الحماية لك، وأن المجتمع البريطاني الذي أشرت إلى علاته وأزماته هو الذي دفع من ضرائبه تكلفة بقاءك حيا
سلمان: (يضحك) ما جدوى هذا السؤال..لو كان كذا وكذا...عزيزتي لو لم أكتب ايات شيطانية لما نلت تقدير جلالتها.ألم نسلم منذ بداية الحوار أن التقدير كان رمزيا!!
أنا: إذا ترى ان كل ما التفتوا اليه هو الإساءة الموجودة في كتابك إلى الرموز الإسلامية..
سلمان: لقد قلت اني حرمت ككاتب من أن يتداول كتابي في الأوساط الأدبية والنقدية، وأن كل جهدي اللغوي وجهدي في بناء الرواية و تناولي فيها لمواضيع هوية المهاجر، وقضية التدين و الإيمان كل ذلك ذهب هباءا. لكني نعمت ككاتب أن يعيد كتابي بقوة إلى ساحة النقاش الفكري و السياسي قضية التعبير الحر وأن الفت النظر إلى الحركة الأصولية الإسلامية النامية في المجتمع الأوروبي، وتساهل المجتمع الأوروبي معها على حساب قيمها ومبادئها كنوع من التكفير عن تاريخها الإمبريالي. يسعدني انني كمسيح حملت كتابي صليبا عن كل من سيأتي بعدي ويقذف بأصابع التجديف القديمة: تسليم نسرين، حيدر حيدر، مارتن سكورسيزي
أنا: هل ترى أن هناك فرق بين حرية الكتابة وبين حرية الإساءة إلى الاخر، الإساءة إلى معتقده.. إلى رموزه المقدسة...
سلمان: لا.... لا فرق!
أنا: نعم سمعتك تقول أن حرية التعبير تتضمن حرية :الإستفزاز!
سلمان: تماما!
(صمت)
سلمان: تبدين غير مقتنعة بما أقوله..
أنا: بل ربما قلقة مما قد يعنيه قولك..
سلمان: في حوار لي مع مجلة ، قلت انه هناك حرب بين ثقافتين، ثقافة الرقابة وثقافة الحرية، وقلت أن حرية التعبير لا يجب أن تُحد بعدم استفزاز الاخر، لأنه إذا قلت أنه بوسعنا كتم أو مصادرة الاشياء بدعوى أنها تستفز الاخرين ، سنجبر كلنا.. أعني كـ لـ نـ ـا على الصمت. هكذا! هناك من يقول أن ما اقوم به هو تدنيس للمقدسات، حسن! لكن عندما يكون هناك صدام بين حرية التعبير و بين المعتقدات الخاصة للأفراد، يجب ان تعطى الأولوية لحرية التعبير ، وإلا فإن أي حرية -بما فيها حرية الاعتقاد نفسها- ستكون عرضة للمصادرة..لا عجب أن المفهوم الذي يكفل حرية الإعتقاد هو نفسه الذي يكفل حرية التعبير، لا يمكن أن تجادل عن واحد دون الاخر..
أنا :تعرف؟ عندما تفكر في الأمر...إن النزاع الأول الذي قاده الإسلام كان حول حرية الإعتقاد..ولكن في نفس الوقت وبنفس القوة حول حرية التعبير "أتقاتلون رجلا أن يقول ربي الله؟"..وتضمنت حرية التعبير هذه ..حرية إستفزاز معتقد الاخرين "أتسخر من الهتنا؟"
سلمان: أليس غريبا أن يقوم الإسلاميون الان بدور القرشيون..؟
أنا: نعم..يفعلونها الان بدعوى امتلاك الحقيقة...
سلمان: كل منا يرى أنه يقف على الجانب الذي يحمل الحقيقة
أنا: الهذا عارضت ذلك القانون الذي كان سيجاز في انجلترا حول منع إثارة الفتنة الدينية والعرقية وجعلها جنحة؟
سلمان: نعم... فأول المتضررين من هذا القانون هي الأديان التي يتم حمايتها، لأنه لنكون عادلين سيكون علينا حذف نصوص من الإنجيل من التوراة و القران بدعوى أنها تحرض على الكراهية لأصحاب المعتقدات الأخرى..
أنا: إن هذا الأمر بالغ التعقيد!
سلمان : قد ترينه كذلك..لكن صدقيني أن التعبير الحر  أقل ضررا من مصادرته... عالم من التعبير الحر لا يمكن أن يضر أحدا.... لكن مصادرة هذه الحرية تجر الكثير من الفتن، بما فيها التحريض على الكراهية.
أنا: لكن... لكن يا سلمان ..دقيقة! إن جعل كلمة عبد nigger مخالفة قانونية في نيويورك. والتحفظ على تناولها بشكل عام... غيرت من سلوك المجتمع الأمريكي تجاه السود...
سلمان: أتعتقدين؟(يضحك عاليا...عاليا...حتى يشرق)... أظنها مزحة...مزحة حقيقية أن تُمنع كلمة "عبد" ان تتداول على الشارع، بينما هي حقيقة على الأسود أن يعيشها في أمريكا...
أنا: أنت وقفت إلى جانب الكاتبة البنغلاديشية تسليم نسرين عندما تم مهاجمة روايتها، ووقفت إلى جانب الذين نشروا الرسوم الكارتونية عن النبي..و
سلمان: وقفت إلى جانب "حق" النشر..
أنا: نعم...هل تظن أن موقفك سيكون نفسه ... المؤرخ البريطاني ديفيد ارفينغ الذي تم طرده من فيينا أو الفرنسي روبرت فوريسون الذي صدر ضده حكم من المحكمة الفرنسية، لانكارهما وجود المحرقة اليهودية؟
سلمان: نعم... تماما! لا جدال في ذلك.... ومحاكمة المخرج سكورزيزي في فيلمه الإغراء الأخير للمسيح... كل هذه ضربات مصوبة إلى قلب الحضارة الغربية وكل ما كانت تمثله..


أنا: تذكرني بطرفة منسوبة إلى غاندي، أنه سئل عن رأيه في الحضارة الغربية؟ فرد : الحضارة الغربية! أعتقد أنها ستكون فكرة جيدة!!
سلمان: هناك حقيقة في مقولة المهاتما..فيبدو أن كل ما  تمثله الحضارة الغربية كان يقف على أسس هشة، الغرب يعمل دوما بنظام المعايير المزدوجة.. ما هو جائز هنا الان..قد لا يجوز غدا... أو ما يسري على هذا...لا يسري على ذاك. لكن أعيد كل ذلك إلى ثقافة الخوف... فالخوف من الضجة التي أصدرها كتابي ومصادرته من المكتبات كان على حساب التضحية بمعايير أكثر أهمية في الثقافة الأوروبية....و ما يحدث الان في قلب أوروبا من تفجيرات وحركات المتشددين هو نتيجة للمعايير المزدوجة التي تتعامل بها الثقافة الأوروبية مع قيمها ومبادئها.
أنا: نعود إلى الادب... لكن ألا ترى أن حرية الإستفزاز هذه عندما تضاف إلى الأدب... تجعله...كيف أقولها ... "فلقرvulgar" ... مبتذل؟
سلمان: في مرة قلت... ان الرواية في الأصل ليست جنسا محترما... فلا يوجد شيء يسمى الرواية المقدسة أو المحترمة أو المثال... الروائيون يقدمون رؤاهم الشخصية- الذاتية- الخاصة عن العالم، وهذا شيء لا يمكن أن تقوم به وأنت ترتدي قفازاتك ... الرواية ليست خطبة جمعة أو موعظة في كنيسة..الرواية ليست عملا فلسفيا..الرواية التي تريد أن تتحدث عن بلد ما..السودان مثلا..عليها أن تذهب إلى قلب هذه البلاد ...أن تتحدث عن أمعائها، دمائها، بصاقها ومخاطها... وإلا فأنت تتحدث عن شيء اخر غير السودان.. فهمتي ما اعنيه؟..ما أريد أن أقوله أن مفهوم"الحشمة..والإحترام" ليس جزءا من عملية كتابة الرواية... و لا يمكن أن يقيّم به عمل ادبي..
أنا : أوسكار وايلد قال، ليس هناك ما يدعى رواية غير أخلاقية... هناك فقط رواية رديئة أو جيدة
سلمان: بالضبط! ..وايلد..يا له من كاتب.
أنا: لقد صادرت أمي الرواية مني (وهي تنكر ذلك).. لذا سأتحدث معك عن روايتك من الذاكرة
سلمان: أعتذر انني لن أستطيع مساعدتك حيال هذا الأمر...
أنا: أعرف .. فهذا الحوار هو في غرفة ذاكرتي المشوشة! روايتك قرأتها محمّلة بالكثير..أتعرف؟ محمّلة بإحساس الخطيئة..
سلمان:عندما تصبح القراءة خطيئة!
أنا: ومحملة بالتقوى اللازمة لكراهية كل ما سأقرا مسبقا
سلمان: هه!
أنا: لكني دهشت من استخدامك الرائع والحيوي للّغة... يقولون أنك كسرت تقليد الكتاب الاسيويين ..قمت بتطويع اللغة الإنجليزية لتلائم موضوعاتك..أعني حشر الهندية /الأوردية دون تفسير لمعنى الكلمة..بل ولصقها إلى كلمات إنجليزية كأنها جزء أصيل منها.. واستخدامك لنثر متنوع وحيوي وفيه شيء من فوضى بومباي الصاخبة . المدهش أن الجزء الذي أثار العالم ولم يقعده في الرواية ليس هو الثيمة الأساسية في الرواية..
سلمان: ...إطلاقا..
أنا: الرواية تناولت مواضيعا كانت ستثري النقاش الأدبي والفكري الذي يجري في عالمنا الشرقي... كموضوع المهاجر إلى ثقافة المستعمر..إذا كنت قرأت رواية الطيب صالح موسم الهجرة..هي تتناول هذ الموضوع.. الصراع بين ثقافتين، ينتمي لهما المهاجر الإثنين..فلا هو أصبح ينتمي كلية إلى الثقافة التي وفد منها ولا هو مقبول تماما في الثقافة التي هاجر إليها...
سلمان: مشكلة اللامنتمي!!!كنت في مقابلة قلت أن المشكلة في الهجرة التي تعني الإقتلاع من الجذور لا تؤدي إلى أن يكون الإنسان بلا جذور...بل تعني الإنتماء إلى أكثر من جذر، فليست هي مشكلة الهوية التقليدية التي تعني أنك لا تدري من أين تأتي..بل تكمن في انك تأتي من أماكن كثيرة.بمعنى أنها ليست مشكلة غياب بقدر ما هي مشكلة فائض!
أنا: نعود إلى الصفحات في روايتك التي أثارت الجدل ،الإعتراضات التي كانت في حقك من المعتدلين أنك تناولت أمر الدين وأنت لست متبحرا فيه.
سلمان: عزيزتي أنا لا أتناول أمورا فقهية..أنا أتناول جزءا من ثقافتي ..السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي لم يروى من جهة واحدة، بل من مصادر كثيرة وعديدة، تتشابه في رواياتها أحيانا وتتعارض.. وصورة النبي في خضم كل ذلك كانت تختلف من رواية إلى رواية: نبي قامع لنساء، نبي محرر للنساء، نبي يحرّم المعازف والفنون، ونبي ينتقي من الشعر ويشحع الأدباء. نبي السيف ونبي الكلمة..أنا انتقيت بعض من هذه الحوادث من الرواية الإسلامية نفسها. هذا امر والأمر الثاني هو أني كنت أتناول قضية شائكة وهي الإيمان في الثقافة الإنسانية. هل هو أمر مجرد وموضوعي يسمو فوق أي تأثيرات ذاتية؟ أم أنه أمر متجذر في الذات البشرية وأهوائها ورغباتها وشهواتها؟
أنا: بما في ذلك ايمان النبي بنبوته..أعني هناك اسقاط ما بين حالة جبريل فاريشتا النفسية عندما يتوهم أنه جبريل ملاك الوحي وبين "مهاوند" وتصوره لنبوته التي ربما تصفها بأنها حالة فصام وخلط بين الواقع والحقيقة؟
سلمان: لا ليس تصور النبي لنبوته بل ايمانه بها، أنا هنا أتحدث عن مادة الإيمان. فأنا مؤمن بأن النبي كان مؤمنا بإيمانه كنبي... وليس سؤالي عن النبوة بقدر تساؤلي عن ماهية الإيمان.
أنا: لكن يا سيد رشدي، ما هي ضرورة بعض الأحداث كالتي بين هند ومهاوند، والصورة التي يظهر فيها خالد، والشخصية التي منحتها لسلمان.
سلمان: أولا أنا أرفض هذا التشريح المخلّ لروايتي، لأنه يخرج الأحداث عن سياقها، فحادثة هند مع مهاوند لا تجري بمعزل عن تجلي الإلهة للشاعر بعل. لكن عموما لصالح الإجابة، هناك عدة مستويات لسرد الرواية، أنا أروي عن جبريل من هو جبريل؟ نجم بوليوودي سينمائي بدأ حياته كعتال لأشرطة الأفلام، ثم تم اكتشافه من بين ممرات الأستديوهات السينمائية كممثل وسيم متخصص في تأدية أدوار الرموز الدينية كالالهة الهندوسية والبوذية، وخارج الاستديوهات هو نجم مشهور معبود الجماهير، بطبيعة الحال يصاب بالإكتئاب عندما يتقدم به السن وتذوي عنه الأضواء، فيقدم على الانتحار لكنه ينجو من الموت بأعجوبة، مما يحدث خللا في عقله، فيصاب بالإنفصام، وعدم قدرة على فصل الواقع من الخيال، أو حياته الواقعية عن أدواره السينمائية، فيؤمن بألوهية ما فيه، تتلاءم مع اسمه، فاسمه جبريل و لقبه"فاريشتا" يعني ملاك في الهندية، وهذا ما كانت تطلقه أمه عليه، جبريل يا ملاكي، فيتوهم أنه جبريل الملاك - جبريل الوحي، حضوره في حياة مهاوند النبي سيكون متناغما مع خلفيته البوليودية.. وعليها تروى السيرة بشكل سينمائي هندي بكل مكوناتها من قصص الحب والغيرة والتنافس. كقصة الحاكمة عائشة و المنفي السياسي علي. وهناك شيء هام اود ان أضيفه، انني كراوي لا اتخفى وراء شخصياتي، كل ما أفعله أني امنحها الحياة لتنطق، أخلق ظروف وجودها وأترك لها حرية الفعل والقول، تماما كما فعل صانع الدمى جيبيتو مع الدمية الخشبية بينوكيو
أنا: لكن ما تلك الحبكة الركيكة التي وضعتها ، يتصالح صلاح الدين تشامشا مع واقعه ويدرك أنه ليس انجليزي تماما ثم يتصالح مع جذوره الهندية، و يلتقي بصديقة طفولته الشيوعية
سلمان: لقد علمت دوما أن قليل من الرومانسية الوردية لا يمكن أن يضير أبدا بأي رواية. لكن يا عزيزتي هذا تحديدا هو تصالح صلاح الدين تشامشا مع واقعه، بكل بؤسه وخطله ورومانسيته السخيفة واماله.. لقد اندغم تماما مع جذره الذي تجاهله طويلا...
أنا: كتبت للأطفال "هارون وبحر الحكايا" وبها ظلال من أزمة كتابك، إذ انها تتحدث عن سلطان مملكة "سُت" أو هُس، الذي استولى على كل الحكايا ومنعها أن تتداول بين الناس، لكنك تحدثت عن نظرية هامة في الكتابة عن الأطفال
سلمان: نعم، عند الكتابة للأطفال لا بد أن تتخلى عن نبرة الإستعلاء بالمعرفة والوصاية الأخلاقية، وذلك أن يتقمص الكاتب طفولة لا تتواجد سوى في ذهنه، ويبتكر لغة يظن أنها لغة "الصغار". إن مهمتك ككاتب للأطفال أن تبتكر لغة تقنعهم فيها بقصتك ، فالأطفال جمهور مشكك كثير التساؤل لا يمكنك خداعه بلغة "غاغا- غوغو" التي نخاطب بها الرضع. أن تقنعه بما أنت مقتنع به سلفا، وليس بما تظن أنه على كل طفل أن يتناوله ككوب الحليب. انظري لويس كارول وأليس في بلاد العجائب ، يا له من راو لا يقل شأنا عن ماركيز، أو راوول دال وكتابه تشارلي ومصنع الشيكولاتة، أو تولكين و لورد الخواتم، أو سلسلة هاري بوتر.
انا: أذكر انك قلت أن اللغة المعقدة هي ما يسعى وراءه الطفل وليس المبسطة، وذكرت أن الطفل يستمتع بترديد كلمة ك loquacious بدلا من talkative حسن يا سيد رشدي يكفينا هذا القدر
سلمان: كما تشائين
أنا: لقد سعدت بـ ..عفوا؟ أكنت تقول شيئا؟
سلمان: اه ..نعم.. كنت أتساءل عن هذه الأريكة الوردية التي أجلستني عليها في غرفة ذاكرتك البيضاء
أنا: فوشية ... أنا أبضا أتيح لنفسي بعض الحماقات.



الكتابة في دائرة الإنيغما


عملية التصنيف في النقد بقدر ما تفتقر إلى الدقة، إنما هي محاولة لفتح الاحتمالات في النصوص ، وفق "قراءة" الناقد. مرت علي في الفترة الأخيرة مجموعة من النصوص لبعض الكتاب، على فترات متفرقة. وكل ما فعلته هذه الكتابات هو أنها دوما تثب أمامي بأفكار محددة في رأسي كلما قرأتها. حاولت أن أفكر فيما يجعل هذه الكتابات تحديدا تلقي بهذه الأفكار في رأسي دونا عن غيرها؟ ما الرابط بينها؟ ما وجه الشبه؟ سأحدث هنا عن الملامح العامة في كتابات : رندا محجوب، محمد الصادق الحاج، أحمد (النشادر) ومأمون التلب.
صدر مقال نقدي في صحيفة الرأي العام، معرضا بكتابات هذه المجموعة، حيث أن المقال كان محصورا في "أحب هذا لا أحب ذاك" وخرج بحكم قاطع: "ليس بشعر" ، إلا إن المقال حاول أن يخلق صلابة ما للعاطفة التي كتبت به، فحدد أسباب تجعل هذا الشعر: لا شعر. وقد وجدت هذه الأسباب مدخلا سانحا لكي أشير إلى أهم ما يميز كتابات هذه المجموعة. اسباب الناقد في حكمه كانت: 1- أنها كتابات غير مفهومة 2- غياب أي نوع من الموسيقى أو الإيقاع الداخلي للنصوص.
سيساعدني هذا التقسيم كثيرا فهو يشير إلى : 1- الثيمة 2- و الأسلوب
الإنيغما = غموض الظاهر
فلنتحدث اولا عن الثيمة"موضوع " النص، وإنما أعني المدخل أو الزاوية التي يتم بها تناول أي موضوع/ حدث/ فكرة ، فلنسمها الأيدلوجيا . كأن يكون مدخل أي كاتب ما لموضوع أو فكرة ما قبل أن يعالجه شعريا هو ( فكرة العالم المقسم إلى ثنائيات ، أو فكرة الإنسان مركز الكون ، أو الإنسان المسير دون تخيير ، أو الما وراء ) كلنا نعرف الزوايا المختلفة التي نظرت من خلالها البشرية إلى الأشياء وتم التعبير عنها بالأيدلوجيات، الأديان، الفلسفات و الفنون و الكتابة و الشعر. ، ما أعنيه ليس
أي زاوية اختارت هذه المجموعة؟ زاوية الغموض ، الغموض بمعنى الإنيغما enigma ، روب غرييه يقول : "الحقيقة أن العالم لا عبث ولا ذو دلالة. إنه ببساطة موجود....ووجوده هو أكثر ما يتميز به . إن هذه الحقيقة تصفعنا فجأة بقوة لا نستطيع حيالها شيئا" لماذا أستدل به هنا؟ في محاولته لوصف الرواية الجديدة، يتحدث عن وجود الأشياء خارج ذواتنا، وجودها وحضورها القوي الذي يجعل تحدثنا "بالنيابة" عنها أمر "سخيف" وهذه هي الإنيغما التي تستهدفها المجموعة، غموض "الواضح"، غموض "الظاهر" ، غموض "المرئي" ، غموض "السطح" في ذاته. غموضه هو في حضوره القوي، وجهلنا التام به، روب غرييه يفترض أن الكتابات التقليدية تتحدث عن كون ووجود هو في الحقيقة: غير موجود!ونفترض معرفة به غير حقيقية تخولنا للتحدث عنه، بالنسبة لغرييه هذا يترك لنا خيار واحد، الوصف دون محاولة التأويل والتفسير وهذه هي طريقة الكتابة من زاوية الإنيغما.
إذا ، الكاتب مهمته الوصف والتعليق، لا التفسير ، لا الشرح أو التبرير. فينقل ما يراه دون أي تدخل منه. فهو لا يتيح فرصة "لمنطقة" أو "عقلنة" الأشياء و الأحداث، لذا فهو ينقل الغريب حتى لو كان ما ينقله لنا هو تفصيل عادي، لكن الفارق هو أن الكاتب لم يقم بردم هذه الفجوة بين الحدث وتفسيره. أعتقد ان هذه المحاولة هي طريقة لإيجاد أول نوع من العلاقة الحقيقية مع العالم تقوم على معرفة مبنية على الموضوع ،لا معرفة مفترضة من الذات.
السخرية تكمن في أن التعبير عن هذا الواقع "الموضوعي" هو متاح عبر التعبير الذاتي فقط، أعني الوصف كما ترى، السرد كما ترى..لا كما هو متعارف عليه، لأنك حينها تتيح مجالا لما اتفق عليه، فتنتفي بذلك المعرفة من الموضوع إلى المعرفة من الذات، وحينئذ تكون الكتابة هي عن المتعارف عليه..أي خارج دائرة الانيغما
الوصف والوصف
أريد أن أخرج من كل هذا بملامح كتابة للمجموعة التي اخترتها
التعبير الذاتي الحر عن الواضح الماثل أمامنا ببعديه الإثنين، دون المحاولة على الإطلاق الإعتماد على أي بعد ثالث، أو عمق مفترض أو ما وراء. خاصة وأن الغموض في معناه العام، دوما يشير إلى الغير مرئي، إلى ما تحت السطح، ما وراء الظاهر، إلى ما هو غيرمعروف عن المعروف، ويعبر عنه - في الكتابة- بما تحت الوعي ، أو قوى الأحلام، أو البصيرة، ما أريد أن أوضحه عن هذه الكتابات ، عندنا أقول التعبير الذاتي أنها ليست شكل من أشكال التداعي الذاتي أو البوح ولا هي محاولة "كشف" عن الإنيغما، أو عرضها للقارئ. إنه وصف للوجود لكن ليس بأدوات الوصف الموضوعية إنما الذاتية. إنه الكون، الوجود، العالم، المفاهيم وفق رؤيتهم ، لا وفق إحساسهم أو وفق معتقدهم
لكن إذا كان موضوعك هو "الإنيغما" – كما شرحنا مفهومها- كيف تقوم بالتعبير عنها دون أن تقع في دائرة التعبير اللاواعي، أو إعطاء ملمح الخيالي، كيف تتجنب التعبير عن بعد ثالث وأنت تريد أن تحصر كتابتك في بعدين يتيح لك الوصف وفي نفس الوقت تتجنب أساليب المنطقة (كالرمزية مثلا). المهمة ليست سهلة، لأنك تريد وصف الإنيغما بوعي.
كبح الخيال وكبح المنطقة
هنا أتحدث عن الاسلوب، تستخدم مقدمة دوكاس في أناشيد مالدورو دوما كمرجعية لمنهجه في الكتابة، والذي وصف بأنه يخلق عالم خيالي "كابوسي" ، لكنه يطلب من القارئ أن يدخله بحضور كامل و "ثابت" لوعيه وعقله وإلا (كما يهدد دوكاس) تذوب روحه كما تذوب الماء السكر. لا يريدك دوكاس أن "تتعاطف" مع مالدورو و لا "أن تستوعب تبريرات" لفظائعه، يريدك فقط أن تتابع بوعيك و عقلك ما فعله ، أنت أيها القارئ لست حكما أنت مجرد شاهد. وهو ما تقوم به هذه المجموعة، ففي داخل عالم النص تعرض لك الإنيغما ، ويحتاج هؤلاء الكتاب أن يمنعوك من "تخيل" هذا العالم يكبحون خيالك لأن المطلوب هو حضور العقل
ثانيا. ما يقوم به الكاتب هو أن يكبح خيالك من مطاردة صور هذا العالم الغرائبي ،الغامض فهو يريدك أن تكون في داخله كما أعطاكه لا كما تتصوره،أو تتخيله، لذا يقوم الكاتب بإستحضار عقلك في كل لحظة، وذلك عبر التقنيات الواعية الرائعة التي يستخدمها، كاستخدام التعريفات، التشبيه، التدقيق والتفصيل في الوصف، أو استخدام المصطلحات العلمية واللغة العملية (أو التي توصف بأنها غير شعرية) بالمناسبة فإن ما أخذ على بعض هذه الكتابات من استخدامها اللغة الحسية هي واحدة من أهم أساليب استحضار العقل لا الحس كما يظن البعض، فإستخدام "التابو" يدق أو يجرح العقل بقوة لأنه إطلاق لجرس الإنذار الموجود في العقل حين يتم كسر "السائد". لا يريدونك أن تستخدم الكاتب كمرجع لإنفعالات ما ، فكما يريدك الكاتب في الموقع السلبي للمشاهد، يريد أن يصور نفسه في المشهد السلبي للواصف، للناقل
ثالثا: هناك تقنية تغييب السرد / التسلسل وتغييب الحبكة ، تغييب السرد يمنع عقلك من استدعاء خيالك لتوقع ما سيحدث، والاهم من ذلك أنه يمنع عقلك من أن تمنطق الأشياء وفق رؤيتك أنت. تغييب الحبكة يمنعك من تخيل او "استنتاج" محور للنص، أو نقطة ارتكاز له أو خلاصة تخصك أنت ولا يخص النص.
ثم يقوم الكاتب بمنعك أنت عن استخدامه كمرجع لعاطفة ما أو كمرجع لحكم ما : كأن تكره ما تقرأ أو تحب ما تقرأ، لأن الكاتب حريص على أن يحصرك في دور الشاهد السلبي، والتقنية المستخدمة أيضا عبر استخدام العبارات المبتورة لخلق نوع من الـسلبية ز فالكاتب يصف ويحسن الوصف ولكنه لا يبالي لما يصف: [ الشرنقة..قعرها.. الـمحض..الوصول..الصدفة..الطبقات .. الوضوح.. القامات.. إننا.. الحصول.. الصفوف.. الحصاد.. الخوف..الزيف..الإجتثاث..البلعمة البئر الشره المولع بالخلايا الميتة في كعب القدم وكل ما له علاقة بلعبة الذاكرة القاصرة أو كيف تؤكل الكتف....ما دمنا لم ننتحر] رندا محجوب: في وصف العدم كاملا
كلمات تبدو مبتورة من سياقها: الجمل غير المكتملة، العبارات غير المترابطة، الأفكار غير المعبر عنها ، كلها تعمل على فصل القارئ من تتبع احساس أو انفعال الكاتب. والتقنية الثانية: هي أن يقذف الكاتب ذاته في عالم النص، يفصلها عنه و أن تحكم على هذه الذات المقذوفة في النص "المستقلة"عبر استجوابها، أو محاورتها و خلق أفعال لها لا تخص الكاتب، فذاته كيان غامض عنه، هو نفسه يحاول التعرف عليه. [لم أكن أعلم أنني بيت حتى وجدت فيني غرفة مكتوب عليها "لو سمحت" اذا كنت انت هذا المكان فادخل وارحنا " وفعلا دخلت .. يا الهي ما اجملني ، الغرفة مفروشة بزهور بيضاء لدرجة انها وردية تساقطت علي حتى اصبت باغماء خفيف ورود وزهور .. ما اجملني .. تمرغت في قليلا .. ما أجملني .. حتى شككت صادقا في انني البرزخ ] ، أحمد النشادر: هذا وقد أشدنا ببذاءة اللحن . ويصبح الكاتب دليلك المفترض في النص يحتاج إلى دليل!
اللغة
أريد أن أشير إلى ملمح استخدمته هذه المجموعة ببراعة. وهي اللغة! رغم أن اللغة هي ما يستخدمه الكاتب في التعبير عن ذاته أوعن شيء ما أو يستخدمه في سرده، إلا أنه في كثير من الأحيان، يبدو أن الكاتب في سعيه خلف السرد أو الحبكة أو التعبير عن المكنون، يتناسى اللغة، وتفقد حضورها و تصبح وسيلة أو مطية توصلك عبر تسلسل القصة إلى حبكتها أو توصلك إلى احساس الشاعر، تفقد اللغة حضورها في أنك تتبع أثرها، صورتها، غرضها،قد يستخدم شاعر كلمة "زنبق" مثلا لمعرفته بالأثر الذي ستثيره او قد يتكل على المعاني التي تثيرها اللغة، كأن يستخدم في تأملاته كلمة "ضوء" "ظلال" "ظلام" ويضعها في سياقات مختلفة ليجرب إحتمالات المعاني في الكلمة الواحدة. لذا ستجد تكرر الكلمات ليس قضية داخل النص لكل من درويش و أدونيس، لكنه كذلك عند سليم بركات، بالنسبة لهذه المجموعة فإن حضور اللغة محوري ولو كان ذلك على حساب الحبكة أو الموضوع المعبر عنه، لأنه المهم في الأمر رؤيتهم لما يعبر عنه، لا المعنى المشترك أو الأثر المشترك الذي تثيره اللغة لدى القراء.
[" مفتونا بغيابه البرونزي ، وجافلا- كفزع ضامر لإله باغته الضوء- في سهوب ملأى بجثث الشهوات الاجلة ] هكذا يفتتح محمد الصادق الحاج روايته هيسبير1ا، هذه الجملة ليست تعبير شعري يصف مزاجا ما في بداية الرواية، ولا هي جملة ستفسر بما يليها، تمضي الرواية في غموض بدايتها، ولن تتاح لك اتكاءة طوال الرواية على جملة تألفها، أو تعبير تعرفه ، أو معنى مشترك. إحساس الألفة هو تماما ما لا يريده كتاب هذه المجموعة أن تشعره داخل نصوصهم حيث تجد: الصفات الملحقة بالموصوف لا تعني شيئا منطقيا، المضاف إلى الإسم ليس من خصائصه، حركات غير مألوفة: الصنوبرة ترص ذهولها على صينية ذهبية.(ايضا من رواية هيسبرا)
وبعد كل هذا اللامألوف يقوم كتاب الإنيغما -بجرأة شديدة -بافتراض وجود تجربة مشتركة بينهم وبين والقارئ و، وقد ذكرت من قبل أن الجو الذي يجد فيه القارئ نفسه داخل النص ليس مألوفا له وهو ما يوحي بالغموض، إلا إن الإيحاء يبدو أكثر أثرا عندما يفترض الكاتب/النص أن هذا اللامألوف هو معروف لديك. ويقومون بذلك عبر المبالغة في الشرح، و في التفصيل، يوحي الكاتب بإهتمام شديد في شرح مفهوم ما، أو فعل ما أو حدث ما، وذلك بالإستغراق في وصفه . لذا تجد الجملة الواحدة محملة بالتشبيهات [عالجوا الضمير بعسل مغسول في لعاب سحابة مغسول حتى ظهرت عليه أمعاء النحلة] أحمد النشادر: هذا وقد أشدنا ببذاءة اللحن . ثم لاحظوا هذه الجملة التي تبدو كانها تفصل شيئا ما :
[وأنا؟... انا الناتج العارض من صناعة الحرير المثقوب عمدا معمدة مجمعة سواء الاخرين في الحشر المركب كأعين متورمة فوق فم القارض الذي قاد الأحذية إلى مهبها في علم الكلام] رندا محجوب : في وصف العدم كاملا. يقول النشادر:
[كمسمار مكتئب كلما غرزوه في حائط قتلوه] أو:[لخيال الرضيع عين الجمرة المؤنثة الكاتم ]مأمون التلب : بثفب بائس
بالطبع خيال القارئ سيحفز الصورة : يخلقها...لكنها ليست تجربة مشتركة بين الكاتب/ القارئ أعني صورة المسمار المكتئب أو الجمرة المؤنثة الكاتمة. لكن افتراض الكاتب لألفتك تجاه هذه الصورة هو ما يعطي الغموض أثره.
اللغة المحسوسة
قلنا في كتابات هذه المجموعة طريقة التعبير عن الثيمة هي أهم من الثيمة ذاتها، لأن اللغة هي الثيمة ذاتها ، أو فلنقل هي "مداخل" للثيمة بمعنى: إعادة ترتيب علاقات الكلمات ببعضها في كافة تجلياتها (تشبيه، إضافة، حركة ، معنى) أو إعادة ترتيب علاقتك أنت بالكلمات ،و محاولة خلق Tangibility أو جعل الكلمات "ممسوسة" بشكل او باخر لدى القارئ، إما بخلق صورة ذهنية للكلمة أو رائحة، ملمس أو طعم أو عاطفة. من شأن هذه الخاصية أن تجعلك تتعلق بالكلمة ذاتها دون تجاوزها لإيجاد معنى وراءها، لخلق علاقتك الخاصة الجديدة مع الكلمة، سواء الإشارة إلى أثرها الصوتي أو الإشارة إلى رسمها ، الترقيم و "الصندقة" ، الإهتمام بشكل القصيدة هي محاولة لصرف القارئ عن الكاتب إلى النص.
اللغة هي الثيمة
كل هذه ليست تكنيكات للوصول للثيمة، إنها الثيمة تلوح في وجهك مع كل كلمة، عند كل لحظة قراءة، الثيمة هنا ليست شيء ينتظر ظهور كلية أثره بعد الفراغ من عملية القراءة ، بل هو عملية محسوسة طوال عملية القراءة. فتخرج من النص مستثارالحواس بفعل اللغة التي صرفتك عن البحث عن المعنى وعن الغرض من النص .
لقد تم استخدام أكثر الطرق كلاسيكية لصرفك عن ما وراء الظاهر لتضع تركيزك على الظاهرالذي لن يتضح لك ! أنا هنا أتحدث عن الكاثارسيس catharsisأكثر المفاهيم كلاسيكية لأغراض الكتابة (من كان يظن أن أرسطو هو رائد لحركة كان سيكون من ألد أعدائها، أو من كان يظن أن هذه المجموعة التي ربما تحاول كسر التقليد تتبع أقدم طرقها؟)و التي تعني التطهير أو الإفراغ (العاطفي/الروحي) فتخرج من النص أو تنتهي من النص منهك الحواس التي استدعتها اللغة (أي تكون مارست الكاثارسيس) لكنها الكاثارسيس المستثارة ليست من الحبكة بل من اللغة. أنت تخرج كما دخلت إلى النص "دون شيء" لكنك في نفس الوقت أنت لا "تحس" أنك خرجت دون شيء وهو ما يحدث عندما تتفاعل مع الإنيغما.

القراءة أيضا صعبة
ليست لمثل هذه الكتابات جمهور عريض من القراء، هي ليست كتابة صفوية وبالطبع ليست مغلقة فالكتابة فعل تواصل لكنها هنا ليس لإيصال رسالة ما، أو شرح مفهوم ما، إنها دعوة إلى عالم الكاتب الذاتي، إلى رؤيته. هذه الدعوة لن يقبلها القارئ الكلاسيكي الذي يبحث عن رسالة ما: القارئ الحكم،القارئ المتعاطف.. إنما القارئ المدعو للمشاهدة. ولكن يتبقى التساؤل عن صلابة استخدام الغموض كمرجع عند التحدث عن أي شيء وكل شيء؟ الإجابة هي أنه على كل حال فإن الغموض يبدو مفهوما صالحا valid في عالم يعيد ترتيب علاقات الأشياء ببعضها ومعانيها فنحن في عالم الثقافة الجمعية mass culture لكنها في نفس الوقت الثقافة الجمعية التي لا يتم تناولها والتفاعل معها إلا فرديا (مثال الإنترنت) ،عالم شديد الخصوصية و شديد العمومية (مثال الإنترنت)، عالم تغيب فيه الحقيقة بفعل الحقيقة (مثال المتابعة اللحظية في الأخبار) عالم يخلق التجريد بفعل المباشرة (مثال المتابعة اللحظية للأخبار) عالم تمحى فيه كل لحظة باللحظة التي تليها، وفي نفس الوقت تجد تلك اللحظة التي انمحت طريقها إلى الخلود ( عملية التسجيل الرقمي) الأمثلة كثيرة ، في ظل كل هذا يولد كاتب وقارئ، بطبيعة الحال فإن الإثنان لن يركنوا إلى علاقات قديمة في التواصل بينهما.
فما تقوم به هذه الكتابات هي أنها تعيد ترتيب علاقة الكاتب بالقارئ، تعيد صياغة عملية الكتابة، وبالتالي عملية القراءة ، وتعيد ترتيب علاقة الكاتب بكتابته،علاقة لغته بالنص وعلاقة نصه بما خارج النص.
وصفت هذه المجموعة من الكتاب بالفوضى والتحايل بالكتابة على الكتابة و التصنع، ولكني ارى انهم يمثلون نقطة تستحق التوقف عندها ، فلا يمكن تجاهلهم أو ركنهم تحت خانة (لا أدب) . كتاب يحمل كل منهم2 رؤية ، فكرة و قدرة على التعبير عن هذه الرؤية .. الأهم من ذلك يحملون حلم كل كاتب :الجديد وصلابته.

خصائص الكتابة في دائرة الإنيغما في نقاط:
  • التعبير الذاتي الحر عن غموض "انيغما" الظاهر المتمثل ببعديه دون البحث عن البعد الثالث.
  • العمل على استحضار العقل والوعي بقوة داخل النص وكبح القارئ من اللجوء إلى خياله، المنطق أو المفاهيم المتفق عليها.
  • الإنيغما معبر عنها عبر اللغة بحضورها، واللغة ليست مطية للوصول إلى الثيمة.
  • الكاتب واصف دقيق لا مبالي لما يصفه، والقارئ شاهد متفرج (لا متعاطف أو مسنتج)
  • الوصف الدقيق دون محاولة وضع استنتاجات او تفسيرات أو تحليلات ، هذه الهوة بين الحدث وتفسيره هو ما يخلق هذا العالم الغرائبي الغامض الواضح.
  • المبالغة في الوصف، اخفاء عواطف الكاتب، افتراض الفة في اللغة أو تجربة مشتركة بين القارئ والكاتب غير موجودة، جعل الكلمات ملموسة tangible، الإهتمام بالشكل، خلق معنى جديد للكلمة، ربط القارئ باللغة وخلق علاقة جديدة له معها وكبحه من تجاوز اللغة إلى ما ورائها.
  • تحرص هذه الكتابة أن يمارس القارئ الكاثارسيس (عبر اللغة لا الحبكة) في هذا العالم الإنيغماتي الماثل امامه ببعديه الإثنين.
  • لاحظت المجموعة تعتمد في كتاباتها على نفي فكرة اللغة كناقل للمعنى، ولكنها تعتمد على حضور اللغة nonetheless
 الصورة لكتاب وشعراء الحيطة وهم يجلسون على ..الحيطة!

مدرج تعليق للأستاذ الناقد محمد حسبو بموقع سودان فور أول..تجدونه في الرابط أدناه
معنون بabsurd أو سخيف :)